احدث ابداعات عازف العود والمؤلف الموسيقي المغربي سعيد الشرايبي "خيالات في قلبي" عمل ابداعي ذو روح أندلسية. ويستهله الشرايبي بتقاسيم في الأجواء الأندلسية مبحراً في عوالم بعيدة ولكنها قريبة الى قلبه وتشكل أجواء فكره وسعيه. فقد عاش أجداده في مدينة غرناطة وما زالت العائلة تحتفظ بمفتاح البيت هناك. وقد وضع الشرايبي مقطوعة موسيقية على مقام الحجاز في عنوان "مفتاح غرناطة" وهي نوع من الحسرة على الماضي الذي وصلت فيه الموسيقى العربية الى أبهى صورها. ويضم الشريط أيضاً مقطوعة في عنوان "عود أندلسي" اشارة الى النهج الذي يحاول الفنان بلورته ويعتمد أساساً له التراث الأندلسي - المغاربي. يكشف سعيد الشرايبي في أعماله كما في "مفتاح غرناطة" العلاقة بين الأندلسي الحجاز والتركي بتعريجه على مقام الشاهناز التركي. وهي علاقة انتقلت مع المهاجرين الأندلسيين الذين رحلوا الى الدولة العثمانية حاملين معهم روح التراث الأندلسي. ويظهر ذلك في الايقاعات التي يستخدمها إذ يقدم ايقاعات مغربية من منطقة الشمال يقابلها ايقاع اقصاق التركي، وهو يفسر الدائرة التي أوصلت الموسيقى من المشرق الى المغرب ومن ثم الى المشرق عبر تركيا. والشرايبي يعتمد الغوص على أعماق التراث الموسيقي أساساً في عمله، ساعياً الى تقديم الجديد من وحي التراث. وفي هذا الاطار يقدم مقامات تعيش في الظل مثل مقام طرزوين. وفي كل ذلك يحاول الشرايبي تقديم العود الأندلسي. الى ذلك فهو دائم الابحار في أجناس المقامات ضمن عملية ارتجال آنية من وحي اللحن الذي يعزفه. والمستمع الى ابداع سعيد الشرايبي يلاحظ بروز أجواء شرقية عراقية وشامية و"مغاربية" محورها المدرسة الأندلسية التي تشكلت من هذه الأجواء. وهو يعشق دراسة المقامات ويطبقها ضمن منهجية كلاسيكية يستخرج فيها كل ما هو متاح في المقام. ومن ذلك الابحار في الأجناس التي تتفق مع روح المقام وهو يظل أميناً لروحه الأصلية. ويتبع الشرايبي تقاسيمه بمقطوعة موسيقية عادة ما تكون في اطار السماعي تخليداً للنهج الكلاسيكي القديم. والشرايبي فنان عصامي عشق الموسيقى وآلة العود فجعلهما همه الأساسي وكان نشأ على كبار الموسيقيين العرب مثل فريد الأطرش، رياض السنباطي والعراقي جميل بشيرالذين اثروا فيه فانكب على دراسة الأطر التي عملوا فيها. علاوة على الاستفادة الدائمة من خلال لقاءاته بعازفين عرب وغيرهم من الذين برعوا في العزف على العود. واستفاد من تقنيات الريشة المستعملة في آلات وترية أخرى مثل الغيتار والبزق وغيرهما اضافةً الى الدراسة في الكتب المتاحة أمامه. الى ذلك دأب الشرايبي في البحث عن العود والصوت المغربي الخاص. وبدأت تجربته هذه عند اقتنائه أول عود في مطلع السبعينات. وبدأ يدرس قواعد صناعة العود من خلال الكتب والتجريب المستمر. وزائر بيت الشرايبي يجد نفسه في متحف لآلات العود ذات الأحجام المختلفة منها الصغير جداً القيثارة والعود اليمني القنبوز وغيرها. اضافة الى أعواد عدة يتميز كل منها بجرسه الخاص. وهو كذلك في أدائه إذ يستعمل في أمسياته أكثر من عود تبعاً للمادة الموسيقية. والشرايبي يحتفظ في قلبه بمكانة خاصة للأساتذة الذين تعلم عليهم من خلال متابعة أعمالهم. وهو لذلك يواصل تجربة الغنائية في عزفه مستلهماً حروف الماضي ليقدم أعمالاً معاصرة محدثة من ناحية المقامات والتراكيب اللحنية. وهو، في الوقت ذاته، لا يعتمد أسلوباً معيناً في الريشة وكأنه يعلن حياده تجاه الاستعمالات المختلفة للريشة والمدارس المعروفة في العزف على العود في محاولته الدؤوب لصوغ أسلوبه الخاص ذي الصوت المغاربي. ويكرم الشرايبي الراحل فريد الأطرش، ابن جبل الدروز، في شريطه الجديد بنغمة مغربية جبلية كاشفاً عن أماكن اللقاء بين هذه المناطق الجبلية المغربية والشامية والمدرسة التركية التي قد تكون أخذت هذه الايقاعات مثل ايقاع اقصاق من المغرب بحسب اعتقاده. ويقدم الشرايبي في الشريط ذاته قطعة موسيقية بأربعة أعواد ذات أحجام مختلفة في تجربة فريدة تحاول استعادة الماضي الزاهر حين كانت الأوركسترا تتشكل من عشرات الأعواد وكان العود آنذاك سيد الآلات بالفعل. وعلى صعيد الايقاعات يجانس الشرايبي بين ايقاعية رباعية وثلاثية وغير ذلك من ايقاعات مركبة معتمداً في نهجه الموروث الشعبي الذي تنفسه منذ نعومة أظفاره. وكانت صدرت للشرايبي مجموعة أخرى في عنوان "عود من المغرب" أساسها التقسيم في مقامات عدة. وتشمل بعض القطع الموسيقية مثل "نزهة" التي سبق وأطلقها في شريطه الأول "تقاسيم على العود". يبدأ الشرايبي مجموعته "عود من المغرب" بقطعة عنوانها "سليمان" وهي بمثابة القاعدة التي ينطلق منها ويعود اليها في آخر الشريط. ويلي ذلك تقسيم على مقام اوج ارا تمهيداً للدخول في قطعة من نوع السماعي. وفي تقسيمه يترجم الشرايبي المناخ التركي للمقام بحس عربي صرف. يقول الشرايبي انه أمضى 16 سنة في دراسة المقام حتى استطاع استيعابه والابحار في جنباته. وصادف وقت تأليفه السماعي وفاة والدته فجاء اللحن صادقاً معبراً. ويروى في هذا القبيل ان مَن ابتدع هذا المقام جارية أرادت التعبير عن الظلم الذي لحق بها. وكان الشرايبي وما زال يعتمد على المتاح من الكتب أمامه في درسه المتواصل. ومن أبرز الكتب التي يعتمد عليها في دراسة المقامات كتاب سليم الحلو كما يكرر لمحدثه. ويشمل الشريط تقسيماً في مقام حجاز كار شرقي مستلهماً ألوان التراث الشرقي والمغربي مثل العيطة. ويقارب بينها وبين أنغام شرقية في بحثه عن المشترك بين الأنغام في العالمين العربي والإسلامي. والشرايبي عندما يقدم ما هو مألوف في جانب منه فهو واضح في تعاطيه مع حقيقة الأشياء وليس مع ما نبع منها أو استلهم ضمن سياق التجربة الآلية العربية عند أكثر من فنان وفي أكثر من بلد عربي. وهو مجتهد الى أبعد الحدود، وهذا ما يظهر في رغبته في التطور ضمن الحدود التي وضعها لنفسه. ويضمّ الشريط تقسيماً في مقام راست بنجكاه، وهو تناول قريب من أسلوب الراحل محمد عبدالوهاب. وفي الشريط ذاته يكرم الشرايبي عازف البزق محمد مطر، الذي تميز بحسبه في أدائه أغنيات تراثية. وهو لذلك يقدم تنويعات على لحن "يا أم العبايا". وفي الشريط قطعة من نوع اللونغا يكشف فيها الشرايبي لياقته في أداء الحركات الخفيفة والسريعة. وينهي الشرايبي شريطه "عود من المغرب" في الأجواء التي بدأها كأن يقسم ضمن الحدود التي وضعها للقطعة الأولى سليمان، منهياً جولته التي يترجم من خلالها اطلاعه الواسع الذي جعله يربط بين محيطه العربي ومحليته المغربية بألوانها التراثية الكثيرة. والفنان سعيد الشرايبي من مواليد مراكش العام 1951 نشأ في كنف عائلة ذات ميول مسرحية وفنية عامة حافظت على مر العصور والأجيال على تقاليدها حتى انها ما زالت تحتفظ بمفتاح بيت العائلة في مدينة غرناطة الأندلسية. بدأ الشرايبي علاقته بآلة العود وهو في الثالثة عشرة من عمره، واستفاد من ترحال والده المتواصل والذي كان دائماً يجلب معه تسجيلات جديدة كان الطفل يدأب على سماعها فتولد فيه خاصية تسيطر على رؤيته الى الأشياء وهي البحث الدائم في المقامات وفي صناعة العود ذاتها. وقد أصبح الآن أحد أبرز مصممي الأعواد في العالم العربي. في العام 1979 بدأ الشرايبي تجربته العملية في التلحين ومرافقة نجوم الأغنية المغربية مثل مغنية المغرب الأولى نعيمة سميح وكذلك محمود الادريسي، ماجدة عبدالوهاب والفنان المعروف عبدالهادي بلخياط. وفي مطلع الثمانينات شكل الشرايبي مجموعته الموسيقية التي شملت تسعة أفراد. وبدأ طوافه الفني في المغرب وفي عواصم عربية عدة بينها تونس، ليبيا ومصر. ثم قدم عروضاً فردية في الكثير من العواصم العربية والأوروبية لافتاً الى أسلوبه الخاص والمتفرد في الأداء وفي تناول المواضيع الموسيقية. وقد حاز الشرايبي خلال تجربته الغنية في العقدين الأخيرين على الكثير من الجوائز عن أعماله منها جائزة أفضل أوركسترا من مهرجان الموسيقى العربية في الجزائر عام 1984. وفي العام 1986 حصل الشرايبي على الجائزة الأولى في العزف على العود من بغداد. في العام 1987 لحن الشرايبي أغنية Amor en Marrakesh للمغني الاسباني J. Louis Arniz وقد حصلت على شعبية واسعة عند دخولها سباق الأغاني الاسبانية في العام التالي. وفي العام 1988 واصل الشرايبي طوافه الفني في عواصم فنية أوروبية عدة وفي الولاياتالمتحدة الأميركية، وأيضاً في المهرجانات واللقاءات الموسيقية المتخصصة في أكثر من عاصمة عربية وأوروبية. وآخرها مشاركته مع المغنية المغربية كريمة الصقلي في مهرجان فاس للموسيقى الروحية.