لم يحل التغير الايجابي الذي طرأ على المزاج العام الفلسطيني بعد"تطمينات"جهات مختلفة في شأن"استقرار"الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وما رافقها من تكهنات واشاعات بشأن"قرب توصل"الطاقم الطبي الفرنسي من تشخيص مرض الرئيس، دون مواصلة القيادة الفلسطينية ترتيب اوضاعها تمهيداً لمرحلة مقبلة قد لا يكون الرئيس الفلسطيني المريض قادراً على قيادتها بعد اربعين عاماً من تربعه على عرش"القضية الفلسطينية"وإن كتبت له النجاة. وتتوزع القيادة الفلسطينية في ثلاثة عناوين رئيسة مرشحة لعنوان رابع قيد التبلور. واول هذه العناوين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تضم اعضاء الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير، المرجعية السياسية العليا للفلسطينيين. أما العنوان الثاني فهو رئاسة الوزراء، نتاج"السلطة الوطنية"التي انشئت في الداخل في اطار اتفاقات اوسلو. والعنوان الثالث هو اللجنة المركزية لحركة"فتح"، كبرى التنظيمات الفلسطينية. اما العنوان الرابع الذي يضم"التيار الاسلامي"ممثلاً ب"حركة المقاومة الاسلامية"حماس التي تنافس حركة"فتح"في شعبيتها وحركة الجهاد الاسلامي"، اضافة الى 11 فصيلاً والجميع اعضاء في"لجنة المتابعة الوطنية والاسلامية العليا التي عقد ممثلوها اجتماعاً مساء الجمعة في غزة رفعوا خلاله"ورقة عمل"الى امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس ابو مازن الرجل الثاني فيها بعد الرئيس عرفات يطالبون فيها بعدة قضايا ابرزها"وقف حالة التفرد"في القيادة الفلسطينية. وبعد اسبوع على تدهور صحة الرئيس الفلسطيني تمكن"البيت الفلسطيني"من التأكيد على"مأسسة"السلطة من خلال الحفاظ على تماسك الموقف والاداء، وتجسد ذلك في الاجتماعات المتوالية والمتواصلة، الطارئ منها والعادي، لهياكل القيادة الفلسطينية. وجاء القرار الذي"ابلغه""ابو مازن"لمركزية"فتح"واللجنة التنفيذية للمنظمة بتولي رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع ابو علاء مهام الصلاحيات الامنية والادارية والمالية للسلطة الفلسطينية للتدليل على"سلاسة"عملية نقل السلطة في هذه المجالات بالتحديد، والتي كانت موضع خلاف ونقاش مع الرئيس الفلسطيني الذي قبل على مضض استحداث منصب رئيس الوزراء الذي ينتزع العديد من صلاحياته، فيما حل"ابو مازن"نفسه، بصفته امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مكان رئيس المنظمة ابو عمار في هذه الاجتماعات. وبكلمات اخرى، تم تقسيم الصلاحيات والمسؤوليات ما بين"ابو مازن"مسؤولا عن القضايا السياسية و"ابو علاء"مسؤولاً عن السلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية. غير ان ذلك كله لا يستوفي الرد الشافي على عدم توفر"خليفة"او نائب للرئيس الفلسطيني وهو أمر أحجم عرفات عن حسمه طوال الفترة الماضية. وفي المقابل، ينص القانون الاساسي الفلسطيني الدستور المقر من جانب المجلس التشريعي الفلسطيني يمثل فلسطينيي الداخل على ان يتولى رئيس هذا المجلس رئاسة السلطة لفترة لا تتجاوز ستين يوماً الى حين اجراء انتخابات لاختيار رئيس جديد. ورغم ان التصريحات العلنية والنقاشات التي تدور خلف الكواليس تؤكد ان لا صراع ولا احتراب على السلطة، يرى مراقبون ان التجاذبات بين مراكز القوى في المؤسسات الفلسطينية لا بد ان تطفو على السطح من دون ان يعني ذلك اللجوء الى القوة او"العنتريات". فهناك انقسام ظهر منذ اللحظة الاولى ما بين فريق يشدد على ضرورة"عدم خرق القانون"والسماح لرئيس المجلس التشريعي بتولي مهام رئاسة السلطة وفقا للفترة القانونية المنصوص عليها، وآخر يدعو الى ادخال"تعديلات"على القانون الاساسي بحيث يتم نقل هذه الصلاحيات الى رئاسة الوزراء. ويدعو فريق ثالث الى اعادة المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل مرجعية تشريعية للفلسطينيين في الداخل والشتات الى الصدارة. وفي هذا الخصوص لوحظت مشاركة رئيس هذا المجلس سليم الزعنون الموجود في رام الله في كل الاجتماعات التي عقدت حتى الان. وفي هذه الاثناء، برز وزير خارجية منظمة التحرير فاروق القدومي ابو اللطف على الساحة بقوة كخليفة محتمل لمنصب رئيس منظمة التحرير. ونشرت صحيفة"معاريف"الاسرائيلية نبأ نسبته الى جهات فلسطينية ذكرت فيه ان ياسرعرفات طلب من القدومي ان يحل محله في المنظمة. ويسوق اصحاب هذا الموقف عدة عوامل تدعو الى أخذ القدومي في الاعتبار في هذا الشأن لأقدميته وموقعه في المنظمة فهو من جيل الراحلين صلاح خلف ابو اياد وخليل الوزير ابو جهاد، وهو ايضاً من المسؤولين القلائل الذين رفضوا العودة الى الاراضي الفلسطينية تحت عنوان اتفاقات اوسلو. ويرى المراقبون ان طرح اسم القدومي على الطاولة من شأنه ان يضعف ابو مازن من جهة، ويعزز موقع"ابو علاء"من جهة اخرى لسبب بسيط هو ان القدومي ليس داخل الاراضي الفلسطينية. وهنا تبرز اهمية اللجنة المركزية لحركة"فتح"، هيئة القرار العليا في الحركة والتي تضم اعضاء مخضرمين يطلق على بعضهم اسم"العرفاتيين"وبعضهم شهدت علاقاتهم مع"ابو مازن"الذي قدم استقالته منها قبل شهور توتراً شديداً في السنة الاخيرة. وتحدث بعض المسؤولين الفلسطينيين عن سيناريوات محتملة اخرى قد تنشأ في زمن الانتظار، من ضمنها ان يتم اطلاق سراح امين سر اللجنة الحركية العليا ل"فتح"مروان البرغوثي من السجون الاسرائيلية ضمن صفقة لتبادل الاسرى بسبب الشعبية التي يحظى بها في"قاعدة"حركة"فتح"وما يتمتع به من"كارازماتية"لا ينافسه فيها احد من قادة"فتح "غير عرفات نفسه، كما عبرت عن ذلك نتائج استطلاعات الرأي العام الفلسطيني الاخيرة. ويتمتع البرغوثي بشخصية تجمع بين البراغماتية السياسية والثورية الشعبية، كما اظهر دوره في الانتفاضة الحالية. ولكن غالبية الفلسطينيين يتحدثون بمقولة"يخلق الله لكم ما لا تعلمون"عند الكلام عن خليفة عرفات او مرحلة الانتقال من حقبة الى اخرى جديدة بدون"ابو عمار". وعلى صعيد العلاقات الخارجية، وتحديداً الاميركية، لم تحمل الزيارة التي قامت بها اليزابيث ديبل نائبة مساعد وزير الخارجية الاميركي وليام بيرنز الى رئيس الوزراء الفلسطيني"ابو علاء"الذي تولى جميع صلاحيات السلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية،"بشائر"كبيرة بإمكانية حدوث تغيير جذري وسريع في تعاطي الادارة الاميركية مع افرازات وتداعيات غياب الرئيس المريض. وربما كان ذلك ايضاً امتداداً لمرحلة"الانتظار"، عنوان المرحلة.