بدأ أعضاء مجمع الكرادلة ال115 أمس، اجتماعاتهم السرية الرامية إلى انتخاب خلف البابا يوحنا بولس الثاني الذي توفي مطلع الشهر الجاري. وكان الكرادلة اجتمعوا بعد رحيل الحبر الأعظم مرات عدة وقرروا في شؤون الكنيسة وحاضرة الفاتيكان، إلاّ أن اجتماعاتهم هذه ستُجرى في ظروف من السرية والكتمان المطلق. فمنذ اللحظة التي أعلن فيها المسؤول عن المراسم البروتوكولية الفاتيكانية المونسنيور ماريني جملة "محظور على البشر"، أُغلق الباب بالمفتاح ليبدأ ما عُرف في تاريخ الكنيسة ب"الكونكلاف"أي"الباب الموصد بالمفتاح"ولن يخرج الكرادلة من قاعة"قبة السيستين"إلاّ بعد ظهور الدخان الأبيض من مدخنة صغيرة في قمة كاتدرائية القديس بطرس، مؤذناً بانتخاب البابا الجديد. وينجم الدخان عن إحراق أوراق الاقتراع، على ما تردد. و"الكونكلاف"الحالي هو الأول من نوعه في الألفية الثالثة. ويأتي بعد 26 عاماً من المجمع المغلق الذي اختار الكاردينال البولندي كارول فويتيلا الذي حمل اسم يوحنا بولس الثاني. وتابع ملايين المشاهدين لحظات دخول الكرادلة إلى"قبة السيستين"وهو ما لم يحدث أبداً. وقامت الأجهزة الأمنية المتخصصة في الفاتيكان بإجراء مسح شامل للمناطق المحيطة بمقر الاجتماع ومُنعت الهواتف النقّالة من التواجد، وسرى"قسم السريّة المطلقة "حتى على الكرادلة أنفسهم والذين أدوه فرداً فرداً بعد الإعلان عن أسمائهم ومناطق عملهم. ولن تتيح السريّة والتقاليد السارية في"الكونكلاف"الفرصة لمعرفة طبيعة التصويتات التي ستُجرى، إذ إن جميع القسائم الانتخابية والأوراق التي سيدوّن عليها الكرادلة ملاحظاتهم ستوضع في المحرقة التي ستُخرج الدخان الأبيض في حال انتخاب البابا الجديد أو الدخان الأسود في حال إخفاق الكرادلة في التوصّل إلى منح 77 صوتاً، وهو ما يكفي لانتخاب البابا الجديد، إلى أحد المرشحين. إلاّ أن تلك السريّة لم تكن مطلقة على الدوام، ففي عام 1978 تمكن صحافي من معرفة انتخاب كارول فويتيلا حتى قبل صعود الدخان الأبيض، بعد تواجده بالصدفة تحت أرضية قبة"السيستين"وسمع عدّ الأصوات وأبلغ صحيفته بالخبر. كما كشف عدد الأصوات التي حصل عليه البابا يوحنا بولس الأول سلف البابا الراحل يوحنا بولس الثاني. إذ حصل الكاردينال لوتشاني على 23 صوتاً في مقابل 25، حصل عليها كاردينال مدينة جنوى الإيطالية سيري، إلاّ أن التصويت الأخير رجح كفة الكاردينال لوتشاني الذي شغل السدة البابوية 33 يوماً. وتبدأ عمليات التصويت صباح اليوم الثلثاء، وستجرى أربع عمليات تصويت، اثنتان منها في الصباح واثنتان في ما بعد الظهر. ويتوقّع أن يتصاعد الدخان الأبيض أو الأسود من المدخنة نحو الساعة الثانية عشرة ظهراً وفي السابعة من مساء اليوم عينه. وبناءً على إحصاءات لعمليات التصويت التي اختارت آخر البابوات، يتوقع متابعو الشأن الفاتيكاني أن يجرى انتخاب البابا الجديد يوم غد الأربعاء، غير أن ذلك ليس إلاّ من ضرب التكهّنات، لا سيما أن التنافس يبدو قوياً ليس على صعيد الكرادلة أنفسهم فحسب، بل أيضاً على صعيد الدول والقوى الكنسية التي تقف وراء البعض منهم. ومن بين الأسماء التي تردد أنها مرشحة بقوة، الكاردينال جوزيف راتزينغر، أحد أقرب مساعدي البابا الراحل، إضافة إلى أسقف ميلانو الكاردينال ديونيجي تاتّامانتسي الذي تردد اسمه منذ البداية. في موازاة ذلك د ب أ، ذكر تقرير إعلامي أمس أن الكاردينال الألماني جوزيف راتزينغر 78 عاماً"لم ينكر أبداً"أنه كان عضواً في منظمة"شباب"هتلر إبان عصر ألمانيا النازية، لكنه يصر على أنه أجبر على الانضمام باعتباره تلميذاً. وقالت الصحيفة إن راتزينغر خدم أيضاً في وحدة ألمانية مضادة للطائرات قريبة من مصنع كان يستخدم في عمالة السخرة قبل نهاية الحرب عام 1945. وفي حين تبدو حظوظ كاردينال بومباي بالهبوط، فإن أسهم كاردينال فيينا شوينبورن أسقف مدينة البندقية الكاردينال سكولا يبدوان وكأنهما آخذان بالصعود. وطُرح في الساعات الأخيرة بقوة اسم أسقف ميلانو السابق الكاردينال كارلو ماريّا مارتيني الذي يعد من أباء الكنيسة ويحظى باحترام كبير. وسيكون اختيار الكاردينال مارتيني دفعة كبيرة لعملية الحوار ما بين الأديان، خصوصاً مع الإسلام واليهود. إذ اختار مارتيني الإقامة في القدس والانصراف إلى العبادة والبحث الديني ما بعد استقالته من أسقفية ميلانو قبل ثلاث سنوات بعد بلوغه الخامسة والسبعين من العمر.