لم يعد لدى ارييل شارون وقت يضيعه. يقيم في النصف الثاني من العقد السابع. وفي هذه السن لا يبقى غير تسديد ضربة كبرى من قماشة الضربات التي تحجز للسياسي مقعداً وثيراً في تاريخ بلاده. ضاق ذرعاً بقدرة بنيامين نتانياهو وشلته على نصب الأفخاخ ووضع العصي في الدواليب. تعب من"حرب الدسائس"داخل"ليكود". منذ ستين عاماً وهو مندفع كأنه أرسل في مهمة وعليه انجازها. يعتقد بأنه الأقرب الى"روح الأمة"وانه يملك التفويض الشعبي اللازم لاتخاذ القرارات الكبرى. في السياسة كما في الحرب يحب شارون الضربات المفاجئة والموجعة. حاول المنافسون في"ليكود"ضبط خطواته تمهيداً لإيقافه وايقاعه. حذرهم فلم يتنبهوا. آخر الدواء الكي. استقال من الحزب الذي شارك في تأسيسه. قلب الطاولة وخرج فتصدع البنيان. وتقول استطلاعات الرأي ان"ليكود"سيعود حزباً صغيراً لو أجريت الانتخابات الآن. في قرارة نفسه يعتقد شارون بأن القرارات المؤلمة تحتاج الى رجال استثنائيين. وان شرعيته كاملة وتتيح له الجرأة أو المجازفة. وان من حق من يشارك في احتلال الأرض ان يقترح تعديلات في حدود الاحتلال. وأن من حق من يزرع المستوطنات أن يقتلع بعضها حرصاً على أمن الدولة وطابعها اليهودي. ينظر شارون الى المنطقة والعالم فيعتبر أن الرياح مواتية والفرصة سانحة. المشهد العربي هو الأكثر كآبة منذ عقود. العراق الذي كان يهدد بإحراق نصف اسرائيل يتلوى اليوم على نار الاحتلال والارهاب والديموقراطية المطبوخة بالحساسيات المذهبية والمخاوف. سورية التي كانت العقدة أمام"مشاريع السلام"انسحبت من لبنان على دوي التظاهرات والقرارات الدولية وأقل ما تطالبها الولاياتالمتحدة به هو"تغيير سلوكها". و"حزب الله"الذي أرغم الجيش الاسرائيلي على الانسحاب من جنوبلبنان يخشى اضطراباً عميقاً في العمق اللبناني - السوري الذي كان يوفر له مظلة تقيه التحول جزءاً من الانقسام الداخلي والإحتراب الأهلي. أما الملف النووي الايراني فليس مشكلة اسرائيل وحدها ذلك أن تحول ايران دولة كبرى ونووية في الاقليم يصيب العرب أيضاً على رغم الاختلاف في نظرتهم الى كل من اسرائيل وايران. يبدو شارون مستعجلاً. مناخات 11 أيلول سبتمبر كانت كارثية على العرب. غزو العراق ضاعف متاعبهم وأكد التغيير في الأولويات اقليمياً ودولياً. حجز شارون لبلاده موقعاً في عالم ما بعد غزوتي نيويورك وواشنطن. في ظل الاضطراب العراقي ودوي ضربات الزرقاوي استقال من غزة. الرياح مواتية لنقل المعركة الى جوهرها. المعركة تدور أصلاً حول القدس والضفة. صحيح أنه ملتزم"خريطة الطريق"لكن الوقائع الميدانية يمكن أن تعدل في الخريطة وفي حدود الدولة الفلسطينية. قلب شارون الطاولة. غادر شمعون بيريز حزب العمل وأيد الجنرال الذي يحب الانقلابات والمفاجآت. فرض شارون نفسه في الداخل وعلى الراغبين في التفاوض بشأن السلام. زعم انه يكره الحرب. أغلب الظن انه يحاول ترجمة نتائج حروب عديدة. مفتاح السلام في يده يقول كثيرون. انه الانقلاب الكبير: السلام في عهدة القاتل.