يعاني الشرق الأوسط وبلدان الوطن العربي عموماً من تزايد الطلب على المياه والنقص الشديد في المياه العذبة التي صارت من الخامات النفيسة، الأمر الذي يجعل المنطقة عرضة لتحديات مائية لا تقدر مواجهتها وحتى التخفيف من حدتها وسط الخصوصيات التي تتميز بها وتضارب المصالح والأطماع فيها، ما يجعل من المياه مصدراً من مصادر التنافس والهيمنة وأحد عوامل التوتر. بعد زمن النفط الذي هيمن على الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط ما يزيد على 100 عام، أخذت المياه صدارة الاهتمامات المحلية والاقليمية والدولية، وذلك لحساسية المنطقة التي تشهد زيادات سكانية كبيرة لا تستطيع المواد المائية المتاحة استيعابها. وقد أصدر مركز زايد للتنسيق والمتابعة التابع لجامعة الدول العربية، ومقره أبوظبي، دراسة عن "المياه في الشرق الأوسط ... الواقع والتحديات"، لفت فيها إلى ما يواجه الوضع المائي في الشرق الأوسط من تحديات وأطماع تكرس الهوة السحيقة في استخدام المياه، ما يجعل الحاجات المائية لدول المنطقة أمام خطر محدق يتهددها بين الفينة والأخرى، لا سيما مع ما تردد في مطلع التسعينات من تحويل هذه المادة الحيوية إلى مادة استراتيجية شأنها شأن النفط. وقالت الدراسة التي تقع في 90 صفحة أن المياه في الوطن العربي في تناقص كبير، وذلك بفعل الجفاف الذي يضرب المنطقة منذ قرابة عشرية كاملة، ما ينذر باحتمال حدوث وضع مربك. وتعرضت الدراسة إلى آراء الخبراء الذين يؤكدون أن العالم العربي سيعاني في سنة 2005 من نقص شديد في المياه، عدا العراقولبنان وموريتانيا، إلى جانب معظم دول القارة الافريقية ونحو 22 دولة في آسيا، ما يجعل من المياه سبباً للحروب الاقليمية والشاملة على حد سواء. فبعد أن كان استهلاك الفرد الواحد من المياه للأغراض المنزلية والزراعية والصناعية عام 1960 يناهز 3300 متر مكعب سنوياً أصبح اليوم لا يتجاوز 1250 متراً مكعباً في السنة، وهي أدنى كمية متوافرة للفرد في العالم مقارنة ب 103،23 ألف متر مكعب للفرد في أميركا اللاتينية و342.18 الف متر مكعب للفرد في أميركا الشمالية و485.7 الف متر مكعب للفرد في افريقيا، ويتوقع أن تصل حصة المواطن العربي إلى 650 متراً مكعباً عام 2025، بسبب تزايد عدد السكان العرب الذي تجاوز 250 مليون نسمة. وإذا كانت مساحة المنطقة العربية تمثل 71.2 في المئة من مجمل مساحة الكرة الأرضية، فإن مواردها المائية لا تتعدى 73.0 في المئة من مخزون المياه العذبة في العالم كله، وهي نسبة قليلة جداً لا تفي سوى ب63 في المئة من حاجات الحياة اليومية. ويبلغ حجم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي من جوفية وسطحية ونحو 8.371 بليون متر مكعب يستخدم منها 8.208 بليون متر مكعب منها 6.3 في المئة للاستخدام البشري مقابل 7.3 في المئة للاستخدامات الصناعية والباقي للزراعة. وتتفاوت حصص بعض الدول العربية من المياه، اذ تحصل دول المشرق العربي على 9.40 في المئة من اجمالي الموارد المائية العربية مقابل 23 في المئة لدول المغرب العربي و31 في المئة للدول العربية في حوض النيل و6.4 في المئة في الجزيرة العربية. وقالت الدراسة أن من أبرز المخاطر التي تعاني منها المنطقة العربية بسبب ندرة سقوط الأمطار التركيز على مخزون المياه الجوفية إلى حد الاستنزاف الكامل، مما يهدد مستقبل الأجيال المقبلة، مشيرة إلى وجود نحو 7700 بليون متر مكعب من المياه الجوفية العربية غير مستغلة. ويرجع الاعتماد على المياه الجوفية إلى موجة الجفاف التي تضرب المنطقة العربية، كما تغطي الرقعة الصحراوية ما نسبته 68 في المئة من مساحة الأراضي العربية، فيما تتعرض 20 في المئة من المساحة المتبقية للتصحر بسبب العوامل البيئية أو تحت ضغط الاستخدامات البشرية غير المخططة أو غير الملائمة. وتهطل على الوطن العربي أمطار تبلغ 2280 بليون متر مكعب سنوياً يستغل منها 350 بليون متر مكعب كمياه سطحية والباقي يهدر في الأرض. وأشارت آخر الاحصاءات إلى أن لبنان يستهلك 22 في المئة فقط من مياهه العذبة، والسودان 36 في المئة والمغرب 34 في المئة، وسلطنة عُمان 54 في المئة والعراق 87 في المئة وموريتانيا واحد في المئة، بينما تستهلك كل من مصر وسورية 65 في المئة، وهناك كمية كبرى من المياه العذبة تذهب هدراً نتيجة بدائية الري من جهة، وطول القنوات الترابية التي تمتص عشرات ملايين الأمتار المكعبة. وأدى النقص الكبير في المياه العذبة في العديد من الدول العربية إلى البحث عن مصادر مائية بديلة مثل تحلية المياه، كما في الخليج، وهي تمثل نحو 60 في المئة من اجمالي تحلية المياه في العالم. كما يلاحظ أن النقص الحاصل في المياه يقابله ازدياد مضطرد في عدد سكان الوطن العربي، وهو ما يعني تصاعد الطلب على المياه وحدوث عجز مائي في المنطقة مستقبلاً لعوامل عدة تجعل من المياه أحد أبرز أسباب التوتر والصراع في العالم وتطرحها كسلعة استراتيجية. الوضع المائي في الشرق الأوسط وتعرضت الدراسة للوضع المائي في الدول العربية، من حيث ندرتها ومحاولة إسرائيل لسرقة المياه في الأراضي الفلسطينية، ومن دول الجوار. وتبين أن الموارد المائية في الوطن العربي نوعان، تقليدية وغير تقليدية. وتشمل المصادر التقليدية الأمطار والأنهار والمياه الجوفية، وتقدر كمياتها سنوياً بنحو 2213 بليون متر مكعب من مياه الأمطار، و164 بليون متر مكعب من مياه الأنهار و29 بليون متر مكعب من المياه الجوفية. فيما تشمل المصادر غير التقليدية جميع طرق وأساليب معالجة المياه واستخدامها كتحلية مياه البحر والتعامل مع المياه مرتفعة الملوحة، ونقل المياه بواسطة ماقلات النفط. وأشارت الدراسة إلى أهم مصادر المياه في الوطن العربي ومن بينها الأنهار، خصوصاً نهر النيل الذي يعد من أكبر أنهار العالم وأطولها 6652 كيلومتراً وتتوقف عليه حياة نحو 165 مليون نسمة، ونهر دجلة 1718 كيلومتراً ونهر الفرات 2330 كيلومتراً ونهر الأردن الذي يعد من أبرز حلقات التصعيد المائي، كونه يضم كلاً من الأردن وفلسطين وسورية ولبنان، وتقع كلها في منطقة ساخنة من أسفل جبل الشيخ الغربي والجنوبي من ارتفاع قدره 910 أمتار. الأزمة المائية وقالت الدراسة، استناداً إلى احصاءات الأممالمتحدة، إن 16 دولة من دول العالم تواجه مشكلة قلة المياه وندرتها ومرشحة لأن يتفاقم وضعها في سنة 2050، من بينها دول العالم العربي، إلى جانب دول أخرى في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية. وأرجعت الدراسة أسباب الأزمة في الشرق الأوسط إلى أن 13 دولة فيها تستهلك حتى نهاية عام 2000 نحو 170 بليون متر مكعب من المياه، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 228 بليون متر مكعب سنة 2025. ويعد من أهم أسباب الأزمة المتوقعة في المنطقة ارتفاع معدل النمو السكاني فيها إلى 233 مليون نسمة سنة 2015 وعدم قدرة الاحتياطات المائية الموجودة في المنطقة حالياً تلبية حاجات ومتطلبات السكان. كما يعد من بين الأسباب التطور العمراني وموضع منابع المياه العربية خارج المنطقة، وندرة هطول الأمطار، الأمر الذي أدى إلى حدوث نقص كبير في مصادر المياه الجوفية. وأشارت الدراسة في هذا المجال إلى أن الدول العربية تنفق سنوياً ما بين أربعة وخمسة بلايين دولار على شراء المياه مقبل 22 بليون دولار ينفقها سكان العالم. ويعد التلوث واحداً من الانعكاسات السلبية لتلوث المياه على الحياة والصحة العامة، ومن أهم الأخطار التي تهدد الثروة المائية العربية السطحية والجوفية، اذ يموت حوالى 130 ألف شخص سنوياً في العالم العربية بسبب التلوث وعدم توافر المياه النفطية الصالحة للشرب والاستخدام. الأردن وتعرضت الدراسة لوضع المياه في الأردن الذي يعد في قائمة دول الشرق الأوسط الذي يعاني شحاً مائياً كبيراً بسبب النمو السكاني والهجرات المتتالية مقابل رصيد فقير من المياه الجوفية. وتوقعت الدراسة أن يصل عدد سكان الأردن إلى 7.5 مليون نسمة سنة 2015، ما سيؤثر على ارتفاع كمية المياه المستخدمة في الأغراض اليومية للمواطنين لتبلغ نحو 40 في المئة من مجموع الاستخدام المائي في السنة نفسها. ويبلغ معدل سقوط الأمطار في الأردن سنوياً نحو 60 مليمتراً، فيما بلغ المعدل السنوي للأمطار 8.5 مليون متر مكعب، بينما يبلغ معدل المتبخر منها نحو 92 في المئة لوقوع ما يقارب من 94 في المئة من مساحة الأردن في مناطق جافة أو شبه جافة. كما يبلغ معدل استهلاك الفرد الأردني من المياه نحو 22 متراً مكعباً سنوياً لجميع الاستخدامات، ونحو 142 لتراً يومياً لغايات الشرب والاستخدامات اليومية. ولفتت الدراسة إلى أن زيادة السكان أدت إلى تحويل المشاكل المائية إلى أزمات في الأردن، خصوصاً في سنوات الجفاف، وان محاولة الخروج من دائرة العطش ستكون في الوقت الراهن محاولة يائسة وأن عملية الأمن المائي الأردني عملية مؤجلة. وعرضت الدراسة الأهداف التي وضعها الأردن حتى سنة 2010 للتغلب على أزمة المياه وركزت على خفض استغلال حقول المياه الجوفية من 430 مليون متر مكعب في السنة إلى 280 مليون. وخفض نسبة الرشح في شبكات المياه العذبة، خصوصاً في عمّان الكبرى، حيث يتم هدر ما يقرب من نصف كمية المياه التي يتم توزيعها. كما يجري التفكير في تنمية الموارد المائية غير التقليدية، كاستخدام المياه المستهلكة في الري، وقد تصل من 65 مليون متر مكعب إلى 200 مليون متر مكعب من الآن إلى غاية سنة 2010 وتحلية المياه وتحويلها إلى مياه عذبة. وتأمل الحكومة في الاسراع بتحقيق مشروعين كبيرين، هما استغلال مياه حقل "الديسي" في جنوبالأردن بقيمة 250 مليون دولار لتوصيل المياه إلى عمّان عبر أنابيب بطول 350 كيلومتراً، ومن المتوقع أن تصل طاقته التشغيلية مستقبلاً إلى 120 مليون متر مكعب. أما المشروع الثاني فيخص سد "الوحدة" في اليرموك الذي اقترح انشاؤه بين سورية والأردن لتنفيذه عام 1987 بكلفة قدرها 210 ملايين دولار، ويؤمن 225 مليون متر مكعب من المياه تكون حصة الأردن منها 100 مليون متر مكعب. ولفتت الدراسة إلى تزويد سورية عام 2000 للأردن بالمياه بضخ 5.3 مليون متر مكعب، في وقت لا تتم فيه تنفيذ البنود المائية في الاتفاقية الموقعة بين الأردن وإسرائيل عام 1994. دول الخليج العربي عملت دول الخليج لسدّ النقص في المياه على استخدام تحلية مياه البحر التي تمثل نحو 60 في المئة من طاقة التحلية في العالم، وباتت هذه التقنية توفر ما بين 50 و90 في المئة من مياه الشرب فيها، وأصبحت محطاتها تمثل أحد مفاصل الأمن الوطني لهذه البلدان، علماً ان كلفة انشاء المحطة الواحدة لا تقل عن بليون دولار. وتقدر كلفة المشاريع المقررة في دول مجلس التعاون خلال السنوات المقبلة بقيمة تتجاوز خمسة بلايين دولار. ويتوقع المراقبون ان تتحول منطقة الخليج الى أهم القطاعات المرشحة لجذب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال خلال هذا العقد وهو ما يفسر اقبال الشركات العالمية في مجال الادارة والتشغيل وصناعة محطات المعالجة والتكرير في المنطقة بحثاً عن العقود التي تزيد قيمتها على 25 بليون دولار بحلول عام 2010. المياه العربية بين الاطماع الاسرائيلية والطموحات التركية قالت الدراسة ان المياه صارت تضاهي قيمة النفط الاستراتيجية، وان المياه ومصادرها تشكل عاملاً أساسياً في رسم حدود "الدولة اليهودية". ولفتت الى ان حرب المياه بدأت عام 1951 حينما شرع الاسرائيليون في تنفيذ مخططهم بتحويل مجرى نهر الأردن. وتسرق اسرائيل حالياً 850 مليون متر مكعب من مياه الضفة الغربية و80 مليون متر مكعب من مياه قطاع غزة، وهو ما يعادل 95 في المئة من موارد المياه الفلسطينية. وعلى رغم ذلك تعاني اسرائيل عجزاً مائياً يبلغ نحو 800 مليون متر مكعب، ويتوقع الاسرائيليون ان يواجهوا كارثة أو أزمة مائية في سنة 2001 في حال عدم تمكنهم من استيراد مياه أو توفير بديل سريع. وذلك في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من أزمة مياه كبيرة جداً حيث يستهلك الفلسطيني بين 40 و50 لتراً في اليوم مقابل ما بين 220 و240 لتراً للاسرائيلي. وتمارس اسرائيل منذ احتلال الجولان عام 1967 سياسة السطو على المياه في هذه الأراضي، اذ تستغل ما يقارب 81 مليون متر مكعب سنوياً من مياه الجولان، وهو ما يمثل نسبة 25 في المئة من استهلاك اسرائيل. كما تخشى اسرائيل على نفسها من ان يجدد مشروع بناء سد الوحدة على نهر اليرموك التقارب السوري - الأردني والذي كانت قد قامت بضربه في مطلع الستينات. وتمتد الاطماع الاسرائيلية الى مياه الليطاني، حيث شرعت اسرائيل منذ احتلالها لجنوبلبنان عام 1978 بالسيطرة على نحو 150 مليون متر مكعب وتصادر ما يقارب 200 مليون متر مكعب سنوياً، كما تعتمد ربع أراضيها الزراعية على مياه الجنوباللبناني. ولا يقف مسلسل هذه السرقات عند هذا الحد، بل تعدى ذلك الى نهب ما يعادل مليون متر مكعب سنوياً من نبع ومجرى مائي صغير في الطرف الغربي من جبل الشيخ ومليون متر مكعب سنوياً من المياه الناتجة عن ذوبان الثلوج في الهضاب الغربية لجبل الشيخ وكمية غير معروفة من مياه الآبار الأرتوازية. وتصل الأطماع الاسرائيلية الى مياه النيل، ويرتكز المخطط الاسرائيلي المقبل على هذا الهدف، وقد طرحت مشاريع لهذا الغرض ابرزها مشروعا "اليشع كالي" و"شاؤول أرلوزوروف" اللذان كانا يهدفان الى تزويد صحراء النقب بنصف بليون متر مكعب ضمن توجه حاز على اهتمام خاص من الاعلام الاسرائيلي منذ السبعينات. تركيا والمشاريع المائية ان الحديث عن سياسة تركيا المائية في الشرق الأوسط يقود الى التمييز بين نوعين من المشاريع منها ما يربط تركيا باسرائيل، وتركيا بدول الشرق الأوسط، مع الإشارة الى ان دور تركيا في موضوع المياه برز مع حرب الخليج الثانية. وتتناول الدراسة بالتفصيل مشروع "منافغات" الذي يؤمن لاسرائيل 50 مليون متر مكعب من المياه التركية سنوياً، وقد يرتفع الى بليون متر مكعب فيما بعد بواسطة الناقلات، وسيكون لهذا المشروع تبعات وخيمة على كل من سورية والعراق اللذين يشاركان تركيا في نهري دجلة والفرات. كما تتناول الدراسة سد "ايليسيو" الذي يعد من أصل 22 مشروعاً تعتزم تركيا انجازها بحلول سنة 2010 لأهداف تتعلق بانتاج الطاقة وسياسته ترتبط بالمشكلة الكردية وسدّ "غاب" الذي يعد من المشاريع المائية العملاقة في منطقة "غاب" الواقعة جنوب الأناضول على نهري دجلة والفرات، ويتضمن اقامة 21 سداً مائياً منها 13 مشروعاً رئيسياً وعشرات غيرها وسطية وثانوية واكبرها سد أتاتورك الذي أقيم على نهر الفرات، ويمثل العمود الفقيري لمشروع "غاب" الذي بدأ العمل فيه عام 1983. وسيؤدي انشاء هذا المشروع وسد أتاتورك بشكل خاص الى خفض امدادات نهر الفرات الى سورية بنسبة 40 في المئة، والى العراق بنسبة 75 في المئة وحتى 90 في المئة، اضافة الى ما يسببه من حبس لجزء كبير من الطمي الذي تحمله المياه وازدياد في نسبة ملوحتها وتلوثها بالأسمدة الكيماوية والمبيدات. وتناولت الدراسة مشروع أنابيب السلام الذي اقترحته تركيا عام 1987 لنقل 15 مليون متر مكعب من المياه يومياً الى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يسمح لتركيا بالضغط على العرب، فضلاً عن تحميلهم نحو 21 بليون دولار وما يلحقه من ضرر بمصالح سورية والعراق. المياه في المفاوضات وتناولت الدراسة في فصلها الثالث موقع المياه في المفاوضات العربية - الاسرائيلية، وركزت على المسارين الفلسطيني والسوري باعتبارهما يشهدان حالة من التوقف وعدم حدوث اي تطور باتجاه حل هذا الملف، فيما خصصت الفصل الأخير للامن المائي العربي لما له من أهمية على الأمن الغذائي العربي، ومدى تأثيره في مواجهة استخدام ورقة المياه سلاحاً ضد الاهداف الاستراتيجية العربية. وخلصت دراسة مركز زايد للتنسيق والمتابعة الى ان مشكلة المياه في الشرق الأوسط ليست في الواقع مشكلة ندرة مائية كما يحاول بعضهم تصويرها، بقدر ما تتعلق بسوء التوزيع والاخلال بالاتفاقات والاعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين دول المصب ودول المنبع، الأمر الذي حول هذه المادة بسبب الزيادة السكانية وتنامي حجم الطلب عليها الى سلعة اقتصادية ذات ابعاد استراتيجية خطىرة خاصة في يد اسرائيل. ولفتت الى انه تنفيذاً للمخططات الصهيونية بادخال الانهار العربية ضمن النطاق الجغرافي لما يسمى ب"أرض اسرائيل الكبرى" خاض اليهود كل حروبهم ضد العرب وتوجهوا الى المصادر المائية للدول المجاورة، مدفوعين بأطماع اقليمية لم تقتصر على الموارد المائية في حوض نهر الأردن، وقطاع غزة، بل تعدتها الى مياه أنهار الجنوباللبناني وصولاً الى مياه نهر النيل. وقالت الدراسة ان مشكلة المياه باعتبارها مشكلة مزمنة مرشحة للتفاقم بسبب تزايد الحاجة الى المياه مع ازدياد عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط، بشكل خاص حيث سعت اسرائيل الى تكريس تلك الأطماع بالترويج للحل التركي من خلال تسويق مشروع تصدير المياه كبديل عن اعادة الحقوق المائية الى أصحابها. وقالت ان الفكر الاسرائيلي يسعى من خلال توطيد العلاقات مع تركيا الى ان تتولى اسرائيل تقرير سياسة تركيا المائية تجاه العرب، اي ممارسة الضغط عليهم بالمياه من خلال تركيا أو اثيوبيا، ومن ثم الإمساك بدور القوة الاقليمية من خلال التحكم بمصب الحياة في المنطقة، الأمر الذي يفسر ما آلت اليه المفاوضات السلمية بعد مرور اكثر من عقد على انطلاقها في مؤتمر مدريد حيث لا تزال المياه معلقة شأنها في ذلك شأن المفاوضات الخاصة بالأرض. وأضافت الدراسة ان ما يزيد الوضع تعقيداً في المنطقة هو قيام دول المنبع بما تراه مناسباً لها من تدخلات على خريطة المياه بغض النظر عن أوضاع وحاجات جوارها وهي بهذا المعنى تمارس الأمر الواقع، وهو ما يملي على العرب بصفتهم المتضررين من ذلك التعاطي مع مسألة المياه بجدية. ودعت الدراسة الى البدء في اجراء مفاوضات مع تركيا لأن المسألة هي من مسؤولية الدول والكيانات في المنطقة قبل ان تكون مسؤولية المجتمع الدولي، على ان يبدأ ذلك باجتماعات اللجنة الثلاثية المتوقفة والتي تضم العراق وسورية وتركيا بهدف الوصول الى اتفاق أو التنسيق المشترك. كما دعت الدول العربية المعنية الى التعاون والتخطيط لرسم السياسات المائية المناسبة لتحقيق الأمن الاستراتيجي والتعامل مع هذه المشكلة بجدية بعيداً عن السطحية التي تعاملوا بها حيال المياه التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا الحياة من دونها ما يجعلها مستهدفة بشكل أساسي، ويمكن ان يستأثر بها الأقوياء في المستقبل سيما في منطقة الشرق الأوسط.