لم يكد الممثل اللبناني إيلي صنيفر يشارف على السبعين حتى رحل، تاركاً وراءه"شخصيات"كثيرة أداها على الخشبة وفي السينما والتلفزيون، ومعظمها انطبع في ذاكرة الجمهور اللبناني على اختلاف أجياله. لكن العمر الفني لهذا الممثل القدير هو من عمر تلفزيون لبنان الذي انطلق في العام 1959 فهو كان من الرعيل الأول الذي صنع بدايات هذا التلفزيون وأيام عزّه الأولى التي ما برح يذكرها الجيل المخضرم. وأولى اطلالاته كانت في برنامج شعبي شهير عنوانه"حكمت المحكمة"كتب حلقاته فاضل سعيد عقل وكان الجمهور ينتظره اسبوعاً تلو اسبوع متابعاً من خلاله الأحكام التي كان يتبارى حولها المحامون والقاضي وهم ليسوا سوى ممثلين. غير أن نجم إيلي صنيفر لم يلمع شعبياً إلا من خلال برنامج"يسعد مساكم"مع معدّ البرنامج"أبو ملحم"وزوجته"أم ملحم". وكان الثلاثة الركائز الأولى في هذا البرنامج الذي غزا المنازل والأحياء في لبنان طوال سنوات بدءاً من العام 1960 حتى العام 1980، وكان الكثر من المواطنين يتابعون"العظة"الأخلاقية التي دأب"أبو ملحم"أديب حداد على إلقائها في نهاية كل حلقة. أما إيلي صنيفر فكان دوماً يؤدي شخصية الرجل الشرير الذي يسرق ويكذب ويتآمر ويشي ويدس ويخلف الناس بعضهم مع بعض. هذه الشخصية السلبية تلبّست إيلي صنيفر فترة طويلة وكان هو يؤديها ببراعة وعفوية، مستخدماً نظراته وغمز عينيه وصوته الذي يبدأ جهورياً ويخفت عندما يقع صاحبه في"الفخ". لم يدخل إيلي صنيفر أي مدرسة أو معهد للتمثيل وكان مثله مثل الكثيرين من الممثلين الأوائل، صنيع خبرته الحية وموهبته الكبيرة. وكان التمثيل له عبارة عن عيش الشخصية فطرياً أو لنقل بديهياً. إلا ان حضوره كان لطيفاً جداً على رغم قسوة بعض الشخصيات التي أداها واستطاع عبر هذا الحضور أن يجتذب جمهوراً كبيراً أحبه وتابعه حتى السنوات الأخيرة. ومن الشخصيات التي أداها ولا يمكن نسيانها شخصية"أحدب نوتردام"في المسلسل المستوحى من رواية فيكتور هوغو. وقد أدى شخصية"الأحدب"بمهارة جامعاً بين العمق المأسوي والطرافة والبعد الانساني وكل هذه العناصر ميّزت شخصية هذا الأحدب العاشق، الدميم الوجه، الطيب القلب والرقيق الأحاسيس. أدى إيلي صنيفر أدواراً تلفزيونية كثيرة يصعب تعدادها، علاوة على أدواره المسرحية ولا سيما في الأعمال التي كانت تجوب المناطق ملتقية الجمهور في الهواء الطلق. ولا تنسى اطلالته البديعة في دور"المختار"في مسرحية"ميس الريم"للأخوين رحباني. وقد غنّت فيروز أمامه أغنية جميلة هي"يا مختار المخاتير". وإن لم يكن صنيفر من الفريق الرحباني الدائم فهو شارك أيضاً في فيلمي"بنت الحارس"و"سفر برلك". أما آخر اطلالاته المسرحية فكانت في"ثورة شعب"للأب فادي تابت مؤلفاً ومخرجاً. وساهم ايلي صنيفر في تأسيس"نقابة الممثلين"في بيروت وناضل مع رفاقه من أجل تحسين أوضاع الممثلين وخصوصاً في مرحلة الشيخوخة عندما ينساهم الجميع. حاز صنيفر وسام الدولة اللبنانية برتبة فارس وجائزة الموركس وكرّم مرات كثيرة. يغيب إيلي صنيفر عن سبعين عاماً مواليد الحدث 1935 وسنوات كثيرة من العطاء الفني، هو الذي دخل قلوب المشاهدين اللبنانيين. أما الحسرة الوحيدة فهي انه لم يتمكن من الالتحاق بپ"عصر"الفضائيات التي كان يمكنه من خلالها ان يطل على الجمهور العربي الكبير. نقابة الممثلين تنعى إيلي صنيفر نجم آخر من الرعيل الفني الأول ومن رواد النهضة الفنية اللبنانية ينضم الى قافلة الفنانين الراحلين هذا العام. انه الفنان الكبير ايلي صنيفر الذي توفاه الله ليل الأحد - الاثنين 29 آب اغسطس 2005 عن عمر يناهز السبعين عاماً تاركاً فراغاً كبيراً في الدراما اللبنانية التي أعطاها من ابداعه وتألقه على مدى نصف قرن ونيف .... ان نقابة ممثلي المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون في لبنان تنعى عميداً من عمداء الفن اللبناني وأحد مؤسسيها الذين ساهموا في رفعة الفن العربي وجماليته. يحتفل بالصلاة لراحة نفسه في تمام الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم الثلثاء الواقع فيه 30 آب 2005 في كنيسة السيدة - الحدث. تقبل التعازي أيام الثلثاء والأربعاء والخميس في صالون الكنيسة من الساعة العاشرة صباحاً وحتى السابعة مساء. رحم الله الفنان الكبير وألهم عائلته وأقرباءه وزملاءه الصبر والسلوان.