لم تنفصل اشكال المعالجة الاسرائيلية للقضية الفلسطينية يوماً عن الصراع داخل الدولة العبرية على السلطة. لا بل شكّل الموضوع الفلسطيني المادة الأساسية لهذا الصراع. ومن المفترض ان يكون تكتل ليكود حسم مساء أمس الصراع على زعامته بين ارييل شارون وبنيامين نتانياهو، استناداً الى حصيلة خطة الانسحاب العسكري التي اقرها رئيس الوزراء من قطاع غزة. كان يفترض ان يكون لدى الفلسطينيين تصور لمعنى الصراع داخل ليكود ولنتائجه بالنسبة الى قضيتهم والأهداف المرحلية التي توافقت عليها الفصائل والسلطة، خصوصاً ان الشهور الثلاثة المقبلة تقتضي الهدوء الأمني والتوافق السلمي من أجل توفير ظروف تكافؤ الفرص في حملة انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. الضربة الاستباقية التي وجهها شارون الى"حماس"في الضفة عبر اعتقال غالبية قادتها وكوادرها لا تنفصل عن الاستحقاق الاسرائيلي الداخلي. لا بل ثمة اجماع على ان هذه الحملة التي شنها قبل ساعات من بدء اجتماعات اللجنة المركزية لليكود تهدف اساساً لتبديد صورته كحمامة، فكك المستوطنات في القطاع وأخرى معزولة في الضفة وأجلى مستوطنين بالقوة منها. وفي الوقت عينه وجه ضربة الى العملية الانتخابية الفلسطينية التي ستفقد مكونات اساسية فيها ما دامت"حماس"أعلنت مشاركتها في الانتخابات التشريعية، بعدما نالت حصة مهمة في المجالس البلدية. وعندما جرت"العراضة"المسلحة في جباليا الجمعة الماضي، عشية بدء تنفيذ قرار منع المظاهر الفلسطينية، كان الجدل الاساسي بين السلطة والحكومة الاسرائيلية يتناول حق"حماس"في المشاركة في الانتخابات التشريعية. اي عندما كان رئيس السلطة محمود عباس يدافع عن هذا الحق، بصفته غير قابل للتصرف في اطار التفاهمات الفلسطينية الداخلية، وايضاً عندما كان يرفض اي املاء اسرائيلي يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني. بعد اليومين الداميين الأولين من عملية"أول الغيث"الاسرائيلية، أعلنت"حماس"تقيدها بالهدنة، اي الامتناع عن اطلاق قذائف"القسام"، ما يظهر ان خطة شارون الدموية في الرد غير المحدود في الزمان والمكان ألحقت ضرراً مادياً كبيراً بالحركة والسلطة معاً، فما لم تقدمه"حماس"طوعاً للسلطة، أي للادارة الفلسطينية التي وافقت على ان تكون جزءاً منها، اضطرت الى تقديمه تحت وطأة العنف الاسرائيلي الذي سيوظفه شارون في مزيد من العدوانية ضد الفلسطينيين جميعاً. لقد أخطأت"حماس"في تحديها للسلطة، عبر الإصرار على الاحتفالات المسلحة بالانسحاب الاسرائيلي من القطاع، من دون اعتبار للمعطيات السياسية والميدانية للمرحلة المقبلة. إذ لم تعد المظاهر المسلحة مجرد فولكلور في الشوارع الفلسطينية، فهي اصبحت قاتلة في كل الاتجاهات. قاتلة بالنسبة الى الحركة التي بدت وكأنها غير مهتمة بحياة المدنيين الفلسطينيين وأمنهم، بعد تكرار الحوادث التفجيرية. وهي قاتلة بالنسبة الى السلطة التي تجاهد لتثبيت الحق السياسي ل"حماس"، فيما الحركة تراهن على اضعافها في مواجهة المطالب الدولية والاسرائيلية المتعلقة بالأمن. وأخطأت"حماس"في تقدير الرد الاسرائيلي وطبيعته، وفي تقدير الحاجة الملحة لدى شارون، في معركته على الزعامة السياسية، الى مبررات ليطلق العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين. الوضع الفلسطيني عاد الى"نقطة الصفر"، كما استنتج محمود عباس، وأعلنت"حماس"تقيدها بالهدنة من دون أي مقابل جديد. فهل يمكن ان يكون هذا الاعلان بداية لإعادة النظر في الاستراتيجية الداخلية للحركة، مع ما يقتضيه ذلك من تخل طوعي عن اللجوء الى السلاح كعنصر ضغط على السلطة في مرحلة اعادة البناء؟ أم ان منطق العنف سيظل غالباً في الساحة الفلسطينية، ويبقى السلاح مرفوعاً في وجه السلطة، فيتغذى منه العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين جميعاً؟