تعرض الرئيس محمود عباس ابو مازن في الأسبوعين الأخيرين من الحوارات التي شهدتها حركة"فتح"لتوحيد قائمتيها المتنافستين في انتخابات المجلس التشريعي، الى ضغوط كبيرة من مراكز القوى في الحركة. وحتى عندما نجح في توحيد معسكري الشباب والشيوخ، وجد نفسه تحت ضغوط مراكز عدة أخرى في الحركة والأجهزة الأمنية وصلت حد توجيه مسلحين لاطلاق النار أمام بيته في غزة مساء أول من أمس. وحادث اطلاق النار هذا لم يكن الأول، فبعد تولي عباس رئاسة السلطة بأشهر تعرض مقره المقاطعة في مدينة رام الله الى إطلاق نار من مسلحين في الحركة أرادوا الضغط عليه للحصول على مكاسب شخصية. ويؤكد مقربون من عباس انه يتعرض الى اشكال مختلفة من الضغوط من مراكز قوى في"فتح"منذ توليه الرئاسة في كانون الثاني يناير الماضي. والحركة التي تعد الأكبر في المشهد السياسي الفلسطيني، شهدت نشوء الكثير من مراكز القوى في العقدين الماضيين نتيجة تفرد رئيسها الراحل ياسر عرفات، صاحب الشخصية الكارزمية والأبوية، بالقرارات والمواقف، ما ادى الى تعطيل الحياة الديموقراطية فيها. فمنذ العام 1989، لم تعقد الحركة مؤتمرها العام الذي ينتخب فيه مندوبو الحركة في المواقع المختلفة هيئاتها القيادية وهي اللجنة المركزية والمجلس الثوري. ويقول قدورة فارس أحد قادة الجيل الشاب في الحركة:"لقد خطفت اللجنة المركزية الحركة وسخرتها لمصالحها الذاتية وحجزت التطور والحراك الداخلي فيها، ما أدى الى نشوء أشكال مختلفة من الاحتجاج والاعتراض". ولدى قيام السلطة عام 1994 وما رافقها من ضخ مالي هائل من الدول المانحة، تشعبت مراكز القوى في الحركة مع تشعب الامتيازات والمصالح الفردية ونشوء شرائح طفيلية أثارت شهية البعض واحتجاج وتمرد البعض الآخر. وفي كل الأحوال، ظل عرفات بشخصيته الأبوية وأدواته"المال والسلطة"مسيطراً على مراكز القوى هذه. ومنذ انتخابه خلفاً لعرفات، سعى الرئيس الجديد عباس الى أساليب جديدة لادارة"فتح"، فأوقف العطاءات بشقيها المالي والسلطوي، وفتح الطريق أمام اجراء الانتخابات الداخلية في الحركة والبلدية والتشريعية في المجتمع لإحداث التغيير واخراج الحركة والمجتمع والحكم من أزمات تبدو مظاهرها بوضوح على سطح الحياة اليومية في الأراضي الفلسطينية. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت الدكتور علي الجرباوي:"عباس يرى ان الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة للتخلص من القديم وبناء الجديد، وهي أسلوبه الوحيد لبناء نظام سياسي مختلف عن نظام سلفه". غير ان الحركة التي لم تعتد اسلوب الانتخابات منذ ما يربو على العقدين من الزمن، وجدت نفسها متخبطة في الانتخابات الداخلية التي شهدت الكثير من أعمال العنف والتزوير، فعادت مراكز القوى للعمل بالأسلوب القديم، وأخذت توجه مطالبها للرئيس. وبسبب اختلاف شخصية الرئيس الجديد عن القديم، تحولت هذه المطالب الى ضغوط وصلت في بعض المراحل الى التلويح باستخدام السلاح. وقال مسؤول في مكتب عباس:"لو كان عرفات هنا مشيرا الى مبنى المقاطعة لما ظهرت قائمتان للحركة، ولما تجرأ أحد على رفض مطلبه، فكيف بالتلويح بالسلاح". وما يثير القلق في التحركات الجديدة لمراكز القوى في"فتح"والسلطة هو معارضة بعضها اجراء الانتخابات خشية خسارته مواقعه التي تبدو اليوم مهددة من القوى الصاعدة"حماس"وممثلي الجيل الجديد في الحركة. وأعلنت غير مجموعة مسلحة من الحركة أنها ستلجأ الى إفشال الانتخابات في 25 الشهر المقبل. ويقول مسؤولون في مكتب عباس ان قيادات قلقة على مواقعها في الحركة وفي الأجهزة، ليست بعيدة عن هذه التحركات، ومن بينها اطلاق النار أمام منزل الرئيس الفلسطيني. والسؤال المثار اليوم في الأراضي الفلسطينية هو: هل ينجح عباس في حمل أجهزة الأمن على حماية مراكز الاقتراع يوم الانتخابات، أم يفشل في ذلك وتفشل معه التجربة الانتخابية التي أرادها وسيلة للخروج من أزمة الحكم وأزمة الحركة؟