يبدو أن الخيال الذي يرافق حامله القادم من أقصى أقاصي الأرض لزيارة هذه البقعة التي ملأ صيتها كل مكان من عالمنا الحالي، يمتزج بشيء من الرهبة والفضول. فالذي كتب عن بيرن، المدينة التي قطعت طوال عمرها منذ أن ظهرت الى الوجود والى الآن مسيرة حافلة، ربما لا يقارن بما كتب عن مدن أوروبية أخرى، لكثرته. هذه المدينة التي عاشت مراحل كارثية وأخرى مضيئة ومزدهرة، لعبت دوراً مهماً في التاريخ الأوروبي عموماً. فقد اجتذبت، بفعل موقعها وحيوية اقتصادها وطبيعتها الساحرة، أطماع أباطرة أوروبا وحكامها على مدى تاريخها القديم. وجراء ذلك تعرضت لكثير من الغزوات والاحتلالات، أبرزها كان احتلال نابليون بونابرت لها، حيث سحب عنها كامل السيادة والتأثير التاريخي على الأقاليم السويسرية الأخرى، خصوصاً منطقة شمال الألب. مثل احتلال نابليون لبيرن خسارة كبيرة، لكن المدينة اجتازت لاقحاً هذه المرحلة بعد أن انسحبت الجيوش الفرنسية منها عام 1848، ومنذ ذلك الحين بدأت تأخذ مكانها المميز بين المدن الأوروبية الى درجة أنها أصبحت تشغل دور العاصمة السويسرية، فاحتضنت مقر البرلمان الاتحادي الذي خصصت له واحدة من أجمل البنايات التاريخية القديمة الواقعة أمام ساحة كبيرة تضم 26 نافورة مائية تساوي عدد المقاطعات السويسرية الاتحادية. تمتاز أجزاء المدينة القديمة الملاصقة لنهر آرا بجمالها الساحر، فبيوتها وبرج ساعتها وجسورها التاريخية ومعالمها المعمارية الأخرى ربما لا تجد لها مثيلاً، لذلك اعتبرتها منظمة"اليونسكو"جزءاً حيوياً من الثروة الحضارية الانسانية. وقد تأسست المدينة في القسم المغطى بالغابات التي يجتازها نهر آرا، حيث يتسلل الى قلعة نيديك المبنية منذ عام 1191. وحسب الاسطورة الشعبية القديمة، فقد أخذت المدينة اسمها من اسم الدب الذي كان يصطاد في هذه الغابات، وقد اطلق الملك بيرثول الرابع هذا الاسم على المدينة، فسميت باسم بيرن. وحسب اللغة الألمانية ينطق اسمها ب"دير بار". ويعتبر الدب شعار المدينة الرئيسي، فأينما تذهب تجده أمامك، فأعلام المدينة لا تخلو منه والملصقات السياحية أيضاً، حتى نصب المدينة المختلفة تحتوي على هذا الشعار. ويقوم أهالي بيرن بتنظيم احتفال سنوي عند جسر نيديك الواقع وسط المدينة، لمناسبة تأسيسها في القرن السادس عشر، وفي هذا الاحتفال تنطلق فعاليات البهجة المختلفة. ويسرد تاريخ المدينة أحد الأحداث التاريخية المهمة، حيث تم في عام 1291 اجتماع لممثلي ثلاثة أقاليم هي: الأوري والسويسري والانتروالديني في جزيرة فيروالرستات، ووقعوا هناك على معاهدة التحالف بين الأقاليم. يبلغ عدد سكان بيرن نحو 120 ألف نسمة، وتحيطها ثلاثة أنهار، وقد استغلت ثروتها المائية استغلالاً جيداً. أما معالمها السياحية فهي كثيرة جداً، بعضها منتشر في أجزاء المدينة المختلفة، وبعضها الآخر مركز في الجزء القديم منها، وهذا الجزء ارتبط بشوارع فارهة تصل الى ساحة المدينة التي تضم عدداً من النافورات المائية الجميلة للغاية، وأبرزها النافورة التي تعبر عن اسطورة تأسيسها، وأيضاً نافورة العدالة التي يقف في قمتها نصب البابا الامبراطور الذي يتطلع الى لوحة"آلهة العدالة"التي تحمل ميزان العدالة بيدها. لقد تعرضت المدينة عام 1405 الى حريق كبير جاء على كثير من بيوتها الخشبية العتيقة، الأمر الذي تطلب نقل بقية البيوت الى موقع آخر، وهو المكان الذي شيدت عليه البيوت الحجرية القديمة الماثلة الى الآن. ويعتبر بيت"مايبا خاور"أقدم هذه البيوت. أما أجمل شوارعها فهو"شارع السوق"الذي بني بعد هزيمة الفرنسيين، واطلق عليه اسم"شارع العدالة". وهناك برج الساعة"زيتيكلوكا"وكاتدرائية مونستر ذات العمارة الساحرة. السويسريون محافظون، لكنهم مولعون بالنكتة، وهم حريصون على ثروتهم الحضارية القديمة، غير انهم يحاولون أيضاً الانفتاح على تطورات العصر بما في ذلك ميدان العمارة. يتحدثون اللغتين الفرنسية والألمانية، وهو يعتزون بالشخصيات العالمية التي عاشت في بيرن، مثل عالم الفيزياء آينشتاين الذي أقام هناك بين 1902-1909 وسكن بالقرب من برج الساعة في البيت رقم 49، الذي تحول الى متحف خاص له. بيرن تطفح بالحياة، وتجتذب ملايين السواح سنوياً، وهي متنوعة في مرافقها المختلفة، فالزائر يجد التاريخ القديم أو السياحة بأنواعها، كالسياحة الرياضية أو الراحة والاستجمام والاسترخاء. مطاعمها ومقاهيها متنوعة أيضاً، والمطعم الشرقي متوافر أينما ذهبت، وهو لا يجتذب الأوروبيين فقط، وإنما مختلف الزوار من كل مكان. لذلك فإن عوامل المتعة من الوقت المخصص لزيارة بيرن متعددة، وخدماتها السياحية متطورة مثل الفدنقة والجولات السياحية ومستلزمات راحة الضيوف الأخرى