لم تقدر اي تجربة على اثبات خطأ نظرياته. لم يستطع اي شخص ان يثبت أن كل الاجسام التي نعرفها، من ابسط الاجسام الارضية الى النجوم المنهارة في المجرات النائية، لا تنطبق عليها معادلاته. انه البرت اينشتاين: ابرز رمز علمي في القرن الماضي، بل وربما خلال الألفية الثانية كلها. ثمة من يرى انه لن يطول المقام قبل ان تصبح كل المعادلات التي تصف الجاذبية، من سقوط تفاحة من شجرة التي يقال انها اوحت بنظرية نيوتن الى الثقوب السود Black Holes، ستخرج من نسبية اينشتاين. لن يعود العلماء الى معادلات اينشتاين في وصف اي ظاهرة لها علاقة بالجاذبية: بدءاً من سقوط تفاحة من غصن شجرة، الى تفجر الشموس في اعماق الكون! ثمة تجربة تحدّت، قبل سنوات قليلة، السيطرة الكلية لمعادلات اينشتاين عن الجاذبية. ففي عددها الصادر في ايار مايو من العام 2002، تحدثت مجلة"سيانس اي في"العلمية الفرنسية عن تجربة مثيرة، ربما فتحت الباب لصعود قوي لنظرية الجاذبية الكمومية. ونقلت المجلة ان معهد"لو لانغفان"في مدينة غرينوبل الفرنسية، انجز تجربة علمية، اشرف عليها الفيزيائي الروسي فاليري نيسفيزفسكي Valery Nesvizhevsky. فقد تمكن نيسفيزفسكي من صنع آلة تقدر على"تنطيط"النيوترونات Neutrons، بعزله عن تأثير اي شيء آخر سوى الجاذبية الأرضية. لشرح الأمر، فإن نظرية النسبية كانت تقول ان نظرية نيوتن لا تنطبق على النيوترونات لأن قوى أخرى في الذرة تؤثر في تلك الجسيمات. والمعلوم ان النيوترونات اجسام صغيرة الحجم، توجد في نواة الذرة، الى جانب البروتونات Protons. ويعطي هاذان النوعان من الأجسام النواة وزنها. والحال ان الالكترونات التي تدور حول النواة لا تسقط في داخلها، على رغم جذب النواة لها. اذا كانت نظرية نيوتن صحيحة، فإن الالكترونات يجب ان تقع داخل النواة، كما وقعت التفاحة الشهيرة على رأس نيوتن. لكن هذا الأمر لا يحصل طبيعياً. واستعمل اينشتاين في صوغ معادلاته عن الجاذبية، وكذلك في نقض الأفق الضيق لنظريات نيوتن. وفي المقابل، فان نظريات اينشتاين تدل الى عدم امكان تحرك هذه النيوترونات، التي تبدو ملتصقة تماماً بالبروتونات، بفعل قوى الجاذبية في الذرة نفسها. فاذا عزلت عن اثر تلك القوى، فانها يجب ان تسقط بفعل الجاذبية الارضية كتفاحة نيوتن! لذا تبدو تجربة نيسفيزفسكي مثيرة، لانها تتحدى نظريات اينشتاين. ولم تترد مجلة"سيانس اي في"في وصفها ب"التاريخية". وبالنسبة الى كثير من الفيزيائيين، لم تمثل آلة نيسفيزفسكي شيئاً جديداً. فقد شكلت نظرية النسبية موضعاً لنقاش علمي متطاول، على رغم استعمالها في فيزياء الفلك لوصف تكوّن النجوم والمجموعات الشمسية وحركة الكواكب وغيرها. حتى ان اينشتاين نفسه حدس بذلك الأمر. وتحدث تكراراً عن امكان ادراج نظريته في النسبية العامة، في سياق النظرية الكمومية التي ظهرت صيغها بعد نظرياته، تماماً مثلما ادرج هو بالذات نظرية نيوتن التي كانت سائدة قبله في سياق معادلات النسبية. والحال ان نظريات الكمومية لم تكف ابداً عن اكتساب المزيد من القبول لدى العلماء، منذ انطلاقتها على يد فيزيائيين مثل ماكس بلانك وورنر هايزنبرغ وايرفينغ شرودنغر وبول ديراك وغيرهم. اكثر من ذلك، فان اينشتاين نفسه انجذب كثيراً الى تلك النظريات، وعمل مع مؤسسيها على تطويرها. وما لبث ان اختلف معهم، خصوصاً في طريقة فهمهم للزمن و... الجاذبية. ويتحدث البعض عن"اينشتاين الكمومي"في مواجهة"اينشتاين النسبي". والحال ان آلة نيسفيزفسكي تثبت أن الكمومية تصف الكثير من الظواهر الفيزيائية الاساسية، بما في ذلك الجاذبية. وبعد مرور قرن على نظرتي النسبية العامة والخاصة General & Special Relativity، ما زالت معادلات اينشتاين تستخدم في وصف سقوط الاجسام، والتي نقضت نظرية نيوتن عن الجاذبية. وبقول آخر، يتوجب ايجاد معادلات اخرى لوصف ظاهرة الجاذبية المعقدة. وكما حدس العلماء منذ وقت طويل، فان فهم الجاذبية يمثل بحراً، ما زال العلم عند شواطئه او بالكاد! في التفاصيل، ان الجاذبية تمثّل الحصن الأخير للنظرية الميكانيكية التقليدية النيوتينية. وفي المقابل، استطاع علماء النظرية الكمومية Quantum Theory منذ سبعين سنة، ان يبينوا ان الكثير من القوى الأخرى في الكون، يمكن وصفها بمعادلات الكمومية. ويطلق تعبير القوى الخمس الاساسية في الفيزياء لوصف الجاذبية والكهرباء والمغناطيس والقوى النووية الضعيفة والقوى النووية القوية. شكلت الجاذبية موضع خلاف قوي بين اينشتاين والكموميين. وخلال القرن الماضي، بقيت معادلات الجاذبية محكومة بنسبية اينشتاين، اي انها تصاغ وفق معادلات قوية، تحمل طابع الحتمية. والمعلوم ان الكمومية ترفض الصيغ الحتمية. وتشدد على مفهوم اللاتيقن او الارتياب Uncertainity Principle. وتنادي بادراج الجاذبية ضمن صيغ الفيزياء الكمومية، وبعبارة اخرى الخروج من مفهوم الجاذبية عند اينشتاين، للدخول في مفهوم الجاذبية الكمومية Quantum Gravity، التي تصيغ معادلات لوصف ظاهرة الجاذبية عبر معادلات الكمومية ولا يقينيتها. اذا تحقق ذلك، فان أسس النسبيتين العامة والخاصة، تصبح شيئاً من الماضي، تماماً مثلما جعلت نسبية اينشتاين نظرية نيوتن الميكانيكية للجاذبية جزءاً من الماضي. ألم يصف اينشتاين، بعدما اصبحت النسبية هي النظرية الاساسية في الفيزياء الحديثة، سلفه نيوتن، بأنه"طفل سعيد بالكون"؟ وتحمل العبارة اشارة الى التبسيطية التي تحملها نظرية نيوتن عن الجاذبية. وفي المعنى العلمي، فان نظرية النسبية لأينشتاين بيّنت ان نظريات نيوتن تنطبق على حالات محددة، وانه لا يمكن استخدامها في فهم ظاهرة الجاذبية على المستوى الكوني، ولا كذلك على مستوى العالم المصغر للذرات.