حين تولى ارييل شارون رئاسة الوزراء قال كثيرون إن الجنرال الأرعن لن يقيم طويلاً. توقعوا أن يسقط سريعاً في الفخ بفعل رهانه المفرط على القوة وحدها. ياسر عرفات نفسه توقع ألا يزيد عهد غريمه على المئة يوم. لم تكن التوقعات دقيقة. لائحة الأسباب طويلة وتمتد من الداخل إلى الخارج. تصرف شارون بوحشية هي جزء من اسلوبه لكنه تصرّف ببراعة أيضاً. أدار بمهارة لعبة تحجيم خصومه في ليكود ولم يستسلم للمتمردين داخل حزبه أو داخل الائتلاف الحكومي. استثمر إلى أقصى حد التصدع الذي ضرب شعبية حزب العمل. شكلت هجمات 11 أيلول سبتمبر فرصة ذهبية لرئيس الوزراء الإسرائيلي. سارع إلى تعميق التحالف مع أميركا المحاربة وحجز لبلاده موقعاً في مناخ الحرب على الإرهاب. ضاعف هجماته على الفلسطينيين ووظف بعض ردودهم خصوصاً العمليات الانتحارية لدفعهم إلى المعسكر المقابل. أنجز أكثر مما كان يتوقع. أعاد احتلال الأراضي وأحال مؤسسات السلطة وأجهزتها ركاماً وحول ياسر عرفات أسيراً. قطف فرصة انشغال العالم بالحرب في العراق وما تبعها. الوقت ليس وقت الذهاب إلى الانتخابات. هكذا يعتقد شارون. تصدّع ائتلافه الحكومي، وإذ به ينتزع من ليكود الحق في التفاوض مع حزب العمل لتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات أكثرية مستقرة. لن ينسى أيضاً التفاوض مع أحزاب دينية يحتاج إلى غطائها لتنفيذ الانسحاب من غزة. الحسابات تتعدى بالتأكيد توفير أكثرية مريحة في الكنيست. فحكومة الوحدة الوطنية هي بالنسبة إلى إسرائيل أفضل صيغة لمقاومة الضغوط خصوصاً إذا حاول بوش ترجمة ما ينقل عنه من أن انهاء النزاع العربي - الإسرائيلي جزء ضروري لدعم المواجهة العسكرية مع الإرهاب. تنفيذ الانسحاب من غزة سيمكن إسرائيل من الظهور في صورة صانعة السلام. ستكون للخطوة آثارها في الولاياتالمتحدة وأوروبا معاً. بعض العرب وفي مقدمهم مصر يدعون الفلسطينيين إلى اظهار ما يلزم من الواقعية لالتقاط الفرصة. ثمة حسابات أخرى أيضاً. الشرق الأوسط الكبير يبدو على أبواب اضطراب كبير."المفاعل"العراقي يبث اشعاعاته في المنطقة. المخاوف المذهبية تتصاعد. الدور الإيراني يقلق دول المنطقة. سورية تتعرض لضغوط غير عادية، فإذا طالبت اليوم بتطبيق قرارات الأممالمتحدة ستجد من يذكرها بالقرار 1559. في مرحلة مفتوحة على المخاوف والمفاجآت يتقدم شارون لبناء حكومة تمنحه القدرة على المبادرة في غزة، والقدرة على الانتظار في المنطقة. في المقابل، يبدو العالم العربي مندفعاً نحو الاضطراب الكبير من دون صمامات أمان.