تحولت العديد من الفضائيات إلى جعل ربحها معتمدا كلياً على رسائل الsms وعلى محاولة جذب أكبر عدد من الشباب والفتيات مما أدى إلى “إدمان” من نوع خاص للشباب.. تستنزف أموالهم.. وتهدر أوقاتهم من خلال رسائل ال sms التي تظهر في شريط الأخبار (أسفل الشاشة) للدردشة أو للإجابة عن إحدى المسابقات أو للاشتراك في حوار مع أحد الضيوف أو للتصويت لاختيار أحد الشباب المشاركين في بعض البرامج. الإحصائيات المعلنة تؤكد أن متوسط أرباح القناة الفضائية العربية الواحدة من حصيلة رسائل ال sms، تتجاوز 2 مليار دولار سنوياً، بعد أن أصبحت تلك الرسائل تشكّل هوساً للشباب الذين يحلمون بالفوز بجوائز كبيرة، فيقومون بإرسال رسائل قد يتكبدون من ورائها الكثير من الخسائر. ولا يبعد من ذلك ما تروجه القنوات بجميع أصنافها عبر رسائل ال sms والتحكم بعقلية الجماهير عبر منافذ: “الحب، والصحة، والمال، والحياة السعيدة، بين خلطات لا يقرّها الطب.. ووصفات للزوج أو الزوجة مما لا يصح ذكره.. واستشارات يقوم عليها مرضى قلوب وضعيفو عقول وقليلو علم، لا هم لهم إلا البحث عن المال وكم يلج في أرصدتهم المتنامية، فأصبح مشاهد هذه القنوات متدلي الرقبة متهدل الشفة من كثرة ما يتابع في الشريط الملتهب أسفل الشاشة، فضاعت البرامج، وغابت منهجيتها عندما اصطدمت بجدار الربح السريع! وبلغ الجشع ببعض القنوات أن جعلت في الشاشة الواحدة أكثر من شريط يجلب المال وقلوب الشباب والأبرياء، فيعمي به العيون الصحيحة ويسرق الجيوب الغافلة. التعارف الجنسي كثير من القنوات الفضائية أصبحت تعتمد على إرسال الرسائل النصية التي تدعو إلى “التعارف على الجنس الآخر” من خلال رسائل تحمل في طياتها كلمات رقيقة وجذابة تجعل الشاب أو الفتاة يذهب بفكره بعيداً مع قراءة تلك الكلمات، ومن تلك الرسائل: “أنا منال، عمري 19 سنة، أبحث عن صديق صدوق”، أو: “حاب تسهر معي.. أرسل نعم”، أو: “إذا سهران.. وبدّك تحكي أنا كمان”، وغيرها من رسائل الابتزاز للأخلاق والقيم، والتي أنكرها حتى غير العقلاء حين ظهورها عبر شريط القنوات الفضائية..!! والمؤلم هنا أن تلك القنوات تعزف على وتر خطير وهو “الجنس”، وربما تبحث من خلال الخداع للكسب من خلال البسطاء المخدوعين الباحثين عن العاطفة، إن كانوا ذكوراً أو إناثاً، فترسل تلك الرسائل، ولا يعرف إن كانت هناك جهة تراقب ما ترسل، فضلا عن أن تحاسب..!!؟؟. مما يدفع للتساؤل عن المسؤول عن هذا الوضع المأساوي الذي يعد باباً من أبواب إشاعة الفاحشة، مما يجعلنا نطرح تساؤلا مهماً، وهو: كيف نحمي شبابنا من هذا الخطر الداهم؟. خراب بيوت رسائل الشباب العربي في الرسائل القصيرة التي تنتشر على القنوات الفضائية تستحق الانتباه والتوقف أمامها قليلاً، فهناك شباب يرسلون النكت والشتائم إلى زملائهم، وهناك أيضاً من يبعث برسالة إلى خطيبته تحتوي على غزل وعبارات حب (بثتها إحدى القنوات الفضائية منذ فترة قريبة دون أدنى رقابة)، وهناك موقف حدث في كليات البنات عندما أرسلت إحدى الفتيات على إحدى القنوات الغنائية وكتبت فيها اسم ورقم تليفون زميلة لها واصفةً إياها بأنها فتاة خليجية جميلة تبحث عن شخص يمارس معها الحب.. والغريب أن حياة الفتاة تحولت إلى جحيم بعد تلك الرسالة ولم يجد والدها حلاً سوى تغيير رقم التليفون بعد أن فشلوا في معرفة من قام بذلك العمل المشين. ومؤخراً قامت قنوات ميلودي بالاستغناء عن شريط الرسائل ال sms من على شاشة قناة ميلودي أرابيا، وذلك بعد مطالبات قوية من المشاهدين بإلغائها، عندما شوهدت العديد من الرسائل الجنسية والكلام البذيء، وتعتبر قنوات ميلودي هي أول من قدم تلك الخدمة وأول من استغنى عنها بعد الضغوط التي مورست ضدها. الشباب يرفض سليمان الهزاع (طالب في كلية الهندسة) يقول عن هذا الموضوع أنه يرفض تماماً تلك الفكرة لأنها تسبّب له إحراجاً كبيراً، خصوصاً عندما يكون بجانبه أحد من أفراد عائلته، ويطالب بأن تكون هناك رقابة صارمة عليها حتى لا تسبب مشكلات. ومن جانبه يتفق عبدالله الشيباني مع الهزاع ويرى ضرورة منع تلك الفكرة لأنها لا تضيف أي جديد، والأفضل هو استبدالها مثلاً بفكرة كتابة أحدث الأخبار الفنية وأخبار الألبومات والمطربين. أما محمد كمال فيرى أن الأمر قد تأزّم كثيراً، وتجاوزت العديد من القنوات الخطوط الحمراء وبدأت تسمح بظهور الرسائل الجنسية بشكل لا نرضاه نحن كشباب، وأنا كما أعلم بأن بعض القنوات بدأت تسحب الشباب ببث تلك الرسائل من خلال الكنترول المسؤول عن رسائل ال sms، وهذا يستوجب على المسؤولين إيقاف تلك المهزلة، فيكفي ما يأتينا من خلال بعض البرامج السخيفة والهابطة. ويعتبر سيف سعيد أن الفراغ الذي يعاني منه معظم الشباب هو السبب الذي يدفعهم لمراسلة هذه القنوات، فلو كانوا منشلغين بأشياء تفيدهم لما كانوا يقومون بمراسلة مثل هذه القنوات.. وعن المبالغ التي يصرفها الشباب يقول سيف: الشباب لا يدركون قيمة المبالغ التي يصرفونها في سبيل إرسال مثل هذه الرسائل، والبعض منهم يجهل تماماً قيمة الرسالة التي يرسلها، رغم أن قيمة الرسالة الواحدة قد يتخطي السبعة ريالات، بالإضافة إلى أنهم للأسف يقومون بذلك للبحث عن التسلية، ويحب البعض أن يشاهد اسمه على الشريط حتى يشاهدوه زملاؤه، وللأسف أن معظم الكلام الذي يُنشر هو كلام إباحي وسوقي ويخدش الحياء، ولذا فإن بعض العائلات بدأت بالابتعاد عن هذه القنوات وإلغائها من “الدش”، ومن المؤسف أيضاً أن هذه القنوات ليست عليها رقابة، ومعظم الأشخاص الذين يراسلون هذه القنوات يستخدمون أسماء مستعارة ويصعب التعرّف عليهم، وهذا أكبر دليل على أنهم يعلمون أن مايقومون به خطأ. لا رقابة ذاتية مسؤول في إحدى القنوات الفضائية (رفض ذكر اسمه) كشف ل “الأربعاء” كيفية كثرة تلك الرسائل النصية على القنوات الفضائية، وقال: في العديد من القنوات الفضائية يستغرب المشاهد كثرة ظهور تلك الرسائل النصية، ولكن الحقيقة أن “الكنترول” كثيراً ما يتدخل بغية بث روح التنافس بين المراهقين، فيبدأ ببث رسائل غرامية بأسماء وهمية، بالإضافة إلى مشاركات أخرى وهمية فقط، لوضع القناة أمام المشاهدين ضمن قائمة أكثر القنوات متابعة. وأضاف بأن هناك اتفاقية تعاون بين القناة وبين شركات الجوال من خلال تخصيص رقم تليفون مكون من أربعة أرقام لاستقبال رسائل الشباب، وهناك شركة تتوسط في الموضوع وهي شركة تقوم بعمل تنقية لتلك الرسائل (فلترة) بهدف إلغاء أي ألفاظ جارحة أو منافية للآداب أو حتى تحتوي على عبارات سياسية من الممكن أن تسبب مشكلة، ولكن عندما يتم عرض نماذج من الرسائل التي تتضمن عبارات بذيئة وتعرضها القناة، لا توجد أي رقابة ذاتية على الرسائل التي تصل إلى القناة، بمعنى أنه لا يوجد هناك شخص يتابع ما يكتب، وإنما تتم المتابعة من خلال برنامج كمبيوتر اسمه “on line dictionary” والذي يحتوى على قائمة بكل الرسائل الممنوعة حتى يقوم بعمل تصفية لها، والسبب في الرسائل الخارجة التي تظهر على القناة هو أن البعض يستخدم ألفاظاً ذكية بطريقة غير مباشرة، لذلك فهي تمر من الجهاز ويتم عرضها دون إلغاء. د. رياض نجم: لا بد من تنظيم يحد من محتوى هذه الرسائل حول هذا الموضوع، قال ل “الأربعاء” وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الهندسية الدكتور رياض نجم: ما تقوم به القنوات الفضائية بمثل تلك السياسة ماهو إلا ابتذال ومحاولة لاستخدام هذه الوسيلة للكسب السريع، ومن المفترض أن يكون هناك تنظيم للحد من محتوى تلك الرسائل، بحيث لا يصدر إلا ما هو مقبول دينياً واجتماعياً. وحمّل نجم المسؤولية على الجهة التي تمنح ترخيصا لهذه القنوات، ودائماً هناك سؤال يُطرح ويناقش: من هو المسؤول عن المحتوى؟، فالجهة التي تمنح الترخيص لتلك القنوات يوجد بها فراغ تنظيمي بداخلها، فالمسئولين في الأقمار الفضائية (عربسات ونايلسات ونورسات) يقولون إن مسؤوليتهم تكمن فقط في النقل وليس في المحتوى، وهم في الأخير لا يمكنهم مراقبة المحتوى، فالإجابة غير الواضحة عن السؤال عن الجهة التي تمنح تلك التراخيص، فالمدن الإعلامية التي تبث منها والإدارات المسؤولة عن المدن الإعلامية هي المسؤولة، ولا توجد أي قناة فضائية في المملكة مرخصة بشكل كامل. استشاريون مختصون: “الكبت” و”البطالة” من الأسباب الرئيسية من جهته قال استشاري الطب النفسي بجدة وعضو الجمعية الأمريكية للطب النفسي الدكتور محمد الحامد: من المنظور النفسي نرى أن ما نشاهده في القنوات الفضائية، خصوصاً في شريط ال SMS، هو رد فعل من الكبت الذي تعانيه مختلف شرائح المجتمع في الوطن العربي بصفة عامة، والذين يعانون من عدم وجود حرية التعبير عن الرأي، ولا حرية في الصحافة بما فيه الكفاية، ولو أن مساحة الحرية الآن في الصحافة أفضل بكثير من السابق، ولكن عامل الكبت جعل الناس تستخدم رسائل ال SMS على الأشرطة الموجودة في القنوات الفضائية للتعبير عن آرائها، ولا يغيب عن ذهننا بأن القضية ليست قضية كبت فقط وقضية بحث عن الحرية، وإنما لابد أن يكون في كل مجتمع فئة، وكل فئة تبحث عن ما تريد، فهناك من يبحث عن أمور سياسية وجنسية وثقافية، فهذه الأشرطة (SMS) شكّلت منابر لالتقاء الناس ولتواصل الناس وكلٌ يريد أن يبث فكره أو يبث ما لديه من هموم عاطفية أو اجتماعية، وهذا على المستوى النفسي يعكس قضية جوهرية تغيب عن أذهاننا كثيراً، وهي ربما مستوى الحياة الاجتماعية لدينا في السعودية قد تغيّر نمطه تغيياً جذرياً عن السابق، ففي السابق كانت لدينا أسرة ممتدة تعيش سوياً، ويقفون بجانب بعض، لكن الأن أصبحت الأسر تأخذ النمط الغربي (الرأسمالي)، وأصبحت العلاقات الأسرية للأسف مفكّكة ومتباعدة عن بعضها البعض، ولا يشعر الأخ بأخيه، ولا بوالده، وهذا غيّب درجة التكافل الاجتماعي، والتقارب الاجتماعي، والتي كانت في السابق أكثر عمقاً من الآن. واختتم الدكتور الحامد حديثه مؤكداً أن هذه الأمور أدت إلى إحساس الفرد بالوحدة، وأن الإحساس بالوحدة إحساس مزعج، وقد عانى الغرب منه كثيراً، وبدأنا نحن ندخل في هذا النفق المظلم، وبدأنا نلاحظ نتائجه، وقد نجحت العولمة في تثبيت فكرة “الرأسمالية” الذي يعتمد على فكر الاستهلاك والمنفعة وهي ما نسمّيها “مصلحة”، وقد بدأت بعض الأنماط الغربية تتسلل إلينا دون أن نعي، فالكثير من الناس أصبحت تلجأ إلى أشرطة ال SMS بعد أن فقدت الأمل بأن هناك من يسمعها ويعالج همومها. أما الباحثة والمهتمة بالشؤون الاجتماعية زينة الشهري، فقالت: اهتمام الشباب والفتيات بإرسال رسائل جوال إلى القنوات الفضائية لا هدف منه، وقد جاء كنتيجة منطقية لأسباب عديدة، أهمها على الإطلاق “البطالة” التي يعاني منها الشباب، وعدم وجود متنفّس حقيقي لهم يمتص طاقاتهم، كما أن يأسهم من إيجاد مساحة حرية حقيقية جعلهم لا شعورياً يلجأون للتقليد الأعمى للمظاهر الغربية، رغم أننا في مرحلة متخلفة جداً بالنسبة للغرب، فلابد أن يتم تخصيص أماكن يقضي الشباب فيها أوقات الفراغ، وأنا أرى أن الأماكن المخصّصة للشباب قليلة مقارنةً بالدول الأخرى، فكثير من الشباب لا يعرفون أين يقضون أوقات فراغهم، مما يدفعهم للقيام بأمور قد تكون مخالفة، لذا فإنني أقترح وبشكل فعلي معالجة هذا الأمر وتخصيص أماكن للشباب، لأن الأماكن الموجودة حالياً غير كافية، وقد تكون ممله وروتينية لدى بعض الشباب، لذلك فالمشكلة الحقيقية مسؤول عنها المجتمع وليس الشباب فقط.