انفجار الأزمة الحالية بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الشؤون الخارجية ناصر القدوة من جانب، ورئيس حركة"فتح"والدائرة السياسية لمنظمة التحرير فاروق القدومي أبو اللطف من جانب آخر، تراكمت مسبباته منذ فشل المجلس الثوري لحركة"فتح"في حسم تداخل الصلاحيات والمسؤوليات. وقد اتكأ على دعوة القدومي والقدوة سفراء وممثلو منظمة التحرير في المحافل الدولية اكثر من 85 بعثة ما بين سفارة ومكتب لحضور اجتماعين منفصلين برئاسة كل منهما أحدهما عقد في رام الله برئاسة القدوة وحضور 69 سفيراً. الا أن ثمة مشروعية لفتح هذا الملف الذي بدأ يطفو على السطح منذ صيف 2003 عندما وجه أبو مازن الذي كان حينذاك رئيساً للوزراء، كتاباً الى أمين عام جامعة الدول لاعربية عمرو موسى يطالب بالتعامل مع نبيل شعث كوزير للخارجية، وليس مع القدومي الذي رد بحدة في حينه، وبدعم من ياسر عرفات، على هذا الكتاب، مؤكداً انه هو الممثل الشرعي والوحيد لفلسطين في المحافل الدولية! والحال أن الوضع الاستثنائي الملتبس الذي يلف السياسة الخارجية الفلسطينية والصراع حولها، وتردي اوضاع البعثات الديبلوماسية الفلسطينية التي تقادم وشاخ ممثلو معظمها، كما نخرها الفساد والمحسوبية ورعاية"البيزنيس"، ناهيك عن"التنسيق الأمني"مع الدول المضيفة، تجعل من عملية تصحيح وتغيير هذه الاوضاع الشاذة أولوية لا يمكن الا دعمها ومساندتها. غير ان ذلك لا يتناقض مع الزعم بأن عملية الاصلاح والتطوير المطلوبة كان ينبغي ان تتم وفق الشروط والآليات الديموقراطية، وليس عبر محاولات استكمال ما يسمونه في رام الله"الانقلاب الابيض الثاني"، بعد الانقلاب الأول الناجح في الاجهزة الأمنية، وذلك من خلال سحب البساط من تحت أقدام"قادة الخارج"في المنظمة بوسائل وأساليب اقل ما يقال فيها انها"غير مطمئنة"للفلسطينيين، تحت ذريعة"صعوبة وخطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية". وهي الذريعة ذاتها التي استخدمتها الانظمة العربية على مدى عقود طويلة لتبرير القمع والفساد واحتكار مفاتيح السلطة. ويبدو من الملح هنا طرح بعض الاسئلة المفصلية التي تلقي بظلالها على عمليات الاصلاح والتغيير التي بدأها أبو مازن منذ انتخابه رئيساً للسلطة، وما رافقها من محاولات، ناجحة حتى الآن، لجمع الأواق السياسية الفلسطينية المبعثرة والمسؤوليات، وحشد المناصب بين يديه، بعد ان كان هذا"الجمع"أحد أهم وأبرز مآخذه على الرئيس الراحل ياسر عرفات. وأبرز هذه الاسئلة وأهمها يدور حول التالي: ما هو شكل ومضمون وحدود العلاقة ما بين منظمة التحرير التي يفترض نها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وبين السلطة الفلسطينية التي يفترض أن تكون المنظمة مرجعيتها السياسية؟ وما هو دور الشتات الفلسطيني في العملية الوطنية الفلسطينية التي باتت تختصر في خطة"خريطة الطريق"شبه الميتة بعد القبول الدولي بمنطق شارون وخطته للانسحاب من غزة وبعض مستوطنات شمال الضفة الغربية؟ وهل ثمة آليات واضحة ومحددة لتنظيم علاقات هذا الشتات نحو خمسة ملايين لاجئ ومؤسساته وبناه التنظيمية، سواء منها المستوعبة في منظمة التحرير أو تلك التي تعمل بشكل مستقل لجان العودة على سبيل المثال، بقيادة المنظمة والسلطة في الداخل؟ ثم، أليس مثيراً للتساؤل والريبة أن يتم حسم منصب رئاسة دولة فلسطين، رغم كاريكاتيريته التي لا تخفى على أحد، بهذه الطريقة التي تتجاوز أبسط المبادئ الديموقراطية التي يتغنى بها البعض بمناسبة وبدون مناسبة؟ وهل ثمة علاقة خفية ما بين عملية"احتكار السلطة والقرار"في الداخل عى حساب الشتات وبين الاهتمام الدولي المفاجئ بقضية اللاجئين الفلسطينيين عبر مؤسسة"كفيتاس"البريطانية التي تقوم بأنشطة مكثفة بين اللاجئين تحت اشراف جامعة نيفلد في اكسفورد ومؤسسة"بانوراما"الكندية؟ من الصعب، وفق المرئي، ان يأخذ أحد من الطرفين الفلسطينيين المتقابلين هذه الاسئلة على محمل الجد طالما ان هناك تنافساً شرساً على المواقع والمسؤوليات، وعملية اعادة انتاج لتجربة الرئيس عرفات في حشد المناصب، وتوسلا للمقايضات الفوقية التي يتناقض منطقها مع منطق الشفافية! وعليه، فإن ثمة خشية حقيقية من أن تفضي الاجراءات الفوقية التي تجترحها قيادة السلطة والمنظمة، وبصرف النظر عن مشروعية هذه الاجراءات ومبرراتها، وعن الغالبية الشكلية الموروثة من المرحلة الرثة السابقة، الى تعميق الشرخ ما بين الداخل الفلسطيني الذي انتقل اليه مركز ثقل العمل الوطني منذ بداية التسعينات، وبين الشتات الممتد على اكثر من وطن وقارة، فيما تتفاقم الخلافات داخل الفصائل على وقع المطالبة الاسرائيلية المتكررة بضرورة تفكيك قوى المقاومة ونزع اسلحتها، وانسداد الأفق السياسي تحت سقف خطة الفصل الاحادي التي يحذر سلفان شالوم، بعد اعلان تأجيل تنفيذها حتى منتصف آب اغسطس المقبل، من ان اسرائيل لن تمضي قدماً في تنفيذها اذا فازت حركة"حماس"في الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة! كاتب فلسطيني