يقضي عبدالرحمن 19عاماً وقتاً طويلاً أمام شاشة التلفزيون, لا ليتابع برامج معينة، بل ليتواصل مع شريط رسائل SMS الذي تبثه معظم القنوات الفضائية في أسفل شاشاتها. فهو يجد في ذلك متعة كبيرة، خصوصاً "أنني كسبت معارف من الجنسين على أرض الواقع. لا اشعر بالوقت. في معظم الأيام، أمضي أكثر من خمس ساعات، أراسل من تعرفت إليهم، ولا يزعجني ذلك إلا حين تصلني فاتورة هاتفي المحمول، التي تتفاوت قيمة رسائل الإهداءات فيها بين 200 و300 ريال". شريط الرسائل أو التعارف كما يطلق عليه جمهوره من الشبان والفتيات, تحول من شريط اهداءات وتهانئ إلى شريط غراميات وشتائم متبادلة. بل هو وصل إلى التعصب القبلي والوطني، في بعض الأحيان. وربما أشارت مفردات مثل: "وينك يا حياتي", "أموت عليك", "يا... لا تتحداني"، "بوبو ممكن نتعرف..."، "أنا احبك يا فلان" إلى ذلك. هذا التحول لا يروق لكثير من مشاهدي هذه الفضائيات. يقول عبد الله منصور 22 عاماً: "لا أستطيع أن أتابع البرامج التي تعرض، بسبب وجود أكثر من شريط رسائل، متنوعة بين اهداءات ونغمات وصور، تحتل جزءاً كبيراً من الشاشة، فتشغلني عن متابعة ما يعرض". أما ريم 20 عاماً فترى أن "خدمة الرسائل جيدة، لكن مضمون الرسائل التي أشاهدها ما هي إلا مشادات وتلاسن يصل إلى شتم الدول... والمستفيد من كل ذلك: الفضائيات". "من الجميل أن تبدي رأيك بفنانك المفضل أو تهدي أغنيه لمن تريد لكنّ الأمر تحول ترقيماً وغراماً وحباً متبادلاً"، تقول رولا 20عاماً، وتستغرب: "لا اعلم كيف يمكن أن ينشأ هذا الحب الخيالي في ثوان. انها تجارة مربحة للقنوات الفضائية". وإذا كان ياسر ورولا يتكلمان من دون خبرة، فتركي اليوسف 21 عاماً واجه موقفاً طريفاً جراء استعماله خدمة شريط الرسائل. يقول: "استعمل هذه الخدمة منذ أربعة اشهر وكنت أتبادل الرسائل اليومية مع فتاة سمت نفسها: العاشقة. تعلقت بها، وأصبحت أبادلها الرسائل مدة ثلاث ساعات يومياً. واستطعت أن أتحايل على الرقابة سر المهنة وأرسل إليها رقمي"! بعد مدة قصيرة من اتصالات معدودة، طلبت "العاشقة" من تركي أن يقابلها في مكان عام. وحين وصل إلى المكان المحدد، وانتظر وصولها، رن هاتفه المحمول: "الو... وينك عبودي؟"، جوابه كان سريعاً، واصفاً سيارته المرسيدس التي أخذها من خاله "بشق النفس". وما أن التفت تركي وراءه بعد أن قالت "العاشقة": "أنا ورءاك، التفت تراني"، حتى وجد مجموعة شباب سعوديين في سيارة "جيب"، جعلته ضحكاتهم يختفي بسرعة من المكان. تركي قطع على نفسه عهداً: "لن أراسل من يستخدمون هذا الشريط أبداً, وسأكتفي بدور المشاهد، هذا ابرك لي". وعلى رغم أن ما يظهر على الشاشة يثير استياء بعض المشاهدين, فإن ما يحجب من هذه الرسائل يكاد يكون أكثر إزعاجاً. تقول مديرة التسويق في قناة "ميلودي" شيرين الحديد ل"الحياة": "للرقابة دور كبير في الحد من استخدام الشباب السيئ لخدمة شريط الرسائل. والرقابة يديرها أشخاص لديهم خبرة ودراية بطرق التحايل التي يمارسها بعض المشاهدين. ومن معايير الرقابة في القناة: عدم عرض الأرقام الهاتفية. لكن الشباب يتحايلون بكتابة الأرقام من طريق الشهور شهر فبراير يعني الرقم 2 وهكذا, وسرعان ما نكتشفهم ونمنع ذلك". وتوضح الحديدي "أن الخدمة في القناة بدأت في آذار مارس 2003 بمساحة صغيرة أسفل الشاشة، من دون التسبب في إزعاج المشاهد الذي يتابع القناة, والهدف الرئيس منها إلى جانب الربح المادي ربط المشاهدين بالقناة من طريق نشر آرائهم وتحقيق رغباتهم في عرض إهداءاتهم وأغنياتهم المفضلة، وبالتالي يشعر المشاهد بارتباطه بالقناة". في أي حال، اهتمام الشبان والفتيات في السعودية يبقى الأكثر مقارنة بكبار السن، الذين يعتبرونه هوساً شبابياً، لا طائل منه، بل إن بعض الشبان الأكبر قليلاً يعتبرونه هكذا أيضاً. يقول ياسر العنزي 26 عاماً: "إن الفراغ الذي يعانيه معظم الشباب في السعودية، دفعهم إلى استعمال هذه الخدمة بهوس...".