سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المسجد الازرق الوحيد في يريفان مقر للتقارب الثقافي مع ايران . أرمن بلدان الشرق الاوسط في الذكرى ال90 لمجزرتهم : القيم العربية تسير في عروقنا ... والتسامح رابطنا مع الاسلام
اختار الارمن العرب الذين توافدوا بأعداد كبيرة الى يريفان للمشاركة في مسيرة التنديد بذكرى الابادة الجماعية في تركيا عام 1915، موقع مجسم سوغونيان تهليليان الذي اغتال وزير الخارجية في عهد السلطنة العثمانية، احد المتورطين بالمأساة التاريخية، طلعت باشا في برلين عام 1923، نقطة تجمّعهم الاكبر قبل الانتقال الى ميدان قصر الاحتفالات ومنه الى نصب الشهداء. وشكل ذلك رمزاً مهماً لتأجج مشاعر الارمن العرب، بعد 90 عاماً من الابادة، بالغضب العارم من كونهم ضحاياها الرئيسين، والحزن الكبير لعدم امكان تفاديهم العيش سنوات طويلة من حياتهم او معظمها من دون وطن وأرض. الا ان هذه المشاعر لم تعنِ تجاهل أرمن من لبنان وسورية والعراق ومصر وسواها تقدير القيم التي وفرتها الاوطان العربية البديلة لهم والاعتراف بأنها"تسري كالدماء في عروقنا"كما قال أحدهم. وهنا لا بد من استعراض أسباب التفهم العربي العميق لمأساة الابادة الارمنية وأساليب التفاعل معها، والتي فاقت بأشواط كبيرة نظيرتها في أوروبا والولايات المتحدة. ولعل طبيعة الشعب الارمني المسيحي نفسه الذي لم يواجه طوال فترات وجوده اي مشكلات في التكيف مع العالم الاسلامي، جعلت الاراضي العربية الملاذ المناسب البديهي للناجين من الابادة. ولا يتردد المؤرخون الارمن في الاعلان ان العلاقات الجيدة مع العرب تحولت الى"روابط روحية"ذات جذور عميقة منذ القرن الحادي عشر، وهم كسبوا بالتالي حب القبائل العربية، ما كرّس تفاعلاً خاصاً وفريداً بينهم. وأيضاً، يرى المؤرخون انفسهم ان العرب شاركوا الارمن في معايشة محن الحكم العثماني طوال قرون ما أفضى الى نتيجة واحدة هي الانتفاض عليه، في مطلع تسعينات القرن ال19. ويؤكد هؤلاء ان العرب أدركوا سريعاً ان مأساة الابادة الارمنية لم تنتج من صراع ديني او عنصري مع الاتراك بل سياسي،"وحتى لو وجد دروز في منطقة بحيرة فان التركية التي شهدت عمليات إبادة ضخمة لكانوا تعرضوا للتطهير الهادف الى توسيع الرقعة الجغرافية لتركيا". ويعتبرون ان تجاوز الدول العربية الاطار العادي في منح المهاجرين الارمن الملاذ الآمن الى مساواة حقوقهم بتلك الخاصة بمواطنيهم، خلق دافع بعث الحياة لدى بقية الجاليات المنتشرة في المهجر. ويجزمون بأن الاتجاه العربي في السياسة الخارجية الارمنية والذي لم يحتج الى اي براهين للاعتراف بالابادة وادانتها، وفر دائماً المساندة المطلوبة لأرمينيا."اما داخلياً فأظهر العرب المودة الحقيقية تجاه الارمن. واعتبروا على سبيل المثال لا الحصر مناداة السيدات الارمنيات في مدينة دير الزور السورية باستخدام عبارة كيري التي تعني خالتي بالارمنية أحد الامثلة على روابط الصداقة القوية بين الشعبين". ولا يخفى ان أرمن البلد الام بادلوا هذه الروابط بمبادرات أظهرت حرصهم على التسامح. وتجلى أهمها في احتضان عاصمتها يريفان التي لا يوجد فيها غير مسلمين قلائل ينضمون الى الاقليات غير الارثوذكسية في البلاد والتي لا يتجاوز عددها ثلاثة في المئة، المسجد الازرق الذي مولت ايران مشروع إعادة بنائه بين 1996 و2000 بعدما تحول الى ركام في عهد حكم الاتحاد السوفياتي السابق للبلاد، وذلك بتكلفة مليون دولار، ويشكل مقراً ثقافياً بالدرجة الاولى، اذ تلقّن فيه دروس اللغة الايرانية والفنون اليدوية الاسلامية ويضم مكتبة تحوي مراجع للطلاب الباحثين في الشؤون الاسلامية. ويرى المسؤول عنه مؤذن غاشغاني ان مسلمي ارمينيا القلائل يفتخرون بالانتماء الى بلد يلتزم مبادئ الدين،"ما يجعله جديراً بالاحترام". يذكر ان العلاقات الارمنية - الايرانية أكثر من حميمة حالياً ولا تستند الى اي خلفية تاريخية تعكر صفوها، باعتبار ان ارمينيا انضمت الى الامبراطورية الفارسية طوال قرون عدة، او سياسية تقترن بتزايد الكره الغربي للاصولية الاسلامية، وهو ما شدد عليه النائب ليفون مرديكيان في حديث خاص ل"الحياة"ينشر غداً.