لم يكن في مقدور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان يحسم المعركة الانتخابية في دائرة عاليه ? بعبدا لمصلحته لولا تحالفه السياسي الواضح مع"حزب الله"الذي يشكل اقوى قوة شيعية في الضاحية الجنوبية من بيروت مما انعكس انسجاماً في الاقتراع الشيعي، قل نظيره في الدورات الانتخابية السابقة، عندما كان يترك الباب مفتوحاً امام تمرير مجموعة من الأصوات للنائب الخاسر طلال ارسلان. لماذا اختار"حزب الله"تحالفه مع جنبلاط في لائحة تضم ممثلين عن تيار القوات اللبنانية والحركة الإصلاحية الكتائبية بقيادة الرئيس امين الجميل كبديل عن ائتلافه مع التيار الوطني الحر وأرسلان؟ في الإجابة على السؤال لا بد من الإشارة الى ان قيادة"حزب الله"كانت حسمت مبكراً امرها في التحالف مع جنبلاط، لكنها تريثت في إعلان موقفها الى عامل الوقت من دون ان يعني ذلك انها في وارد إعادة النظر في موقفها... خصوصاً ان تحالفها ينطلق اولاً وأخيراً من حسابات سياسية تتجاوز ضمان الفوز بمقعد نيابي الى الاستعداد لمواجهة المرحلة المقبلة من خلال قراءتها لمواقف الأطراف من الشق اللبناني الخاص بتطبيق القرار 1559 والذي لا يستهدف سوى سلاح المقاومة. وفي هذا السياق، اكدت مصادر سياسية لپ"الحياة"ان ارسلان حاول في لقاءاته مع الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر ال،له وبعضها ظلت بعيدة من الأضواء، اقناعه بضرورة خوض المعركة على لائحة موحدة مع التيار الوطني الحر، او ان يكون البديل منعاً للإحراج البحث عن صيغة للتعاون الانتخابي من خلال ترك المقعد الدرزي الثاني شاغراً على اللائحة. إلا ان نصر الله الذي حاول اقناع جنبلاط بترك المقعد الدرزي الثاني في عاليه شاغراً لمصلحة ارسلان، رأى في المقابل - بحسب المصادر ، ان هناك صعوبة في الائتلاف مع التيار الوطني الذي لا يزال يدعي في العلن ومن خلال زعيمه العماد ميشال عون بأنه وراء استصدار القرار 1559، وبالتالي فهو يروج من حين الى آخر لفكرة تطبيق ما تبقى منه. ونقلت المصادر عن نصر الله الذي يقدر ارسلان ولا يرى مشكلة معه، ان الحزب لا يسعى الى الاحتفاظ بالمقعد الشيعي لمصلحة مرشحه النائب علي عمار، وإنما يتطلع الى خوض المعركة على خلفية الموقف السياسي العملي من القرار 1559 وبالتالي فهو يرى انه وجنبلاط هما الأقرب الى التحالف نظراً الى انسجامهما في الموقف من القرار المذكور. كما ان الاستحقاق الانتخابي، لا يعني من وجهة نظر الحزب ان خوضه يتم على اساس الحاجة الى بناء علاقات يغلب عليها الطابع الشخصي ويغيب عنها البعد السياسي للمعركة، وهذا ما يفسر تشدد الحزب في الاقتراع بكثافة من دون حصول أي تشطيب ينطوي على قرار يتعارض والتوجهات العامة للحزب في هذه المعركة. وهكذا كان لدى الحزب قرار بعدم تكرار"التفلت"في الاقتراع الذي حصل في بيروت حيث اقترع عدد كبير من ناخبيه لمصلحة نجاح واكيم ضد النائب عاطف مجدلاني الذي خاض الانتخابات مع مرشح الحزب امين شري على لائحة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولا يعود السبب الى تصحيح الخطأ الذي حصل من جانب ماكينة الحزب الانتخابية في الدائرة الثانية من بيروت فحسب بل لأن السماح بإحداث ثغرة في بعبدا - عاليه مماثلة لتلك التي شهدتها العاصمة يمكن ان يرتب تداعيات سياسية تؤثر في علاقته الاستراتيجية بجنبلاط وهذا ما لا يتمناه. لذلك فإن الحزب تصرف بمسؤولية في انتخابات بعبدا - عاليه لقطع الطريق على من يحاول تحميله مسؤولية أي خرق يمكن ان تسجله اللائحة المنافسة لتحالفه مع جنبلاط خصوصاً اذا ما بلغ هذا الخرق حجماً كبيراً يتضرر منه الأخير الذي قد يشعر بوجود من يهدد زعامته في الجبل. وهكذا فإن الحزب خاض الانتخابات من موقع تجميع كتلة سياسية في هذه المنطقة تكون مستعدة للوقوف الى جانبه، وهذا ما يفسر حرصه الشديد على الالتزام بكامل اعضاء اللائحة خلافاً لموقف حليفه الشيعي رئيس المجلس النيابي نبيه بري من الانتخابات في كسروان - جبيل وفي البقاع الأوسط زحلة. ففي هاتين الدائرتين سعى الحزب الى تمرير رسالة سياسية لمن يعنيهم الأمر بأنه ليس طرفاً في انتخابات تغلب عليها المنافسة المارونية - المارونية كما في كسروان - جبيل، والكاثوليكية - الكاثوليكية في زحلة. وبالتالي ليست لديه مواقف مسبقة من المرشحين. اما بالنسبة الى السؤال حول كيفية التعاطي الشيعي مع الزعامة المارونية التي حققها عون في المتن الشمالي وكسروان - جبيل، فمن المبكر الإجابة عليه، قبل ان يلجأ الطرفان الشيعيان الى اجراء قراءة سياسية دقيقة للمعطيات التي افرزتها المعركة في هاتين الدائرتين، وصولاً الى رسم خطة تتعلق بكيفية التعاطي مع هذا التحول المسيحي بعيداً من رد الفعل. وعلى هذا الصعيد قالت اوساط شيعية لپ"الحياة"ان الحزب وحركة"امل"سيأخذان وقتهما قبل استخلاص ابعاد الظاهرة العونية في المتن الشمالي وكسروان - جبيل لما سيكون لها من تأثير في تحديد طبيعة العلاقة مع التيار الوطني وإمكان التوافق معه على عناوين سياسية لا تبقى محصورة بمكافحة الهدر والفساد وتحقيق الإصلاح الإداري لمصلحة قيام مشروع الدولة، لا سيما ان الاختلاف في وجهات النظر حول القرار 1559 قائم ولا بد من فتح حوار تحت سقف الحفاظ على الاستقرار السياسي وإغلاق الباب امام أي انتكاسة امنية. ولفتت هذه الأوساط الى ان الحاجة الى اجراء قراءة متأنية للتحولات في الساحة المارونية التي انهكت لقاء قرنة شهوان المعارض، وبعثرت الانتصار الذي حققته المعارضة في 14 آذار مارس الماضي، اضافة الى انها افسحت في المجال امام البحث بطبيعة اخرى لدور البطريركية المارونية في الحياة السياسية خلافاً للدور الذي لعبته قبل الاستحقاق الانتخابي في الجبل وكاد يوحي بأنها توفر الغطاء السياسي للقاء القرنة ضد الآخرين. ولم تستبعد الأوساط ان يكون السبب الأساس للانتصار الذي حققه التيار الوطني وقاده الى إلغاء الآخرين انتخابياً الحاجة الماسة للموارنة الى زعيم سياسي اسوة بزعماء الطوائف والمذاهب الإسلامية يكون في وسعه تحقيق القدر الممكن من التوازن في الحياة السياسية. كما وأنها لم تسقط من حسابها ان عون يطمح منذ الآن الى خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد ان ضمن رئيس الجمهورية اميل لحود البقاء الى آخر يوم في ولايته الممددة لأن المطالبة باستقالته في طريقها الى التراجع لغياب الغطاء الماروني وتحديداً في الجبل بعدما قادت الانتخابات الى تغييب ابرز الرموز المارونية عن المجلس النيابي المنتخب. وبالنسبة الى الموقف من الحكومة الجديدة قالت الأوساط ان القوتين الشيعيتين قررتا الانفتاح على جميع القوى السياسية في المجلس النيابي المنتخب على قاعدة ان الحوار يشكل المدخل الوحيد، ليس من اجل التفاهم حول التركيبة الحكومية العتيدة، فحسب وإنما لتحديد الإطار العام لمواجهة الضغوط الأميركية على لبنان من خلال إصرار واشنطن على تطبيق بقية البنود الواردة في القرار 1559 وعلى رأسها سحب سلاح المقاومة. وأضافت ان القوتين وإن كانتا تطمحان للوصول الى"تسوية"من خلال الحوار حول سلاح المقاومة باعتباره شأناً داخلياً، فإنهما في المقابل تريدان اقتحام التيار الوطني، عبر تذخير قنوات الاتصال باعتبار ان التوافق السياسي ضروري في هذه المرحلة لتوفير الظروف المواتية للبحث في ملف تشكيل الحكومة الجديدة التي يجب ان تمثل القوى الفاعلة. ولفتت الأوساط إلى ان الغالبية النيابية من دون التيار الوطني مؤمنة، لكن المشكلة تكمن في المجيء بحكومة توافقية لا تستمد قوتها من الديموقراطية العددية كبديل من تحقيق المشاركة وهذه المرة مع الشريك المسيحي الأقوى. ورأت ان هناك ضرورة لاحتضان التيار الوطني واستيعابه، لكنها اكدت انها لن تتفرد في أي موقف حيال عون لئلا يبادر البعض الى التعامل مع أي تفاهم وكأنه يصب في خانة التحضير لتشكيل ثنائية شيعية ? مارونية بينما المطلوب تأمين مشاركة لبنانية واسعة، تستدعي اولاً من عون تحديد موقف واضح لا لبس فيه من القرار 1559. ورداً على سؤال اكدت ان الحوار الشيعي - الشيعي الذي بدأ منذ فترة بين بري ونصر الله من اجل التفاهم على كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة لا بد من ان يشمل ايضاً جنبلاط والحريري وعون، على رغم ان الأخير لم يطور موقفه من القرار 1559، وهذا ما يميز علاقة امل والحزب بتيار المستقبل والحزب التقدمي، وإن كان لا يبرر تحت اية ذريعة سلوك الطريق المؤدي الى عزل عون بدلاً من استمرار الحوار معه، بصرف النظر عن ردود الفعل التي صدرت ازاء اكتساحه المقاعد النيابية في المتن الشمالي وكسروان وجبيل، باعتبار انه الطريق للوصول الى تفاهم الحد الأدنى لتبريد الأجواء ولتبديد اجواء الاحتقان لمنع بقاء هذا الفريق او ذاك في متراسه السياسي بحماية الطائفة التي ينتمي إليها. وما يعزز الحاجة الى الحوار وجود شعور لدى"حزب الله"بأن اهمية المقاومة ودورها لا يكمنان في تمسكها بسلاحها وإنما في الحفاظ على الغطاء الوطني الذي لا يزال يوفر لها الحماية السياسية وبالتالي لا مصلحة لها في تعميق الانقسام.