«جيل لا يعرف من الحياة سوى الكومبيوتر والهاتف النقال وأفلام الاكشن»، هذه هي النظرة السائدة لدى الاسرة العراقية عن أولادها المراهقين الذين تخلّوا عن الكثير من عادات آبائهم وتمسّكوا بالتكنولوجيا. فالاهتمام بالدراسة أو قراءة كتاب مفيد هو آخر الأمور التي يهتم بها جيل المراهقين في العراق، الذي بات يُجيد استخدام الموبايل والكومبيوتر أكثر من أي جيل سابق، ويستمتع بأفلام الأكشن أكثر من غيرها من البرامج. فمن الصعب أن تقنع الأسر العراقية أبناءها بصرف النظر عن التكنولوجيا الحديثة والعودة إلى وسائل البحث التقليدية أو قراءة الكتب بدلاً من البحث على شبكة الانترنت. وتتباهى بعض الأسر بذكاء أولادها وإقبالهم على تعلم التكنولوجيا الحديثة، وترى أن هذا الأمر يجلب لها الفخر بين المعارف والأصدقاء والأقارب، فيما ترى أسر أخرى أن التكنولوجيا الحديثة أبعدت أولادها عن أمرين مهمين هما الدراسة والكتاب. فالأولاد لم يعودوا يهتمون بالدراسة والمستقبل قدر اهتمامهم باقتناء أحدث الحواسيب والهواتف النقالة، وباتوا يقضون ساعات طويلة لمتابعة افلام الاكشن والخيال العلمي، ويبتعدون من قراءة الكتب في اوقات الفراغ التي كانت تستقطب الأجيال التي سبقتهم. نرمين واحدة من الأمهات اللواتي يعانين من «عبودية» اولادهن للتكنولوجيا على حساب الدراسة، وعلى رغم حرصها الكبير على تربيتهم في شكل يجعلهم ناجحين دراسياً، إلاّ أن أي اهمال بسيط منها لمتابعتهم يدفعهم إلى التكاسل وقضاء الوقت في ممارسة ألعاب الكومبيوتر والموبايل، وقضاء ساعات طويلة أمام شاشات التلفاز. وتقول نرمين: «حينما كنا في عمرهم، كنّا نتابع التلفاز ونقرأ الكتب ونمارس هواياتنا إلى جانب الاهتمام بدراستنا، أما أولادي الذين ترعرعوا في عصر الموبايل والستلايت والانترنت فلا شاغل لهم سوى هذه الامور». ويعاني كثير من الاولاد من إهمال كبير في الجانب الدراسي ولا يتوانون عن طلب معونة الأم والأب في شرح الكثير من الدروس، فضلاً عن خضوعهم في شكل تام للتدريس الخاص، في الوقت الذي يتفوق فيه هؤلاء الاولاد على الأبوين في جانب المعرفة بخفايا وأسرار الكومبيوتر الآلي والهاتف النقال، ويقومون بإصلاح بعض الأجهزة التالفة لدى العائلة. وتعاني العائلات الراقية بشكل عام من ميل أولادها الى التكنولوجيا الحديثة وتفضيلها على الكثير من النشاطات الحياتية الأخرى ومنها الدراسة. وتكمن المشكلة الأكبر في ترك بعض الاولاد من الفتيان الدراسة لمجرد تعلّمهم إجراء عمليات صيانة واستخدام الكومبيوتر والموبايل معتبرين أن إتقانهم التعامل مع التكنولوجيا الحديثة سيعزز مكانتهم في المجتمع أكثر بكثير من الدراسة، حتى إن الطموحات الدراسية تكاد تحتل المرتبة الثانية في اهتمام هؤلاء. ويعاني عدي من غزو التكنولوجيا لمنزله، واهتمام أولاده الصغار بها أكثر من أي شيء آخر في حياتهم، فالصغار لا يتوانون عن تناقل المعلومات الحديثة حول الموبايل والكومبيوتر، ويجيدون استخدامها في شكل جيّد يفوق معرفة الأبوين بعشرات المرات. ويقول مثنى: «كثيراً ما أنسى كيفية التعامل مع الكومبيوتر وبعض خطواته فينبهني ابني (12 سنة) اليها، وألجأ في أحيان أخرى إلى ابنتي لتضبط هاتفي على أوضاع معينة، وأود لو أنهم يهتمون بدراستهم ويبرعون في التعامل مع كتبهم المدرسية وما تحويه من معلومات قدر براعتهم في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة». ويصف الصغار والدهم ب «الأمي»، وبأنه لا يجيد التعامل مع الاجهزة الحديثة، وأن شهادته الجامعية لا طائل منها طالما تفوقوا هم عليه في هذا الجانب. ويؤكد: «في بعض الاحيان أجدهم محقين ويتوجب أن أتعلم منهم بعض الامور، لكن هذا لا يعني أن يهملوا هم دراستهم أو يتخلوا عن طموحاتهم الدراسية». ولا تمانع الاسر العراقية في أن يقبل اولادها على امتلاك المعرفة بالتكنولوجيا الحديثة وآلية استخدامها شرط ألا يهمل الاولاد واجباتهم المدرسية، والتخلي عن طموحاتهم المستقبلية، والاكتفاء بها كبديل عن الدراسة. ومن دون أدنى شك لا تزال علاقة الأهل والأولاد بالتكنولوجيا علاقة جدلية، ففي الوقت الذي لا يزال فيه الأهل يبحثون عن علاقة متوازنة بين الدراسة واستخدام الكومبيوتر وغيره من أدوات التكنولوجيا، ويأخذ مدى الاستفادة من الانترنت حيزاً واسعاً في الجدالات الأسرية والاجتماعية في بعض الدول العربية، برز أخيراً خبر مفاده أن سنغافورة بدأت إعتماد ال «أي باد» بديلاً للكتاب المدرسي، وبالتالي حسمت الجدلية بين التكنولوجيا الحديثة والفائدة منها، وعمدت إلى تعميم فائدتها والاستفادة منها. وأطلقت الحكومة اليابانية مشروعاً تجريبياً ل «مدرسة المستقبل» يسمح للطلاب بالقيام بواجباتهم على الشاشة الصغيرة التي تعمل باللمس، بينما يقدم المعلم درسه بواسطة لوح إلكتروني تفاعلي. وتعتبر كوريا الجنوبية إحدى الدول الأكثر حماسة للتكنولوجيا، ومدارسها مجهزة بنطاقات «واي فاي» كما تمت برمجة الكتب المدرسية على شكل أجهزة لوحية منذ عام 2007. وتسعى سنغافورة إلى احتلال أحد المراكز الأولى بغية الظهور كمقصد تعليمي استثنائي، وبالتالي منافسة المدارس والجامعات المرموقة في أوروبا أو الولاياتالمتحدة.