شرحت ماري بيار ري، مديرة مركز الدراسات التاريخية السلافية في جامعة باريس الاولى، في حديث الى صحيفة"ليبيراسيون"أسباب الاعتراضات التي وجهتها دول أوروبا الوسطى والشرقية الى روسيا بمناسبة دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رؤساء العالم الى الاحتفال بمرور ستين سنة على الهزيمة النازية. وفي ما يأتي نص المقابلة: دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كبار زعماء العالم إلى احتفالات التاسع من أيار/مايو في موسكو، بمناسبة مرور ستين عاماً على الهزيمة النازية. وبعدما رفض رئيسان من أصل ثلاثة رؤساء دول بلطيقية المشاركة في الاحتفال بذكرى ابتلاع الاتحاد السوفياتي لدولتيهما، احتدم النقاش بين الدول الغربية. ما رأيك في هذا الجدل؟ يمكن النظر إلى التاسع من أيار 1945، أي تاريخ استسلام الجيش النازي في برلين على يد الجنرال جوكوف، من منظارين مختلفين تماماً. فبالنسبة إلى السوفيات، أو الروس حالياً، يعتبر هذا التاريخ رمزاً لبطولة الشعب وشجاعته، وتضحياته التي أدت الى هذا التحرير. فال"الحرب الوطنية الكبيرة"أودت بحياة ما يفوق 26 مليون قتيل، وتخللتها مراحل مريرة كحصار لينينغراد حيث قضى 900 ألف شخص من الجوع ومرض الحمّى الصفراء. فهذه الحرب لأمت جراح مجتمع مفكك ومفتقر الى مرجعية، وهو مجتمع عانى عنف الحقبة الستالينية ومعسكرات"الغولاغ"، التي أرسلت بين 5 و6 ملايين شخص إلى معتقلات التطهير بين 1937 و1938. أما بالنسبة إلى دول البلطيق، فيرمز هذا التاريخ إلى تكريس ضمها الى الاتحاد السوفياتي بموجب معاهدة 23 آب أغسطس 1939 النازية - السوفياتية والبروتوكول السرّي الذي تمّ توقيعه في 25 أيلول/سبتمبر بين الطرفين. وكانت دول البلطيق أجبرت على هذا الانضمام بعد اجتياح السوفيات لأراضيها عام 1940، واعتقال السياسيين والمثقفين وقسرهم على الهجرة. وعلى أثر استفتاء مزيّف، أجبرت هذه الدول على الانضمام إلى الاتحاد السوفياتي. وفي حين ترى موسكو أن انضمام هذه الدول الى الاتحاد السوفياتي حصل طوعاً وبموجب الاستفتاء، تعتبر دول البلطيق عملية الضمّ هذه سيرورة من العنف والويلات المتتالية. هل يعني ذلك ان الحقبة السوفياتية فشلت في تشكيل تاريخ مشترك؟ فشلت الحقبة السوفياتية في تأسيس اتحاد سوفياتي موحّد، ومرتبط بالاشتراكية وبعيد من الاختلافات الوطنية. وبعد ضمّها إلى الاتحاد السوفياتي، جعلت دول البلطيق"جمهوريات"سوفياتية، وفرض على ثقافتها الطابع الروسي. وكان وضع هذه الدول أكثر صعوبةً من وضع الديموقراطيات الشعبية في أوروبا الوسطى والشرقية. وخلافاً لدول البلطيق وعلى رغم تمتعها بسيادة محدودة، احتفظت هذه الديموقراطيات الشعبية بإطار الدولة. وما لبث أن برز الوعي القومي والوطني في دول البلطيق مع حرية التعبير التي رافقت ال"بيريسترويكا"في نهاية الثمانينات. وبالفعل، حاول الاتحاد السوفياتي فرض تاريخ رسمي، ولم يعترف بوجود بروتوكولات مولوتوف - ريبنتروب السريّة. غير ان دول البلطيق لم تلتزم التاريخ الرسمي، بل صنعت من معاناة الاقارب تاريخاً شفهياً تتناقله العائلات. هل تغيّر الخطاب الروسي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1990؟ في الثمانينات حرص الروس على إعادة النظر في الحقبة الستالينية. وأجرت جمعية"ميموريال"، أبحاثاً مهمة حول مخيمات التطهير. وعينت لجنة رسمية للاهتمام بإعادة الاعتبار الى ضحايا الممارسات الستالينية. وأصبح تاريخ الحرب العالمية الثانية أقل ايديولوجية وأكثر واقعيةً. ففي عهد الرئيس ميخائيل غورباتشيف، تمّ الاعتراف بالبروتوكولات السريّة بين مولوتوف وريبنتروب بعد عقود من النكران. وكذلك اعترف السوفيات باقتراف مجزرة كاتين التي أعدم فيها آلاف من الضباط البولنديين، وهي مجزرة نسبها السوفيات إلى النازيين. وفي عهد بوريس يلتسين، ناقش السوفيات ملف ضمّ دول البلطيق. لكن هذه الدول لم تكتف بهذا النقاش، وتطالب باعتراف الروس بالطابع القسري لهذا الضم، وبالاعتذار عما اقترفوه. هل تابع بوتين هذه الخطوات في عهده؟ في عهد بوتين، تراجع الاهتمام بحقبة الحرب العالمية الثانية وما تلاها. فبوتين أراد ألا تخجل روسيا من ماضيها بعد الآن. فهو، وبالاستناد إلى موروث الحقبة السوفياتية، يريد منح روسيا حضارة توازي حضارات القوى العظمى. فبرز اهتمامه بالتواريخ الرمزية البارزة على غرار التاسع من أيار مايو 1945. وإضافة إلى ذلك، استرجع بوتين لحن النشيد السوفياتي، وجدد كلماته لتتلاءم مع الوضع الراهن. وفي الاهتمام بتاريخ هزيمة النازيين والنشيد السوفياتي همّ واحد: ضرورة إعادة دمج الماضي السوفياتي كلياً في التاريخ الروسي. وكان هذا التاريخ مخجلاً الى حد ما في عهد يلتسين. بينما لا مكان للخجل من التاريخ السوفياتي في عهد بوتين، ضابط جهاز الاستخبارات السوفياتية السابق. ولذلك، يبرز بوتين الدور الذي لعبه ستالين في الحرب العالمية الثانية، ملقياً الضوء على الجوانب المثيرة للاعجاب، ومهملاً أخطائه الفادحة. ليبيراسيون الفرنسية 8/5/2005