طالب وزير التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي مهدي الحافظ باعتماد رؤية اقتصادية مدروسة وسليمة تنعكس في برامج وخطط واضحة، ما يستوجب وجود قيادة فاعلة وموحدة ومدركة لحجم وطبيعة التحديات، لافتاً إلى ان أعباء العراق كثيرة خصوصا في المجال الاقتصادي، غير ان إمكاناته ليست قليلة. وأشار إلى ان العراق يواجه حالياً مهمة إعادة نظر وتقويم للآليات، التي تكفل تحسين التنسيق ورفع مستوى الأداء في إطار التعامل مع الدول المانحة. تفاهم الدول الكبرى ولفت إلى اتفاق بين الولاياتالمتحدةوفرنسا وبعض الدول الأوروبية على الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي عن العراق، يعقد بعد فترة قصيرة من تشكيل حكومة عراقية جديدة، سيبحث في ثلاث قضايا محورية هي: مستقبل العملية السياسية في العراق، والموضوع الأمني، والتنمية الاقتصادية واعادة الاعمار. وأشار الى احتمال البحث في استحداث آليات جديدة تؤمن مشاركة فرنسا وبعض دول أوروبا في تقديم العون لبعض المشاريع والبرامج الإنمائية التي سيجرى بحثها في الاجتماع المقبل للدول المانحة، الذي سيعقد في عمان أيضاً نهاية الشهر المقبل. التحديات الاقتصادية وأكد الحافظ ان التركة الاقتصادية للنظام السابق ذات أبعاد كثيرة وعميقة على الوضع العام في العراق، ما جعل التحديات تتركز بعد انتهاء الحرب على الجوانب الآتية: 1- تحدي الخراب الذي نجم عن الحروب السابقة، وسوء الإدارة وآثار العقوبات الاقتصادية، التي كانت مفروضة على العراق، والآثار وما خلفته عمليات النهب التي حصلت في تلك الفترة. 2- تدني مستوى الناتج المحلي الإجمالي، وتدني الأجور ومشكلة الديون الخارجية والتعويضات، فضلاً عن انخفاض مستوى المعيشة على نحو كبير. 3- بروز مشكلة البطالة في شكل حاد، اذ بلغت نسبتها أكثر من 60 في المئة في بعض الأحيان بحسب المؤسسات الدولية. وقال الحافظ ان محصلة هذه التحديات، أوجبت إعادة اعمار العراق وتسريع عملية التنمية الشاملة. ويترتب على ذلك حل مشكلة الأمن باعتبارها الأهم، والشرط الأساسي لنجاح أي برنامج اقتصادي وسياسي، إضافة إلى توفير حياة آمنة ومستقرة للمواطن واصلاح البنى التحتية وتأهيلها، بما يكفل تحسين الخدمات الأساسية، لا سيما الكهرباء والماء والصرف الصحي وتقليص حجم البطالة وتوفير فرص العمل للعاطلين من العمل. وأضاف ان الأمر يتطلب أيضاً إجراء إصلاحات اقتصادية لإنهاء حال الفوضى في البنى الاقتصادية، وبناء نظام مالي ونقدي واداري وقضائي ينسجم مع التوجه الجديد لدعم الاقتصاد الخاص وتفعيل اقتصاديات السوق. وأوضح الحافظ ان هذه الأولويات فرضت معالجة وضع موازنة الدولة، باعتبارها الآلية الأهم لتنظيم الحياة الاقتصادية، وذلك بإزالة حال عدم التوازن بين الواردات والإنفاق، والتحرر من الاعتماد على العائدات النفطية، وصوغ استراتيجية لمعالجة مشكلة الدعم التي تشكل الجزء الأكبر من نفقات الموازنة، وهي حالة غير طبيعية ويجب أن توضع لها الحلول بالشكل المناسب. ولفت الحافظ إلى وجود مؤشرات مهمة تؤكد حصول تقدم غير قليل في إطار تنفيذ البرامج المستندة الى هذه الأولويات، وإلى بروز ثغرات وجوانب سلبية ينبغي الإشارة إليها، ملمحاًً إلى ان تحسناً نسبياً طرأ على مستوى الأجور والرواتب، وانعكس ذلك في زيادة القدرة الشرائية للمواطن. استقرار الوضع المالي وقال ان أبرز ما تحقق هو القضاء على الاختناقات التجارية، بطرح السلع بكميات كبيرة في الأسواق، وتوحيد العملة الوطنية والمحافظة على استقرارها، وتقليص نسبة البطالة إلى ما يقرب من 26 إلى 28 في المئة، مؤكداً ان هذه الإنجازات أسهمت في استقرار الوضع المالي والنقدي، بحيث أصبح الاعتماد على عائدات الدولة في تمويل النشاطات الحكومية، سواء ما يتعلق منها بالموازنة الجارية، أو البرنامج الاستثماري. ويتضح ذلك من خلال المقارنة بين ما تلقته الدولة وما صرفته من عائدات النفط البالغة نحو 31 بليون دولار، منذ سقوط النظام السابق، وبين مجموع ما قدم لها من الدول والمؤسسات المانحة البالغ نحو خمسة بلايين دولار. وأشار الحافظ ان هذه الحقيقة تشير إلى ان التعهدات المالية المعلنة في مؤتمر مدريد في 2003، لم يتم الالتزام بها وتفعيلها بنفس الوتيرة المتوقعة، وهو أمر يشكل قلقاً كبيراً بالنسبة الى العراق، لأن الكثير من الآمال والطموحات قد تبددت من جراء عدم الإيفاء بهذا الالتزام كاملاً. ولفت إلى ان اضطراب الأمن ربما ساهم في التلكؤ هذا، مع وجود أسباب أخرى تتعلق بعدم الاستقرار السياسي، وتخلف الجهات المانحة عن اعتماد آليات أخرى من شأنها المساعدة على التعويض عن عدم وجودها داخل العراق، من خلال الاعتماد على الجهات العراقية كالوزارات ومؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، أي الاعتماد على التنفيذ الوطني المباشر للمشاريع. و"هذا ما كنا نطالب به في مؤتمرات المانحين والأمر ما زال مطروحاً على بساط البحث". الأمن الأجنبي ومصادر الهدر وأشار الحافظ إلى نقطة مهمة أخرى تتعلق بكيفية التعاقد بين الدول المانحة، ولا سيما الأميركية، وبين الجهات المنفذة، وقال ان المصلحة تقتضي أن تتم تعهدات في شكل مباشر ومن خلال الوزارات العراقية، أي أن تتم عملية التعاقد والتنفيذ وتنفيذ المشاريع وتقويم نتائجها بصورة مباشرة مع الجهات العراقية. وهذه المسألة تعد حاجة ملحة ومبدئية بالنسبة الى الحكومة. ولفت أيضاً إلى ان هذه النقطة ترتبت عليها ظاهرة مثيرة تتعلق بارتفاع كلفة المشاريع لأسباب عدة، أبرزها ان ما يصرف على أمنها أكثر من 40 في المئة من كلفة المشروع، وهي تشكل مصدراً للهدر وتبديدا للثروة، لأغراض غير منتجة، فضلاً عن ان متطلبات أمن المشاريع تفرض وجود أكثر من 20 ألف رجل أمن يعملون لشركات أجنبية تتولى هذه المهمة وغالبيتهم من الأجانب. وقال ان مسألة إدارة المعونات الدولية، والتنسيق مع المانحين يثير نقاطاً مهمة أخرى، أهمها مطالبة المانحين بإيداع مبالغ جديدة تتناسب مع تعهداتهم المالية في الصندوقين الماليين المشكلين لاعادة اعمار العراق، حيث لم يبق شيء مهم من هذه الأموال. وان مجموع ما جرى التعاقد في شأنه في إطار هذين الصندوقين لم يتعد البليوني دولار.