كيف يؤثر الوضع في العراق وحملة إدارة بوش الواسعة لنشر الديموقراطيّة في الشرق الأوسط وسواه على نسبة تأييد الرئيس بوش؟ لعلّ الأجوبة الأفضل التي يمكنني ايجادها للردّ على هذين السؤالين هي:"بشكل خطير قليلاً ربما"بالنسبة الى العراق و"ليس كثيراً أبداً"في موضوع نشر الديموقراطيّة. ففي الواقع، ما زالت نسبة تأييد الرأي العام للرئيس كما كانت عند انتخابه في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، أي حوالى 50 في المئة، وفقاً لاستطلاعات رأي في كل أنحاء البلاد أجرتها مؤسسة"غالوب"في بداية نيسان أبريل الجاري. واختلفت هذه النسبة بشكل واضح عن تلك التي وردت في الاستطلاعات التي أجرتها"غالوب"و"سي أن أن"في بداية نيسان أيضاً، والتي سألت خصوصاً عن رأي الناس في ادارة بوش للعراق. وعن هذه المسألة، أعلن 43 في المئة تأييدهم لسياسة بوش بينما أعرب 54 في المئة عن معارضتهم لها. ومن الصعب ايجاد أي معطيات عن نظرة الأميركيين الى سياسة بوش في موضوع الديموقراطية لأن أحداً من المستطلعين الأساسيين لم يطرح سؤالاً عن هذا الأمر. لكن، في استطلاع رأي موثوق به قرأته أخيراً، لاحظت أنّ 31 في المئة فقط من الأميركيين يعتقدون بأنّ "نشر الديموقراطيّة حول العالم"يجب أن يشكّل الهدف - المفتاح في السياسة الخارجية الأميركية. كانوا أكثر قلقاً من الأسلحة النووية والارهاب والمسائل الدوليّة الأخرى. وأعود الى بعض أرقام استطلاعات الرأي خلال 51 شهراً من ولاية بوش حتى اليوم. في ما يتعلّق بإدارته للمسألة العراقيّة، تعود المعطيات المتوافرة لدى مؤسسة"غالوب"الى تشرين الأول أكتوبر 2002، أي في الوقت الذي أصبح فيه العراق مسألة كبيرة ومثيرة للجدل داخل المشهد السياسي الأميركي. وفي العودة الى تلك الفترة، بلغت نسبة معارضة الشعب لادارة بوش للمسألة العراقية 40 في المئة. وتدنّت هذه النسبة فجأة في بداية نيسان 2003 ووصلت الى 21 في المئة. هذا الأمر ليس بالمفاجئ: كانت فورة"النصر"الأولى بعد سقوط نظام صدام، وبالرجوع الى بداية الحرب، أظهر الشعب الأميركي رغبة طبيعيّة في"الاصطفاف حول العلم". وارتفعت نسبة الرفض بوتيرة ثابتة في العام 2003 فبلغت 54 في المئة خلال الأزمات المتعددة في أوائل شهر تشرين الثاني 2003، وهو الوقت الذي أدرك فيه الأميركيون أنّ"النصر"في العراق لن يكون سهلاً كما توقّعوه وأنّ القوات الأميركية قد تبقى في مستنقع العراق لوقت طويل. مرة أخرى بلغت نسبة الرفض ذروتها أي 57 و58 في المئة في أيار مايو وحزيران يونيو 2004. حصل ذلك إثر الحرب العبثية في العراق في نيسان 2004 وكشف ممارسات التعذيب في سجن أبو غريب. غير أنّ الادارة بقيت مركّزة على الانتخابات الموعودة في العراق واعتبرتها"استراتيجيّة الخروج"، كما نجحت في كبح نسبة الرفض وتدنّيها قليلاً الى أن بلغت مستوى منخفضاً نسبياً وصل الى 48 في المئة في بداية شباط فبراير 2005 وذلك بعد أيام من الانتخابات العراقية. ولكن حالياً، ومع وجود عدد من القوات الحليفة التي بدأت تنسحب، ونظراً الى الوضع السياسي العراقي الذي يبدو أقلّ"نجاحاً"، وأوضح مما بدا في أوائل شباط الماضي، يبدو أنّ صبر الأميركيين بدأ ينفد، خصوصاً مع زيادة عدد القوّات الموجودة في العراق. وفي استطلاع للرأي أجري في أوائل نيسان الجاري، عادت نسبة رفض سياسة بوش في العراق الى الارتفاع وبلغت 54 في المئة كما أشرت سابقاً. وبالاجمال، تضاعف مستوى النسب الرافضة لسياسة بوش في العراق بين نيسان 2003 ونيسان 2005. كما سُجّل ارتفاع سريع في رفض الرأي العام لجانب آخر من سياسة الرئيس بوش، ويعتبر هذا الموضوع أحد المفاتيح"الأساسيّة"في سياسته الداخليّة، ألا وهو خطّة"إصلاح"نظام الأمن الاجتماعي. وفي العودة الى ولاية بوش الأولى، قام الرئيس بتعهّد علنيّ لاعادة هيكلة الضمان الاجتماعي، وبدأت مؤسسات استطلاعات الرأي برسم بيانات إذا كان الاميركيون يحبّذون ما يقوم به في هذا المضمار. في البداية، بدا أنّهم يؤيدونه. وبالرجوع الى آذار مارس 2001، أفادت استطلاعات"غالوب"و"سي أن أن"ان 79 في المئة يؤيدونه، بينما يعارضه 31 في المئة فقط. وخلال الفترة ما بين العامين 2002 و2004، لم يهتمّ بوش ولا حتى مؤسسات استطلاع الرأي باصلاح الضمان الاجتماعي. فلقد كانوا منشغلين للغاية بالتخطيط والجدل والتخمين بشأن وقع الحروب التي تجري خارج الولاياتالمتحدة. وبعد اعادة انتخاب بوش في تشرين الثاني الماضي، أعلن مرّة أخرى بأنّه سيجعل من الاصلاح في مجال الضمان الاجتماعي أولويّة، وشرع يجول في أنحاء البلاد"لبيع"خطّته الى الشعب الأميركي. ولكن ما إن بدأ الناس يسمعون عن الخطّة أكثر، تدنّى عدد الذين يؤيّدونها! وفي كانون الثاني يناير الماضي، سألت مؤسسة"غالوب"الناس عن مسألة اصلاح الضمان الاجتماعي في استطلاعات الرأي في أرجاء البلاد، وبين تلك الفترة وبداية شهر نيسان الجاري، ارتفعت نسبة معارضة المشروع من 52 الى 57 في المئة. ولكن يبقى لغز لم يُحلّ. فعلى جدول السياسة الداخليّة، يتصدّر اصلاح الضمان الاجتماعي لائحة الأولويات. وضعها هو بنفسه في هذا الموقع. وفي السياسة الخارجية، يبدو جليّا أنّ العراق يشكّل أولويّة على البرنامج الشعبي مع أنّ بوش تمنّى ربما ألا يكون كذلك!. ومع نظرة الرأي العام الى سياسات بوش حول هاتين المسألتين الأساسيتين والتي تبيّن أنها في مجملها تميل الى الرفض، لماذا تبقى نسبة تأييد أداء بوش السياسي"الاجمالي"صلبة مقارنة مع تلك النسب؟ أعتقد بأنّ الجزء الأساسي من التفسير يكمن في تلك الحكمة السياسية القديمة التي تقول"لا يمكنك أن تتغلّب على شيء من خلال لاشيء!". وبعبارة أخرى، يمكن أن يعارض الناس سياسات بوش حول اصلاح الضمان الاجتماعي والعراق وحول عدد من المسائل المهمّة الأخرى. ولكن، الى أن تظهر شخصية سياسية أخرى يمكنها أن تنافس بوش بنجاح وتدافع عن مجموعة من النقاط السياسية المختلفة عن سياساته والمشجّعة أكثر، سيظلّ الأميركيون يسعون للابقاء على ولائهم لرجل السلطة. حتى انهم يميلون في الكثير من الأحيان الى القول أنّهم يؤيدون أداءه"الاجمالي"في العمل. والواقع المحزن أنّ الولاياتالمتحدة اليوم تفتقر الى وجوه سياسيّة لا تعارض الرئيس بوش فحسب بل تنافسه وجمهوره في الجولة المقبلة من انتخابات الكونغرس الأميركي 2006 أو في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2008. قد يبرز سياسيّون من"الحزب الديموقراطي"وحتى من الحزب الجمهوري أيضاً، كالسيناتور لوغار والسيناتور هاغل، والذين انتقدوا بشدة سياسة بوش في العراق وجوانب أخرى من سياسته الخارجية. غير أنّ هؤلاء المنافسين هم جميعاً إمّا من جيل قديم على غرار السيناتور روبرت بيرد والسيناتور ادوارد كينيدي أو انهم ولأسباب أخرى، لا يشكّلون منافسة سياسية فعلية لآلة بوش السياسية. وتوخّى الأشخاص الذين قد يشكّلون منافسين سياسيين محتملين الحذر حتى الآن في انتقاد سياسة بوش في العراق، ومنهم السيناتور هيلاري كلينتون والسيناتور جو بيدن، وربما حاكم ديموقراطي أو اثنين عبر البلاد. وفي ما يتعلّق بسياسة بوش"لنشر الديموقراطيّة في العالم بأسره"، يبدو أنّ الديموقراطيين في البلاد يحبّذون هذا الموضوع. لكن القليلين هم الذين تساءلوا إن كان ممكناً"تصدير"الديموقراطية من بلد الى آخر، أو انّه من الممكن تحقيق ذلك من خلال إدخال مساعدات ضخمة أو عبر قواذف للصواريخ. وفي كلّ الحالات من الواضح أنّ الاميركيين يعتقدون بأنها فكرة رائعة. ومع أنّ الرأي العام الأميركي، وكما أشرت سابقاً، لا يهتمّ كثيراً بهذا الموضوع بطريقة أو بأخرى، فبالنسبة الى عدد كبير من السياسيين في الحزب الديموقراطي، يعتبر تأييد حملة"نشر الديموقراطيّة"وسيلة سهلة للتعبير عن وطنيّتهم. والسبب الآخر لعدم تأثير معارضة الشعب لسياسة بوش في العراق لنظام الضمان الاجتماعي على نسبة تأييده بشكل خطر، هو أنّه وبالنظر الى حرب العراق، لا وجود حتى الآن لحركة منظّمة معادية للحرب داخل البلاد. ففي الواقع، يعتبر التحرّك المناهض لخطّة بوش لإصلاح الضمان الاجتماعي منظّما بشكل أفضل بكثير من التحرّك المعادي لسياسته في العراق. متى قد يأتي الوقت ويتغيّر الوضع؟ في فترة حرب فييتنام، استلزم الأمر سنوات عدة. لنأمل بألا يستغرق كلّ هذا الوقت هذه المرّة. كاتبة بريطانية متخصصة في شؤون الشرق الاوسط.