بدأ الشهر هذا وانتهى والعراقيون والأميركيون يقتلون يوماً بعد يوم، والعراق ينهب جهاراً نهاراً بمساعدة بعض أبنائه, والرئيس جورج بوش في اجازة ويركب البسكليت. في الرابع من آب أغسطس هذا وقف الرئيس الأميركي الى جانب رئيس كولومبيا الفارو اوريبي، في مزرعته في تكساس، وقال للصحافيين انه غير مستعد لتغيير سياسته في العراق على رغم ازدياد الخسائر العسكرية الأميركية. الأسبوع الماضي قال: "طالما انني الرئيس سنبقى في العراق وسنحارب وسننتصر على الارهاب" لأن الانسحاب سيشجع الارهابيين ويزيد الهجمات على أميركا والدول الحرة. بين التصريحين وحتى 22 الجاري، ارتفع عدد القتلى الأميركيين الى 1864 في العراق و223 في أفغانستان، ولعل هذه السطور لا تنشر حتى يكون عدد القتلى الأميركيين تجاوز 1900 في العراق. وثمة أرقام أهم للرئيس الأميركي، فاستطلاعات الرأي العام أظهرت أن تأييده هذا الشهر انخفض في شكل ذكّر الأميركيين بأرقام ليندون جونسون وحرب فيتنام سنة 1968. والرئيس بوش نال 42 في المئة تأييداً له و34 في المئة تأييداً للحرب، في مقابل 41 في المئة لجونسون وپ32 في المئة لحرب فيتنام سنة 1968. وفي حين بات أميركيون كثيرون يخشون أن تنتهي الحرب في العراق كما انتهت في فيتنام، فإن الرئيس بوش يعيش سعيداً في عالمه الخاص، وهو في اجازة خمسة أسابيع قطعها ليذهب من مزرعته في كروفورد الى ايداهو حيث واصل ركب البسكليت والمشي في الجبال وصيد السمك. عندما لا يركب الرئيس بوش البسكليت هذه الأيام يدلي بتصريحات من نوع ان بلاده تريد تقديم استراتيجية بديلة من استراتيجية الكره التي يعمل لها الارهابيون، وهو يستشهد كثيراً بالدستور العراقي حتى قبل أن ينتهي أو يقرأه، ويقول انه يجب أن تستطيع الشابات العراقيات النجاح في مجتمعهن، ويجب أن تتوافر لهن الفرص لتحقيق ذلك. نقول: يا ليت، ونزيد ان الرئيس كان يتحدث عن البنات والدستور الجديد، مع ان دستور صدام حسين ضمن للمرأة حقوقاً أكثر من الدستور الجديد، فأهم سبب لتأخير صدوره كان أن طرفاً من ثلاثة أطراف حاول فرض مفهومه الديني على الطرفين الآخرين. اذا كان الرئيس بوش يريد أن يعرف حقاً الى أين يسير العراق، فما عليه سوى أن يركب البسكليت في الجنوب حيث تقوم الآن جمهورية اسلامية من نمط ايراني، وكل حديث آخر كذب ومكابرة. هل قتل ألفا شاب أميركي وشابة لاقامة جمهورية اسلامية في بعض العراق؟ هذا البلد العربي الكبير العريق تقلص في المنطقة الخضراء، أما البقية فقتل يومي وارهاب مجنون وسرقة مع بطالة زادت على 50 في المئة. والبنات اللواتي يريد لهن جورج بوش أن ينجحن لا يغادرن منازلهن خوف الخطف والاغتصاب. مع ذلك للرئيس بوش في عالمه الخاص استراتيجية واضحة يقول انها "عندما يقف العراقيون نقعد نحن". كيف يقف العراقيون وقد "كرسحهم" الاحتلال؟ الرئيس يتحدث عن تسلم القوات العراقية تدريجاً أمن البلاد، غير انه تحدث وتقديرات عسكرية أميركية تقول ان من أصل حوالى مئة كتيبة عراقية هناك ثلاث كتائب جاهزة فقط. وتقديراتي غير العسكرية هي أن أرقام الجيش والأمن والشرطة العراقية التي تجاوزت مئة ألف الى 150 ألفاً زائفة في أكثرها، فقد دمرت القوات المسلحة العراقية، وحلت محلها مليشيات شيعية وكردية، وفي الجنوب والشمال، وجماعات ارهابية في الوسط. ربما كان الأمر ان العراق لا يحتاج الى جيش كبير فنائب الرئيس ديك تشيني أكد لنا ان الارهابيين في العراق "يلفظون أنفاسهم الأخيرة"، ويبدو انه انتزع صفحة من كتاب رئيسه. هل يعرف أحد ما يجري في واشنطن أو العراق؟ الرئيس بوش قال ان لا منطق في ان يحدد القائد الأعلى، أي حضرة جنابه، جدولاً للانسحاب، ولكن الجنرال جورج كيسي، قائد الحرب في العراق، حدد جدولاً لتخفيضات كبيرة تبدأ في الربيع المقبل، وكان الجنرال بيتر شوميكر، رئيس أركان الجيش، رجح أن يبقى مئة ألف جندي أميركي في العراق حتى 2009. وسبقه جنرالات عدة تحدثوا عن سحب 30 ألف جندي السنة المقبلة. ومع هذا التخبط انقسم الديموقراطيون على أنفسهم بالنسبة الى تأييد الحرب، وأصبح السناتور الجمهوري تشك هاغل يطالب بجدول للانسحاب. هذا الشهر قرأت العنوان نفسه في الصحف الأميركية الكبرى، وكان "خفض التوقعات في العراق". طبعاً التوقعات الأولى كانت عن أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع القاعدة، وعندما لم توجد هذه أو تلك، أصبح الهدف جعل العراق نموذجاً للديموقراطية في الشرق الأوسط، والآن هبط هذا التوقع الى جمهورية اسلامية على الطريقة الايرانية. في غضون ذلك، الرئيس بوش في اجازة، يركب البسكليت، وهذا يشغله الى درجة انه لا يجد الوقت لمقابلة سندي شيهان، والدة أحد الجنود الأميركيين القتلى في العراق التي عادت الى الاعتصام أمام مزرعته في كروفورد. والرئيس يقول انه يريد أن يكون حساساً ومتعاطفاً "الا ان المهم أن أمارس حياتي...". العراقيون أيضاً يهمهم أن يمارسوا حياتهم، ان بقيت لهم حياة.