لم يكن أحد في بلدة"الخالدية"15 كيلومتراً جنوب الرمادي و 65 كيلومتراً غرب بغداد يتصور ان بائعة الخضار في سوق البلدة ساجدة ستتحول الى اداة للقتل بعد اختفائها من المدينة بشهور وتشتت عائلتها إثر المطاردة الاميركية. جيرانها كانوا اكثر ذهولاً من سواهم وهم يستمعون الى اعترافات تلك الشابة الريفية البسيطة بتورطها في تفجيرات فنادق عمان غير مصدقين ما تم تداوله من معلومات، وربما منحتهم تفاصيل غريبة في شأن عدم انفجار حزامها الناسف وهروبها قبل الانفجار مزيداً من التشكيك وان كانت الاسماء التي ذكرتها عن عائلتها دقيقة الى حد ما. "الحياة"زارت"الخالدية"وسالت أهالي شارع الجنائن المعلقة حيث منزل عائلتها المهجور منذ عام والذي قضت فيه اكثر سنوات حياتها ولم تبرحه سوى لزواج فاشل في عام 1991 من احد اقاربها لم يستمر طويلاً بسبب عدم انجابها الأطفال فعادت الى المنزل نفسه"مطلقة"لاستئناف عملها في بيع الخضار. يقول احد جيران ساجدة مبارك عطروز الريشاوي:"كنا نشاهدها تخرج مع صلاة الفجر لشراء الخضار من بعض الفلاحين تذهب بها الى سوق الخالدية لكسب رزقها... ولم نعلم عنها منذ صغرها وشبابها أي نزوع ديني متشدد او اختلاف في السلوك او الأفكار او العادات عن سائر نساء الانبار عموماً حيث تضع العادات والتقاليد القبلية المرأة في زاوية محدودة من السلوكيات والخيارات". جارة اخرى رفضت ذكر اسمها أيضاً اشارت الى ان ساجدة كانت معروفة بين الجيران بصلابتها كونها مثال للمرأة الريفية وان كان طلاقها بعد سنوات قليلة من الزواج بسبب عدم إنجاب الأطفال اسهم في حزنها وظهور علامات الشيخوخة المبكرة على وجهها. البو ريشة ليسوا البو جليب ماذا حدث اذاً؟ كيف انتهى الامر بشابة هادئة وصلبة الى صدارة الحدث متهمة بالضلوع بتفجيرات عمان الدامية؟ يقول المقربون من عائلة ساجدة ان والدها مبارك عطروز ينتمي الى عشيرة البو ريشة"وهي إحدى عشائر الدليم المنتشرة في أنحاء مختلفة من مدينة الرمادي ونواحيها ولكن اكبر تجمع للعشيرة هو في منطقة"الطوي"التي تسكن فيها عشائر البو جليب حتى اعتقد كثيرون انها هي نفسها عشيرة ساجدة. واشتهرت عشيرة البو ريشة في عهد النظام السابق بالتهريب، الا ان السواد الأعظم منها من الفلاحين البسطاء. ويؤكد مؤيد منفي احد جيران عائلة مبارك عتروس ان العائلة عرفت من وقت صدام بالمحافظة على رغم انها عائلة فقيرة تسكن منزلاً متواضعاً جداً قياساً بالمنازل الفخمة المحيطة به. وكان أبناء عطروز الثلاثة يعملون أعمالاً شاقة هي في الغالب أعمال بناء. اكبرهم ثامر الذي أصبح في عهد صدام ضابطاً في الجيش العراقي برتبة نقيب لكن سلطات الأمن اعتقلته في حينها بتهمة الانتماء الى تنظيمات دينية أصولية معادية لنظام صدام ولم تثبت التهمة عليه فأطلق سراحه في منتصف التسعينات وفر من الخالدية في اتجاه الصحراء الغربية. ويعتقد منفي ان"القاعدة"جندته في حينها وأكملت تدريبه في مكان ما في العراق او خارجه ليتبوأ بعد عودته الى العراق بعد سقوط النظام مكانة بارزة في جماعة"التوحيد والجهاد"المرتبطة بپ"القاعدة"، ولتبدأ متاعب أسرته بعد اكتشاف أمره من القوات الاميركية. وعلى رغم بقاء شقيقيه عامر وعبدالله في العراق يزاولان عملهما كالمعتاد الا ان القوات الاميركية استهدفت العائلة فقامت في أول زيارة لمنزل العائلة عام 2003 بتحطيم أثاث المنزل والعبث به والتحقيق مع أفراد العائلة في شأن ثامر. وفي مداهمة ثانية في الثالثة فجراً اعتقل والد ساجدة على رغم انه طاعن في السن، واعتقلت ايضاً والدته وهي في السبعين، وزوجة ثامر وزوجتا شقيقه عامر وشقيقه عبدالله، اما عامر وعبدالله فلاذا بالفرار. وبعد ثلاثة أيام في المعتقل أطلق سراح النساء بعد تظاهرات صاخبة قام بها أهالي الخالدية والحبانية الذين اعتصموا أمام قاعدة الحبانية. وبعد نحو أسبوعين أطلق سراح مبارك عطروز. زواج ساجدة من علي حسين الشمري المتهم الأول بتفجيرات عمان كان مثار جدل بين الأهالي أيضاً، فلم يكن أحد يعرف الشمري وان تحدث البعض من الجيران عن زواج تم قبل شهرين من تنفيذ العملية في الموصل وان علي حسين الشمري قد يكون سعودي الجنسية. لكن الجيران يذكرون شخصية الزوج السابق الذي سبق وساعد ثامر في الهرب الى السعودية في عهد النظام السابق لكن الجيران رفضوا الإفصاح عن اسم زوج ساجدة الأول خوفاً من تعرضه للمطاردة. العائلة تتعرض لملاحقات ويروي احد الجيران القصة بالقول:"أطلقت القوات الاميركية سراح والدة ساجدة وثامر ووالدهما ولم تترك العائلة تعيش بسلام بل لاحقتها وظلت تداهم منزلها بشكل شبه أسبوعي بينما تنقل أفرادها بين منازل الجيران والأقارب. ولم يسلم منزل ساجدة من الدهم ولم تسلم وزوجها من الملاحقة الا إنهم كانوا قد غيروا منزلهم عندما بدأت القوات الاميركية البحث عنهم وهكذا الجميع مطاردون من القوات الاميركية فانضم عامر الى تنظيم القاعدة في الانبار مع ثامر وحتى ساجدة ما لبثت ان وجدت نفسهاً جزءاً من هذه الأحداث". الشهادة الوحيدة عن مصير والدة ساجدة تؤكد انها تعرضت خلال اقامتها في منزل أقربائها في منطقة الجزيرة قرب الفلوجة لإصابة برصاص رشاش اميركي في ظهرها عندما كانت في طريقها الى الرمادي للعلاج في مستشفى المدينة ولا تزال راقدة في المستشفى حتى الآن، أما ثامر فقد قتل العام الماضي خلال معركة الفلوجة ولحق به عامر في وقت لاحق عندما قتل في اشتباك في الخالدية. وعلى رغم ان الجيران حاولوا تبرير موقف ساجدة التي يبدو ان زواجها من علي الشمري كان لأغراض الإقامة في الاردن ولتسهيل العملية الا ان بعضهم شكك في شهادتها. ويؤكد محمد الريشاوي وهو قريب للعائلة ان ما تم تداوله من معلومات عن ظروف الحادث يثير الكثير من الشك". ويسأل:"هل كانت ساجدة بالفعل عازمة على القيام بالعملية التفجيرية واذا كانت الحال كذلك لماذا هربت اذن؟ ولماذا لم ينفجر حزامها جراء انفجار حزام زوجها؟". ويضيف:"تلك الأسئلة مثار شكوك مشابهة لتلك التي تثار عن ظروف اعتقالها بالطريقة الخاطفة التي تمت بها". دور لوزير الدفاع العراقي المعلومات التي حصلنا عليها عن ساجدة الريشاوي قليلة وهذا عائد لامتناع اكثر الأهالي عن الإدلاء بمعلومات خوفاً من الملاحقة العشائرية او الاميركية اضافة الى غياب العائلة وتشتتها منذ اشهر وانقطاع إخبارها عن الجيران والأقارب. لكن بعضها كان مثيراً للاهتمام مثل الرابطة العائلية التي تجمعها بوزير الدفاع العراقي الحالي سعدون الدليمي الذي ينتمي الى عائلة مقربة جداً من عائلة عتروس في عشيرة الريشاوي خصوصاً وان الدليمي كان قد تواجد في عمان بعد يوم واحد من الأحداث ولم يعلن عن سبب تواجده سوى ما يتردد في الخالدية من انه عرض التحقيق بنفسه مع ساجدة للتأكد من دقة المعلومات التي كشفتها للمحققين الاردنيين.