تخلّى العديد من الشباب العراقي عن هوايات طالما أحب ممارستها بعد الحرب الأخيرة. وباتت المتعة الوحيدة لشاب يراوح عمره بين 18 و25 سنة، الوقوف مع أصدقائه الشلة قرب أحد مطاعم الوجبات السريعة وتناول البيتزا أو الهمبرغر على ان يعود الى المنزل قبل حلول الظلام ليتقي رصاصة طائشة او عصابة مجرمة او عبوة ناسفة. ويقول الشاب محمد نجيب:"حينما أنهي محاضراتي الجامعية، استقل السيارة مع أصدقائي وأغادر الجامعة الى اقرب مطعم او مقهى، ونقضي ما تبقى من النهار في الأكل ولعب الطاولة والورق". ويعلل قضاءه الوقت على هذا النحو كل يوم تقريباً،"بعدم وجود مكان آخر للتسلية". واذا كان الفتيان يذهبون الى المطاعم، فإن غالبية العائلات العراقية وفي ظل الانفلات الأمني، تمتنع عن إرسال بناتها الا الى الأمكنة الضرورية السوق والمستشفى كما تؤكد بسمة خالد، الطالبة في كلية الاداب في بغداد:"لا أكاد أخرج إلا الى الدراسة"، تقول وتضيف:"كل شيء ممنوع عليّ فالشارع مكان خطر وخروجي يقتصر على زيارة الطبيب برفقة والدي او شراء الملابس بصحبة امي". وتزيد:"كل هذا جعلني جليسة في البيت، أتسلى بالبرامج التلفزيونية وزيارة الأهل". وعلى رغم زيادة عدد مقاهي الانترنت والمطاعم مع إغلاق النوادي الرياضية والترفيهية أبوابها، فإن غالبية مرتاديها تبقى من الذكور. ويقول صاحب مطعم هوت دوغ في شارع الربيعي في بغداد:"عادة ما يتسكع الشباب قرب المطعم او داخله ويستسلمون للحديث والضحك وارسال الأغاني والرسائل عبر شبكة البلوتوث في الهواتف النقالة". ويضيف:"بعضهم يذهب الى مراكز الانترنت للدخول في غرف المحادثة الشات لساعات". ويقول شاب اسمه نوري:"في احسن الأحوال نتمشى في الطرقات او مقابل المحال التجارية ونحن نتناول مشروباً غازياً". ويضيف:"قد نستقل السيارة وندور من حي الى آخر ونحن نسمع الأغاني ثم يذهب كل منا الى بيته على ان نلتقي في اليوم التالي". ويشير حامد سلمان، طالب في كلية الفنون الجميلة، الى انه كان يمارس العزف على البيانو في احد مطاعم بغداد، وتوقف بعدما وصل تهديد موقّع من احدى الجماعات المتطرفة التي تحرم الغناء والعزف. لكنه يقول انه يقضي وقته بالعزف على جهاز الأورغ في المنزل ومتابعة اخبار الطرب على مواقع الانترنت:"لولا الانترنت لمات الشاب العراقي من الحسرة"،"فنحن محبوسون بين صفوف الدراسة وجدران المنزل، لا مجال للعمل ولا مكان لممارسة الرياضة، وفي أحسن الاحوال اجتمع مع اصدقائي لتناول الوجبات السريعة ظهراً على ان اعود الى البيت قبل المساء". وتقول هديل فائز:"حصول الشاب العراقي على الانترنت هو افضل ما حصل له بعد الحرب". وتوضح:"وسائل الترفيه معدودة واماكن التنزه مقفلة والذهاب للتسوق محفوف بالمخاطر وممنوع الا للضرورة القصوى، ولولا التحدث مع اصدقاء عبر الشات لكانت الحياة قاتلة". وبعيداً من الانترنت يتسلى شباب آخرون بالتفرج على برامج الفضائيات العربية. وبعدما اعتاد المشاهد العراقي على مشاهدة قناتين في عراق ما قبل الحرب وكانت غالبية برامجها معادة حتى حفظها عن ظهر قلب، شكلت فرصة اقتناء اجهزة التقاط البث الفضائي الدش مجالاً جديداً لقضاء الوقت. ويقول محمد خليل:"كنت امتنع عن متابعة التلفزيون في السابق واعوض ذلك بمشاهدة الافلام المسجلة على الاقراص المدمجة، لكن سقوط النظام فتح الباب امام برامج الطرب والترفيه والثقافة وآخر الأخبار وكلها تعوض عن المتعة والفائدة التي يفتقدها الشاب العراقي مع غياب الجهة التي تساعده على تحقيق طموحاته وتستغل طاقاته". ويؤكد خليل أن لا مجال لقضاء الوقت الا في الانترنت او الستلايات او الموبايل. ويوضح ان الاخير يوفر اتصالاً سريعاً مع الاصدقاء الذين تحول الظروف الاستثنائية في العراق دون الاجتماع بهم:"كما ان الموبايل يرسل ويستلم الرسائل الممتعة التي تحقق بهجة في النفس ولو مؤقتة". وعندما يصبح الانترنت والستلايت والموبايل جزءاً من الروتين اليومي، يتحول الشباب الى قضاء الوقت بالكلام. وعادة ما يجتمع الشباب امام احد المحلات وعند مفترق الطريق او في نادي الجامعة للنقاش في موضوع يشغلهم وغالباً ما يكون الموضوع"سياسياً"، على غرار"الانتخابات والمرشحين والاتهامات المتبادلة في ما بينهم والانفجارات والاغتيالات:"كلها عوامل تفتح الشهية للحديث"، يقول الشاب نبيل يوسف، ويضيف:"ما نعيشه من ظروف تخنق ابداعنا وتطلعاتنا ويمنعنا من ممارسة هوايتنا ويجعلنا نتكلم عن معانتنا وان كان أحد لا يسمعها او يعمل لا زالتها". من جانبها تعتبر رؤى متي انه"لولا اجتماع فتيات الحي في احد بيوت الجيران كل يوم للتحدث في اخبار هذه وتلك لأصبنا بالكآبة جميعاً". وتقول:"العائلة تخشى من ذهابنا الى أي مكان للعمل بعد التخرج ولا أكاد اذهب الا الى الطبيب في احسن الاحوال فاجلس مع صديقاتي لنشرب القهوة ونأخذ الفال وهكذا حتى إشعار آخر".