يشهد شهر آذار مارس الجاري نشاطاً مكثفاً لاجتماعات الجمعيات العمومية السنوية للشركات المساهمة العامة. ومعلوم أن الجمعيات العمومية السنوية هي السلطة العليا، بل أعلى سلطة في الهيكل التنظيمي للشركات المساهمة العامة، نظرا للصلاحيات الكبيرة التي تملكها هذه الجمعيات. فهي التي تنتخب مجالس إدارة الشركات ومدققي الحسابات و تبرئ ذمتهم من المسؤولية وتوافق على توصيات مجلس الإدارة بخصوص توزيع الأرباح وتحاسب الإدارة التنفيذية على مستوى الأداء. وبالتالي فهي تملك صلاحيات واسعة وفرتها قوانين الشركات المساهمة العامة بهدف حماية مساهمي هذه الشركات. و الملاحظ من خلال حضوري اجتماعات الجمعيات العمومية لعدد مهم من الشركات، غياب عدد كبير من المساهمين. وهذا الغياب برأيي هو تفريط من المساهمين بحقوقهم التي كفلها القانون، ومؤشر على تدني الوعي بأهمية هذه الاجتماعات السنوية، حيث فرض القانون على الشركات دعوة جميع مساهميها لحضور الاجتماع مهما كان عدد الأسهم التي يملكونها، وحيث تضطر بعض الشركات المساهمة التي تمتلك قاعدة عريضة من المساهمين إلى تأجيل اجتماعاتها بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني المطلوب لعقد هذه الاجتماعات، والذي يتطلب حضور ما نسبته 50 في المئة من مجموع أسهم الشركات، كما يتطلب حضور 75 في المئة من مجموع أسهم الشركات، إذا كان اجتماع الجمعية العمومية استثنائياً. واللافت ان غياب عدد كبير من مساهمي الشركات، يتم على رغم دعوتهم من خلال رسائل مسجلة، إضافة إلى الإعلان عن موعد هذه الاجتماعات في الصحف المحلية، والتي تتضمن تفاصيل جدول أعمال هذه الاجتماعات. والخطأ الشائع بين صغار المساهمين، الذي يقف وراء عدم حضورهم لهذه الاجتماعات، قناعتهم بأن حضورهم لا يؤخر أو يقدم، باعتبار أن القرارات تفرض من كبار المساهمين نظراً الى امتلاكهم حصة مهمة من أسهم الشركات، وبالتالي يملكون اتخاذ القرارات التي تخدم مصالحهم. كذلك من اللافت من خلال مشاهداتي أثناء حضور بعض الجمعيات العمومية، اهتمام مجالس إدارات الشركات بملاحظات صغار المستثمرين انتقاداتهم وتوصياتهم واقتراحاتهم، خصوصاً أن بعض صغار المستثمرين يملك الخبرة الكافية والوعي الاستثماري في مجال تخصص وأعمال الشركات. والواقع أن أسئلة المساهمين في اجتماعات الجمعيات العمومية بخصوص توقعات أداء الشركات في المستقبل أو مشاريعها المستقبلية، وانعكاس ذلك على ربحيتها أو أسباب تراجع أرباحها وأدائها، عادة ما تساهم في إعادة تقويم أسعار أسهم هذه الشركات استناداً إلى توقعات الأداء، بالتالي تساهم في ترشيد قرارات المستثمرين. هذه المعلومات التي يحصل عليها المساهمون الذين يحضرون اجتماعات الجمعيات العمومية لا تتوافر في البيانات المالية أو تقارير مجلس الإدارة التي تنشرها وتوزعها الشركات، والتي يعتمد عليها عدد كبير من المساهمين الذين لا يحضرون اجتماعات الجمعيات العمومية. فبعض المساهمين يعتمد على ما تنشره الصحافة الاقتصادية بالنسبة الى موضوع أخبار اجتماعات الجمعيات العمومية، على رغم محدودية المعلومات التي تنشرها هذه الصحافة. وبالتالي نلاحظ تزاحم الصحافيين وسائل الإعلام في هذه الاجتماعات على الوصول الى الأخبار. ويعتمد عدد كبير من المستثمرين على أخبار الوسطاء وتحليلاتهم عن اجتماعات الجمعيات العمومية ومشورتهم في شراء أسهم الشركات وبيعها اعتماداً على البيانات المنشورة، على رغم عدم كفاية بعض الوسطاء ومقدرتهم على تقويم الأسعار العادلة لأسهم الشركات. وبالتالي، نلاحظ أيضاً وجود أعدادٍ كبيرة من الوسطاء في هذه الاجتماعات. أن توعية المساهمين بأهمية حضور اجتماعات الجمعيات العمومية يقع على عاتق الجهات الرقابية، ومنها الأسواق المالية وهيئة الأوراق المالية ووزارة الاقتصاد، إضافة إلى مسؤولية إدارات الشركات ومجالس إدارتها، حيث يساهم حضور المساهمين في توثيق العلاقة بين مساهمي الشركات ومجالس الإدارة والإدارة التنفيذية للشركات. كما أن توزيع البيانات المالية على المساهمين قبل فترة من عقد الجمعيات العمومية، بحيث ترفق مع دعوة الحضور، يساعد المساهمين على تحليل البيانات المالية للشركات، وبالتالي مناقشة مجلس الإدارة لجميع الأرقام والمعلومات الواردة في هذه البيانات، بدلاً من توزيعها أثناء عقد الجمعيات، إذ يصعب على عدد كبير من المساهمين تحليل هذه البيانات في لحظات معدودة. وفي الاختتام، فإن اتساع قاعدة المساهمين والمستثمرين في الأسواق المالية الخليجية خصوصاً والعربية عموماً خلال هذه الفترة يتطلب رفع مستوى الوعي الاستثماري للحفاظ على استقرار الأسواق ورفع مستوى كفاءتها وزيادة الثقة في الاستثمار بالأسهم المدرجة بها، وحضور الجمعيات العمومية هو إحدى آليات رفع مستوى الوعي الاستثماري. * مستشار بنك أبو ظبي لشؤون الأوراق المالية.