كنت كلما شاهدته في مقهى «كافيه دو باري» في شارع الحمرا، جالساً وحده غالباً، يقرأ الصحيفة أو يدخن السيكار، أتذكر وجهه المتجهم في مسلسل «عازف الليل» الذي قدمه تلفزيون لبنان في زمن الأسود والأبيض، عشية الحرب الأهلية. أحببت الممثل علي دياب في شخصيته الشريرة التي أداها ببراعة حينذاك ناشراً الخوف من حوله، لا سيما عندما يتسلل إلى الفيللا في الليل حاملاً الخنجر ليقتل الممرضة التي أدت شخصيتها الممثلة الراحلة هند أبي اللمع. كنت أستغرب دوماً كيف أن علي دياب صاحب الوجه الشرير، الجميل في شره، كان يتولى مهمة المكياج في المسلسلات والأفلام السينمائية، فيبذل جهداً ليمنح وجوه الممثلين لمعاناً وبريقاً ولمسات من الجمال، ولو الاصطناعي، بينما وجهه قاسي الملامح مع حاجبين معقودين. ومعروف أن الأخوين رحباني أوكلا إليه مهمة ماكياج المطربة فيروز في الستينات والسبعينات. ظُلم علي دياب قليلاً في زمن التلفزيون الأسود والأبيض، وهو كان يستحق أن يؤدي أدوار البطولة، تبعاً لقدراته ممثلاً يجمع بين الوعي التقني والغريزة، أو الفطرة. لكنه أدى أدواراً مهمة، وأحيانا مهمة جداً، ارتسمت في ذاكرة الأجيال المتعاقبة منذ الستينات حتى الثورة التلفزيونية الحديثة التي جعلت الشاشة ملونة. ولكن لم يقيض له أن يرافق الثورة الإعلامية الأخرى، أي الفضائية، فهو ينتمي إلى الجيل المخضرم الذي ضم شوشو وأبو ملحم وماجد أفيوني وفيليب عقيقي وإيلي صنيفر وصلاح تيزاني وسواهم... هذا الجيل كان خير وارث للجيل الأول، مسرحياً وسينمائياً، هو الذي مهد الطريق للجيل الثاني الذي ضم أسماء مهمة غاب بعضها وما زال بعضها على عتبة الشيخوخة. غير أن علي دياب برز في أعمال عديدة، تلفزيونية ومسرحية وسينمائية، وبعضها ضاع في غيهب الذاكرة، ولا تُنسى بتاتاً شخصية الجد ، جد الصبية التي تدعى لولو (المطربة فيروز) في مسرحية «لولو» للأخوين رحباني، وقد أطل إلى جانبها في المشهد الأخير عندما غنت أغنية «سهر الليالي». وهو أطل أيضاً في الفيلم الرحباني الجميل «بنت الحارس»، مؤدياً فيه دور أحد أعضاء المجلس البلدي الذين تفضحهم الفتاة «نجمة» (فيروز) بعدما طردوا والدها من الشرطة. إلا أن ارتباطه الحقيقي والدائم بالأخوين عاصي ومنصور الرحباني كان بصفته «الماكيور» الدائم للمطربة فيروز، بدءاً من السهرة التلفزيونية الشهيرة «ضيعة الأغاني». وهكذا رافق دياب الرحبانيين وفيروز في معظم أعمالهم المسرحية والسينمائية. ومن الأعمال المهمة التي شارك فيها ممثلاً فيلم «مغامرات شوشو» مع الممثل الكبير شوشو (حسن علاء الدين)، إضافة إلى أفلام أخرى مثل «بدوية في باريس» مع المطربة سميرة توفيق... وله أعمال كثيرة توزعت بين الستينات والسبعينات... ومع الحرب اللبنانية التي اندلعت عام 1975 تضاءلت إطلالاته وبدأ يشعر بالعزلة في زمن الفضائيات مثله مثل سائر أبناء جيله. غاب علي دياب عن 88 عاماً وقد يكون هو آخر رفاق جيله الذين يحتاجون فعلاً إلى من يكتب تاريخهم الفني لتظل تذكرهم الأجيال المقبلة في بلد يكاد يكون بلا ذاكرة.