صدر أخيراً تقرير عن "صندوق النقد الدولي" بالطلب من السودان بالتعاون ضمن اتفاق "الفقرة الرابعة"، تناول الوضع الاقتصادي الحالي والتحديات المستقبلية التي تواجه البلاد، خصوصاً بعد توقيع اتفاق السلام واعتماد النظام الفيديرالي وتنظيم اقتسام السلطات والموارد بين شمال السودان وجنوبه. وذكر التقرير ان الاقتصاد السوداني استمر في النمو في 2004. وان الناتج الوطني المحلي الحقيقي، زاد بحسب التقديرات من 6 في المئة في 2003 إلى 7.3 في المئة في 2004، بفضل الأداء القوي لقطاع النفط والصناعة والإنشاءات والطاقة والخدمات، إذ أثمر التحسن في الطاقة الإنتاجية للنفط إلى زيادة بنسبة 21 في المئة في الناتج الوطني المحلي النفطي. وارتفع التضخم المالي بنسبة 8.4 في المئة في 2004 مقارنة 6.5 في المئة في 2003، بسبب السياسة النقدية التوسعية للحكومة في النصف الأول من 2004، في حين تراجع العجز في الحساب الجاري الخارجي إلى نحو 4.1 في المئة من الناتج المحلي في 2004 مقابل نسبة 5 في المئة في 2003، بفضل النمو في عائدات الصادرات النفطية والصادرات غير النفطية. أما الاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات الخاصة، فزادت إلى 2.5 بليون دولار في 2004. وكسب الدينار السوداني نسبة 3 في المئة من قيمته مقابل الدولار، ونحو 8 في المئة في سعره الحقيقي. وأدى ارتفاع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى تسجيل فائض في الموازنة في 2003 و 2004، على رغم ارتفاع المصاريف، إذ بلغت الإيرادات الإجمالية 21.5 في المئة من الناتج المحلي في 2004، و16.8 في المئة من الناتج المحلي في 2003. وارتفعت الإيرادات غير النفطية من 8 في المئة من الناتج الوطني المحلي في 2003 إلى 10.4 في المئة في 2004، بفضل تحسن جباية الضرائب وتقليص الإعفاءات الضريبية وإيرادات رخصة الاتصالات. كما استمرت إيرادات النفط في التحسن في 2004 بفضل ارتفاع الأسعار والكمية المنتجة، ما سمح بتراكم 1.6 في المئة من الناتج الوطني المحلي في حساب التوفير النفطي. أما التكاليف، فزادت أيضاً بسبب المصاريف الطارئة غير المتوقعة والإنفاق الرأسمالي. وأشار التقرير إلى تراجع النمو في الكتلة النقدية في كانون الأول ديسمبر 2004 إلى 30.8 في المئة، بسبب الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي للحد من نمو السيولة النقدية، والى اعتماد السودان سياسات وإصلاحات مؤسساتية عدّة في الأعوام القليلة الماضية تهدف إلى المحافظة على النمو الاقتصادي والاستقرار الماكرو اقتصادي. إذ أدخل المصرف المركزي تحسينات في إدارة ومراقبة السيولة، كما تم تطبيق الزيادة المطلوبة على الحد الأدنى لرأسمال المصارف. كما تم تطوير برنامج لإصلاح التعرفة الجمركية، لكن تم تأجيل اعتماده إلى 2006 بسبب الحاجة لإيرادات حكومية بعد توقيع اتفاق السلام. ونوه التقرير في تحسن الشفافية في قطاع النفط، بعد ان أجرى المكتب العام للمراقبة تدقيقاً مالياً في حسابات شركة نفط السودان وسلم تقريره للبرلمان. توصيات الخبراء أوصى المديرون التنفيذيون السلطات السودانية ب"المواظبة على اعتماد السياسات المالية والنقدية الحذرة وتطبيق الإصلاحات الواسعة وإن في ظل مناخ اقتصادي صعب". وأشار الخبراء الى "أنها انعكست تحسناً في الأداء الاقتصادي، برزت نتيجته من خلال التحسن في دخول الاستثمارات الأجنبية وتدعيم الميزان الخارجي وخفض معدل التضخم المالي. علماً ان النمو في الامدادات النفطية ارتفع، بالإضافة إلى النمو في القطاع غير النفطي، ما يشير إلى التقدم في التنويع الاقتصادي المحلي. وأقروا بوجود "تحديات مهمة لضمان تطبيق اتفاق السلام الموقع مؤخراً، لا سيما حل الأزمات الإنسانية في دارفور". وشددوا على ان "الخطوات العملية المتخذة ستسمح للسودان بتحقيق قدراته الاقتصادية وتصحيح علاقاته مع الجهات المقرضة وتحقيق أهداف التنمية للقرن الجاري". وأوصى الخبراء الحكومة بالاستمرار في اتباع سياسة مالية حذرة اعتمدتها في الأعوام القليلة الماضية، لا سيما موازنة السنة الجارية التي لحظت تأجيل زيادة رواتب موظفي الخدمات المدنية. واعتبروا ان "التحول إلى النظام الفيديرالي يدعو إلى تدعيم ملح لطاقات الحكومات المحلية عبر حسن إدارة المصاريف العامة وتقليص المصاريف غير الضرورية، والعمل على تحسين العائدات غير النفطية عبر توسيع قاعدة المكلفين وتحسين جباية الضرائب". كما دعوا إلى "زيادة الشفافية في الإفصاح عن العائدات النفطية". وأوعزوا باستمرار السياسة النقدية الحذرة، تحسباً لمخاطر التضخم المالي وبضرورة اعتماد المصرف المركزي عمليات توجيه للسوق بواسطة السندات الحكومية. ورحب الخبراء بالخطوات المتخذة مؤخراً لزيادة مرونة سعر الصرف، واعتبروا ان معدل سعر الصرف العائم الموجه مناسب حالياً. وشددوا على "أهمية اعتماد برنامج إصلاح التعرفة الجمركية في موازنة 2006، ما سيساعد في تعزيز المنافسة في السوق المحلية وفي تشجيع المستثمرين". كما رحبوا بالخطوات المتخذة سابقاً من قبل الحكومة بهدف تحسين النظام المصرفي وتشجيع السلطات على السير قدماً في اعتماد توصيات "برنامج تقويم القطاع المالي". وأكدوا على ضرورة خفض نسب الديون المتعثرة وتعزيز معدلات الملاءة الرأسمالية وإعطاء الدفع لخصخصة المصارف الحكومية وتطبيق الإصلاحات المالية الواردة في اتفاق السلام. ورحبوا بالتشريعات المطبقة حديثاً، لا سيما قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وأظهر الخبراء قلقاً إزاء اعتماد السودان على قروض غير حاصلة على امتيازات في العام الماضي، تجنباً لدخوله في مفاوضات معقدة لإعادة ترتيب هذه القروض مستقبلاً. وربط العديد من الخبراء حصول التقدم في معالجة مشكلة ديون السودان والأعباء المتأخرة بتوصل الحكومة إلى حل مناسب لأزمة دارفور والتطبيق السريع لاتفاق السلام. ورحب التقرير بالتقدم الحاصل في الإفصاح عن الإحصاءات الاقتصادية ومشاركة السودان في "برنامج الإفصاح عن المعلومات العامة" التابع لصندوق النقد. وشجعوا الحكومة على تحسين نوعية المعلومات المتعلقة بميزان المدفوعات والحسابات القومية.