الذين كانوا يشكون في أن الموسيقى هي لغة الشباب الأولى اقتنعوا تماماً وهم يتابعون فاعليات الدورة الأولى لمهرجان مراكش الدولي للموسيقى الجامعية بأن الموسيقى هي اللغة الأكثر تداولاً في الأوساط الطالبية، إذ فوجئ الجمهور الذي غصت به "ساحة 16 نوفمبر" التي تعتبر القلب الثاني للمدينة الحمراء بعد "جامع الفناء"، بالشباب من الجنسين ومن مختلف الأذواق الفنية، يرقصون على كل الإيقاعات. منوعات فرنسية، بلوز، موسيقى أندلسية، هيب هوب، فولكلور عبيدات الرمى والهيت، الراب، وتراث أحيدوس الأمازيغي. كانت كل الإيقاعات تستدرج الأجساد الشابة وتحرضها على الرقص في مهرجان شبابي مفتوح نظمته "جامعة القاضي عياض" في مراكش في أواخر نيسان أبريل الماضي ودعت اليه ستاً وعشرين مجموعة فنية طالبية من مختلف الجامعات المغربية إضافة إلى جامعات عربية ودولية من تونس ومصر وفرنسا وبلجيكا. انطلق المهرجان بسهرة افتتاحية أحياها عازف العود المراكشي سعيد الشرايبي برفقة رباعي عود الحمراء ومجموعة مقام العشاق التابعة ل"جمعية الفارابي للثقافة الموسيقية"، واختتم بسهرة مع الفنان عبد الهادي بلخياط ونادي أصدقاء الموشحات. لكن، بين هذين الحفلين الرسميين نوعاً ما، كان مهرجان اشتعال الأجساد بالرقص والموسيقى يتواصل في عدد من فضاءات المدينة الحمراء: ساحة 16 نوفمبر، مدرسة ابن يوسف العتيقة، المسرح الملكي، دار الثقافة، والمعهد الفرنسي، إضافة إلى بعض مدرجات كلية العلوم. كل هذه الفضاءات استقبلت عروض الشباب المتنوعة. وكان لكل حفل عشاقه ولكل فرقة مريدوها. جمهور هادئ متزن يتابع عروض الموسيقى الكلاسيكية والطرب الأندلسي والموشحات، أما شباب المدينة ومراهقوها فقد كانوا يتحلقون حول مجموعات الهيب هوب ويشرعون في الرقص بلا هوادة وكأنهم كانوا يخفون في أجسادهم الشابة براكين وجدوا الفرصة سانحة لتفجيرها على إيقاعات هذه الموسيقى الضاجة بالصخب والحياة. وطبعاً لم ينحصر برنامج المهرجان الذي تجاورت فيه عناوين موسيقية متباينة، عند حدود تقديم العروض الفنية، بل حرص المنظمون على برمجة عروض ومحترفات حول الموسيقى المغربية، والتربية بالموسيقى، إضافة إلى محاضرة طريفة للمهندس جمال الدين عبد الرازق قارب خلالها السلالم الموسيقية عبر تحليل رياضي انطلاقاً من تصوره للموسيقى باعتبارها ليست إبداعاً فقط بل علماً دقيقاً يخضع لقوانين فيزيائية ورياضية محضة. كما تمت برمجة ورشات عدة في الإيقاع نشطها موسيقيو "دارالموسيقى" في بربينيون الفرنسية. وتجدر الإشارة إلى أن مراكش التي احتضنت هذا المهرجان الشبابي، مدينة جامعية بامتياز إذ تحتضن جامعتها ست كليات ويبلغ عدد الطلبة المسجلين فيها في الموسم الجامعي الحالي 35 ألف طالب. ويبدو أن رئاسة "جامعة القاضي عياض" تنبهت إلى أن الموسم الجامعي يصير طويلاً جداً ومملاً أحياناً ما لم تكن هناك فسح لبهجة الأرواح، لذا اقترحت على الطلبة أياماً للاحتفاء بالأذن والجسد والروح في مهرجان بدا واضحاً ومنذ دورته الأولى أنه صار مهرجان شباب المدينة جميعاً وليس حكراً على طلبة جامعتها وحدهم.