عادت الأمور الى نقطة الصفر في ما يخص الانتخابات النيابية في لبنان، وباتت معرضة للتأجيل مرة أخرى بعد ان حذر مجلس المطارنة الموارنة في بيان متشدد صدر عنه أمس، من اجرائها على أساس قانون العام 2000 الذي فرض الأمر الواقع اعتماده نتيجة صعوبة التوصل الى حل وسط بين اقتراح المحافظة مع النسبية من حركة"امل"و"حزب الله"وبعض حلفائهما، وبين اقتراح قانون يعتمد الدائرة المصغرة، أي القضاء، الذي طالبت به المعارضة وبعض الموالين، وهي الدائرة التي أصر عليها المطارنة أمس مجدداً... راجع ص 2 و3 وبلغ الاستقطاب الطائفي ذروة جديدة أمس، بعد الاعتراضات المسيحية على مشاريع اللوائح الانتخابية التي يجرى تداولها في بعض المناطق ذات الارجحية الاسلامية خلال الأيام الماضية، مع بيان مجلس المطارنة الذي رأى ان الإصرار على قانون العام 2000 جائر. واعتبر المطارنة ان في ظل هذا القانون"يستطيع المسيحيون ان يأتوا فقط ب15 نائباً من أصل 64، اما المتبقون فيأتي بهم المسلمون وهذا خروج على روحية ميثاق الطائف الذي يقول ان لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك". واعتبر المطارنة الذين اجتمعوا استثنائياً بناء لطلب البطريرك نصر الله بطرس صفير أمس ان"النواب المسيحيين الذين تأتي بهم كتلة اسلامية لا يمثلون ناخبيهم المسيحيين بل زعماء لوائحهم..."، وانتهى الى التحذير من"عواقب وخيمة"جراء الإصرار على الانتخابات"في ظل هذا القانون الجائر وقد أعذر من أنذر". وكان للبيان وقع الصدمة على الوضع السياسي الذي تصاعدت فيه حمى اتصالات تأليف اللوائح والتحالفات الانتخابية. فأدرك الرموز الرئيسيون ان عدم تجاهل موقف المطارنة بات يوجب تأجيل الانتخابات النيابية اذا كان لا بد من البحث عن تسوية جديدة لقانونها. وشملت الصدمة بعض رموز"لقاء قرنة شهوان"الذي يضم قادة المعارضة المسيحية. لكن المطارنة دعوا"المسؤولين، مسيحيين ومسلمين، الى التبصر في الأوضاع الدقيقة"وتمسكوا"بالعيش المشترك الذي يجمع المسلمين والمسيحيين". وقال مصدر قيادي مقرب من مجلس المطارنة في المعارضة المسيحية ل"الحياة"ان بيانه يؤكد ان الانتخابات غير مقبولة بالشروط القائمة، وإذا كان البعض ينوي اجراء الانتخابات من دون موافقة المسيحيين فليتحملوا مسؤولية ذلك. ورفض المصدر الإجابة عن سؤال عما اذا كان إنذار مجلس المطارنة بالعواقب الوخيمة تهديداً بمقاطعة الانتخابات، وقال رداً على سؤال عن إمكان تأجيلها:"بدلاً من ان يؤجلوا الانتخابات شهراً او شهرين لنبحث في قانون الانتخاب بروحية انتفاضة الاستقلال، اعتمدوا قانون الألفين. وإذا كانوا يخوفوننا بأن التأجيل يأخذنا الى المجهول وبحجة الوضع الأمني، فها نحن نتعرض لمتفجرة ضد اذاعة صوت المحبة بعد ان حدد موعد الانتخابات". ورأى المصدر المقرب من مجلس المطارنة ان"طريقة ادارة الانتخابات من فريق في المعارضة وفريق في الموالاة تؤدي الى التجديد للبرلمان الحالي 4 سنوات جديدة. والسيئ في كل ذلك انهم يهدفون الى التمديد لرئيس البرلمان نبيه بري ولرموز المرحلة السابقة ومساوئها، من دون ان تكون هناك رؤيوية رفيق الحريري وجرأته وبهذه الشروط لن نقبل...". وعلمت"الحياة"في المقابل ان اوساط القيادات الإسلامية قررت التعاطي بهدوء مع البيان وأنه لن يكون هناك رد عليه، بل على العكس فإن مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان اللذين كانا يتداولان باجتماع لعلماء الدين من اجل اتخاذ موقف موحد ضد الإجراءات الإسرائيلية في القدسالمحتلة وإزاء المسجد الأقصى، اتفقا على التأكيد في هذا السياق على ان"المجلس النيابي لكل اللبنانيين وعلى ضرورة التضامن اللبناني واعتبار الانتخابات النيابية محطة لجميع المواطنين من كل الفئات". وقالت مصادر المرجعين الإسلاميين ان المطلوب"تنفيس الاحتقان من دون تراشق وأن الموقف السليم هو الذي يتيح اجراء اتصالات مع البطريرك صفير في هذا الاتجاه". وقالت مصادر مطلعة ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري آثر عدم التعليق على البيان، إلا ان مصدراً نيابياً رفيعاً استغرب ل"الحياة"بعض ما جاء في البيان لأنه يتضمن اسئلة عن الكيان اللبناني، من زاوية ان الموقف الذي يتضمنه يطرح ان تنتخب كل طائفة نوابها... وهذا غير مسبوق ما ينسف المادة 51 من الدستور التي تنص على ان النائب يمثل الأمة جمعاء. وحين سئل المصدر النيابي عن امكان التوصل الى تسوية حول قانون الانتخاب قال:"هذا يتطلب اعادة البحث في موعد الانتخابات. ومن الذي أصر على ان تتم في موعدها؟ فحين اقترح بري وغيره تأجيلاً تقنياً لها قامت القيامة". وأضاف:"إعادة البحث في القانون تتطلب التأجيل ستة اشهر على الأقل لنصل الى قانون معقول والمهم سقف اتفاق الطائف". وسأل:"كيف نتحدث عن القضاء دائرة انتخابية وعن اتفاق الطائف، الذي يقول بالمحافظة سواء كانت صغرى ام وسطى ام كبرى...؟". وختم قائلاً:"اذا كان هناك من يريد التأجيل فليتحمل مسؤوليته". وكانت الاتصالات بدأت بعد ظهر أمس مع صفير من بعض أطراف المعارضة، فزاره النائب عن المقعد الماروني في بيروت غطاس خوري كتلة قرار بيروت التي يتزعمها آل الحريري والمرشح على لائحة سعد الحريري الذي ناقش في موقف مجلس المطارنة. وعلمت"الحياة"ان خوري سأل صفير اذا كان يريد تأجيل الانتخابات وأطلعه على ما تنويه المعارضة لتوحيد موقفها في اجتماع اليوم، فأجابه صفير بأنه ليس مع تأجيل الانتخابات وأن الموقف الذي أصدره جاء نتيجة الشكاوى التي تلقاها من عدد من السياسيين، ولتواصل المعارضة نشاطها من جهتها. وفي المقابل، تتوجه وفود شعبية الى البطريركية المارونية اليوم من اجل تأييد مواقفها من قانون الانتخاب. وصدرت مواقف سياسية عدة تؤيد موقف مجلس المطارنة فضلاً عن ان رئيس الجمهورية اميل لحود جدد التأكيد ان قانون العام 2000 يناقض الدستور والعيش المشترك. وسألت"الحياة"رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عن تعليقه على بيان مجلس المطارنة، فقال:"لست موافقاً. المؤسف ان هناك على الدوام نظرية الإحباط وهناك نظرة الى الماضي وليست هناك نظرة الى المستقبل وإلى امكان قيام نخب جديدة". وأضاف:"صحيح انه كان يمكن تحسين شروط قانون العام 2000 لكن البعض لم يلتقط ما كنت اقصد في ذلك، فتمسكنا بقانون العام 1960 وهو مخالف لاتفاق الطائف والتحريض على قانون العام 2000 غير منطقي لأنه في بعض المناطق يلغي او يحجم جماعة سورية وبعض عملائها وهذا ما لم يلتقطه البطريرك صفير مني، خصوصاً ان بعض خبراء الانتخابات حرضوه بالأمس طائفياً ضد هذا القانون". وحين سئل عن امكان التوصل الى تسوية ما دام مجلس المطارنة أنذر بعواقب وخيمة اذا جرت الانتخابات على اساس قانون العام 2000، قال:"عندها يجب الأخذ في الاعتبار موقف الشريك المسلم في الوطن، واتفاق الطائف هو افضل تسوية، وهم لا يستطيعون الدعوة الى مخالفة الطائف، والمسلمون يتمسكون به. ان أي طرح يؤدي الى تعديل في الطائف خطأ. ولا بد من مراعاة الشارع الإسلامي". عون يستنفر الشعب وكان العماد ميشال عون، الذي واصل استقبال المهنئين بعودته، اعلن تأييده لبيان مجلس المطارنة، بعد زيارة مفاجئة قام بها ليلاً الى البطريرك صفير في بكركي. وقال عون:"صدر اليوم امس بيان الأساقفة الموارنة الذي تطرق الى الوضع الشاذ الذي بدأنا نعيشه بعد العودة الى قانون العام 2000 الذي يهمش الشعب اللبناني ويفرض على اللبنانيين الهامشيين بدل الأصيلين. وكان هناك نوع من التفرد والتهميش للقوى الأصيلة. وبعد ان حاربنا رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية التي كانت موجودة في لبنان العميد رستم غزالة الذي كان يؤلف اللوائح الانتخابية والذي كان يعد المحاصصة في عنجر اصبح لدينا عدة رستم غزالة، في كل منطقة واحد يعتبر نفسه الإقطاعي المسؤول عن الشعب اللبناني ويعطي حصصاً للآخرين". وأضاف:"ادعو الشعب اللبناني الى البقاء متحفزاً لمواجهة محاولة التهميش وإثبات وجوده بنفسه بأي وسيلة سنطلبها منه، بعد التشاور مع الذين يرفضون استمرار هذا الواقع الذي حاربناه 15 عاماً وهو يمتد اليوم من خلال لبنانيين. وبناء على هذا الواقع لن نرضى إطلاقاً بما يحصل ولن نقبل باجتماعات فولكلورية لإخراج هذه الحيل وهذا الغدر في الاتفاقات والتحالفات".