مدينة"كان"الجنوبية الفرنسية الهادئة عادة، تستعيد مساء اليوم صخبها السينمائي بصورة رسمية، بعدما كانت استعادته، عملياً، في اليومين السابقين. فالليلة ليلة افتتاح الدورة الثامنة والخمسين ل"عيد"كان السينمائي، الذي يعتبر الأكبر من نوعه في العالم، وان كانت مدن أوروبية أخرى مثل البندقية وبرلين بدأت"تشاغب"جدياً على فرادة كان وتميزها، بعدما كان ثمة نوع من التكامل مع كان في مجال استيعاب جديد السينما العالمية. الافتتاح، سيكون صاخباً بالتأكيد، ليس بفضل الأفلام المشاركة... وخصوصاً ليس بفضل فيلم الافتتاح "ليمنغ"للفرنسي - الألماني دومينيك مول، بل بفضل كثرة النجوم الكبار الذين بدأوا يتوافدون على مدينة تعتبر خارج أيام المهرجان"مدينة العجائز والكلاب المدللة"، بحيث لم يبق مكان شاغر في شقة أو فندق لأي متأخر، لا في"كان"ولا في جوارها على رقعة تمتد عشرات الكيلومترات. ومنذ أيام بدأ"المعتادون"يملأون الشوارع والأزقة ورمال الشاطئ والحانات، بسخريتهم ومحاولتهم لفت الأنظار، بضجيج موسيقاهم وحتى بأساليبهم المبتكرة في التسوّل. ذلك أن"كان"تصبح عاصمة عالم معين وعلى شاكلته طوال أسبوعين على الأقل. اذاً، النجوم قادمون بكثرة... لكن الأفلام أيضاً قادمة بكثرة أيضاً، ومعظمها جديد لا يعرف عنه أحد شيئاً حتى اللحظة. لكن التوقعات كبيرة، لا سيما ان"أبناء كان"- أي المخرجين المرتبطين عادة بالمهرجان - حاضرون بقوة، من لاس فون تراير، الى وودي آلن، ومن فيم فندرز الى دافيد كروننبرغ... الى عشرات غيرهم، بعضهم يحمل طموحاته والبعض الآخر خجله وتواضعه والبعض الثالث قضايا العالم. أما سيد الحفل هذه المرة فهو، كما بتنا نعرف، البوسنوي امير كوستوريتسا، الذي سبق أن فاز في"كان"بسعفتين وجائزة كبرى ثالثة. هو الآن رئيس لجنة التحكيم، ولأن واجباته تفرض عليه أن يظل صامتاً حتى نهاية اللعبة، فهو لا يدلي بأي تصريح، لكنه بنظراته يعد باختيار الأفضل، فمن يكون الأفضل هذا العام، سؤال ليس مطروحاً منذ الآن. لكن محبي السينما والعارفين بالأمور لا يخفون توقعاتهم بأن تكون دورة هذا العام استثنائية، من ناحية نوعية الأفلام، وان كانت الأنظار شاخصة نحو ثلاثة مخرجين: الأميركي غاس فان سانت بفيلمه"ايام اخيرة"عن حياة مغني فريق"نرفانا"المنتحر كورث كوبن. والدنماركي لارس فون تراير، بشريطه عن اضطهاد زنوج أميركا، كجزء ثان من ثلاثيته الجديدة"يو إس آي". والمكسيكي - الأميركي آلان روبرتو رودريغز بفيلمه الذي بات معروفاً"مدينة الخطيئة". وطبعاً هذا ليس كل شيء. فالزوادة كبيرة وممتعة هذه المرة، طالما ان"كان"يريد التعويض على دورتين سابقتين أتيتا أكثر تواضعاً. أما بالنسبة الينا نحن العرب، فعلينا أن نكتفي بقضيتينا الرئيسيتين اللتين تثاران: قضية العراق من خلال فيلم"كيلومتر صفر"للكردي العراقي المقيم في فرنسا هاينر سليم، وقضية فلسطين من خلال فيلم عاموس غيتاي الجديد"منطقة حرة"، وغيتاي اعتاد أن يغيظ الاسرائيليين بأفلامه إذ يقدم نفسه أحياناً كمنشق عنهم. فهل يفعل هذه المرة، من خلال شريط يرسم فيه لقاء، عند الحدود، بين فلسطينية واسرائيلية وأميركية؟ اليوم، اذاً، تبدأ الاجابات على أسئلة بدأت تزدحم منذ أسابيع. اليوم يبدأ"كان"بعرض أفلام، من الواضح أنها ستظل حديث أهل السينما ومحبيها طوال شهور. أوليست هذه المهمة الأولى لأي مهرجان؟