دعا خبراء عرب ودوليون حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الى الاستثمار في ايجاد مصادر جديدة للمياه، محذرين من ان المنطقة، وهي من أكثر المناطق افتقاراً للمياه، ستعاني من نقص خطير في المستقبل القريب، ما قد يكون سبباً لنشوب حروب وصراعات اقليمية مفتوحة، بدأت بوادرها بالفعل. وحث الخبراء في منتدى "اعادة استخدام المياه" الذي احتضنته دبي أمس، الدول التي تشهد فورة صناعية ? زراعية الى تبني أساليب غير تقليدية في معالجة المياه والتخلي عن بعض الموروثات الثقافية التي ترفض معالجة مياه المجاري. وأشاروا الى ان الأوضاع المائية المتفاقمة في العالم العربي، تستدعي وضع استراتيجية للوصول الى ادارة متكاملة للموارد المائية بحيث تشمل التخطيط للمشروعات المائية وتقنين الطلب عليها واستخدامها والحماية البيئية لها، وتخصيص موازنات وفرق عمل للبحث وجمع المعلومات، وهو ما يتطلب التعاون بين الجهات المسؤولة عن البحوث المائية في العالم العربي. وقال مدير "مركز أبحاث الفضاء" في جامعة بوسطن فاروق الباز ل"الحياة" على هامش المنتدى، ان الاستثمار في مشاريع المياه في الوطن العربي "ضعيف جداً"، مشيراً الى ان المنطقة "مقبلة على أزمة مائية لا مفر منها، خصوصاً ان مواردها المائية الحالية قد لا تكفيها بعد عشر سنوات". ولم يستبعد الباز نشوب حروب في المنطقة بسبب نقص المياه، "لأن مصادر المياه محدودة في وقت يتضاعف عدد السكان وتتجه منطقة الشرق الأوسط الى عملية تنمية شاملة في ضوء النظام العالمي الجديد". ولفت الخبراء الى ان الحرب المحتملة في شأن المياه ستتعزز في حال عدم وجود تنسيق بين الدول في المنطقة، لاستغلال الموارد الموجودة لديها واكتشاف مصادر جديدة للمياه، اذ لا يزيد نصيب العالم العربي عن 60 في المئة من الموارد المائية في العالم، نظراً للمناخ الجاف وشبه الجاف لما يقرب من 28 في المئة من مساحة هذه الأراضي. ويشار ان اسرائيل تستنزف موارد نهر الوزاني في لبنان والمياه الجوفية في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان ونهر الأردن، متجاهلة اتفاقية لاهاي الموقعة عام 1907 وأحكام اتفاقية جنيف عام 1949، وما أقره مؤتمر المياه الدولي عام 1977. وما يغذي النزاعات المتوقعة في المنطقة، في رأي الخبراء، هو وجود الأنهر الحدودية أو تلك العابرة للحدود، وكذلك الآبار الجوفية المشتركة التي ترفض الدول تقاسمها. وأحدث مثال على ذلك هو الخلاف الاسرائيلي - اللبناني حول نهر الوزاني الذي ينبع في لبنان ويصب في بحيرة طبرية. أما على جبهة التأزم المائي التركية، السورية ? العراقية، فإن بناء تركيا السدود في شرق الأناضول أثرت على علاقاتها مع كل من العراق وسورية، على اعتبار ان سد أتاتورك أثر في شكل كبير على منسوب المياه في نهر الفرات. وعلى جبهة حوض النيل تنطلق تهديدات أخرى، فأثيوبيا التي تملك مصادر مياه النيل الرئيسة ترى هي الأخرى ان من حقها التصرف كما تشاء في هذه المياه وتهدد بأنها تنوي استغلال 86 في المئة من مياه النيل. وينتظر ان يصل عدد سكان أثيوبيا خلال عقد من اليوم الى قرابة 100 مليون نسمة فيما يصل عدد سكان مصر الى 90 مليوناً. ويخشى أن تؤدي هذه الزيادات السكانية الى استهلاك مضاعف لمياه متنازع عليها أصلاً. أما في دول الخليج، فإن أزمة المياه العذبة متفاقمة مع الوقت اذ ان الجزيرة العربية تفتقر الى الانهار والمياه السطحية، والازدياد المستمر في استهلاك المياه الجوفية سيؤدي الى جفافها. ومع تزايد السكان واتساع الاحتياجات الصناعية والزراعية للمياه، زادت الحاجة الى مشاريع تحلية المياه المكلفة في منطقة الخليج. وقال المدير التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، ان المنتدى يكتسب أهمية خاصة في ضوء "ان الماء من الموارد الطبيعية المحدودة في منطقة الجزيرة العربية. كما ان التطور العمراني والصناعي السريع الذي تشهده المنطقة يفرض الكثير من التحديات لتوفير الموارد المائية اللازمة لدعم خطط التنمية الاقتصادية". وأكد الخبراء ان منطقة الخليج تحتاج الى استثمار 30 مليار دولار خلال العشرين سنة المقبلة في عمليات استكشافية لآبار ارتوازية، علماً أن أكثر من نصف محطات التحلية موجود في منطقة الخليج العربي. ودعا هؤلاء المشرق والمغرب العربيين، الى البحث عن وسائل علمية وقانونية ومشاريع اقتصادية للاسترشاد باستراتيجية عمل عربي موحد، تسمح بتجاوز محن الصراعات وكوارثها، وان يخطط للمستقبل في تأمين المياه العذبة، من طريق اتفاقات تعاون ومشاريع تخزين مياه، والبحث في مصادر بديلة على رأسها استخدام الطاقة الشمسية. وتبلغ كمية المياه المتاحة للفرد في المنطقة نحو 1200 متر مكعب سنوياً يقترب المتوسط العالمي من 7000. وتراوح كمية المياه السنوية المتاحة في المنطقة بين حد عال يبلغ نحو 1800 متر مكعب في ايران، وأقل من 200 متر مكعب للفرد في الأردن، والضفة الغربية وغزة واليمن. ويتوقع ان يصل المتوسط الاقليمي لكمية المياه المتاحة بحلول عام 2025 الى أكثر قليلاً من 500 متر مكعب لكل فرد في السنة.