في لبنان، مهما صفت النيات وتعالت التأكيدات تظل الاحزاب الفاعلة معبرة عن استقطاب طائفي ومذهبي. وحتى التحالفات العابرة للطوائف، الموقت منها والدائم، تستند في حسابات كل من اطرافها الى ما يعتبره تعزيزا لهذا الاستقطاب. والازمة الحكومية الراهنة تظهر ان اي افتراق في الحسابات الطائفية قد يتحول الى ازمة حكم. هذا ما ظهر قبل بدء الحرب الداخلية العام 1975، وما أكدته المراحل اللاحقة في الحرب. وحتى بعد توقيع اتفاق الطائف، وخلال ما عرف بالجمهورية الثانية مع اعتماد الدستور الجديد المنبثق من اتفاق الطائف، لم يكن ممكنا تجاوز ازمات الحكم الا بفعل تغييب الصوت المعارض للسلطة من جهة، ومن خلال التدخل السياسي والضغوط من دمشق لايجاد"تسوية"تتضمن في عمقها الانحياز الى ما يفسر، في لبنان، على انه"انتصار"لخط يمثله استقطاب طائفي ضد آخر. ونظر بعض الطوائف، خصوصا السنة والمسيحيين والدروز، الى الرغبة السورية بالتجديد للرئيس اميل لحود في هذا الاطار. كما جاء اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ليدفع الى الاعراب عن استهداف طائفي لجميع الذين اعتبروا انفسهم متضررين من التمديد. ولذلك، تتخذ المواقف المعبر عنها، بغض النظر عن طبيعتها واهميتها الذاتية، الطابع الطائفي حتى لو تعلقت بقضايا لا تمس مباشرة الحياة السياسية الداخلية. ولذلك ايضا، يصعب الحديث عن ان موقفا حزبيا يتجاوز الطائفة الى الوطن، او ان الاطراف الاخرى تتعامل معه على هذا الاساس. وفي انتظار ان تتمكن التيارات والاحزاب صاحبة التطلعات العابرة للطوائف من التحول الى قوى فاعلة وقادرة ان تخفف من هذه المعادلة، سيظل الجدل، لدى البحث في القرار الحكومي، في شأن التوافق والحوار والاكثرية والاقلية انعكاسا للاستقطاب الراهن. وعندما تحدث السيد حسن نصرالله، في مقابلته الطويلة مع محطة"المنار"، عن ضرورة العيش المشترك والرغبة فيه، وهما أمران مهمان في تكوين الوطن، لم يبدد هواجس الآخرين الطوائف الأخرى في شأن كيفية صوغ هذا العيش، ما دام يعتبر ان الاجماع الاساسي ينعقد حول مواقف"حزب الله"وعلى نحو عابر للطوائف. ففي القضايا الاساسية يطالب بالتوافق على ما يطرحه والا الفراق الحكومي على اقل تعديل، وفي القضايا الفرعية لا يعارض مبدأ الاكثرية والاقلية. واذا كان مثل هذا الفراق، كما اشار اكثر من مرة، يقتضي في النظم الديموقراطية، فك التحالفات والانتقال الى المعارضة، ففي الحالة اللبنانية ونظرا الى التوازن الدقيق للتمثيل الطائفي ونظرا الى احتكار تمثيله، يخرج الامر عن اللعبة الديموقراطية التقليدية ليتحول ازمة حكم وازمة علاقات بين الطوائف. هذا الامر يدركه جميع العاملين في الشأن اللبناني، ويعرف الجميع ان خروج"الثنائية الشيعية"، "أمل"و"حزب الله" والتي تحدث نصرالله باسمها اكثر من الحديث باسم حزبه، يعني استحالة تمثيل شيعي فعلي في الحكومة. ولذلك لن يغامر احد، خصوصا فؤاد السنيورة، بالوصول الى هذا الاحتمال. ولذلك يصبح التهديد به هو لمزيد من جذب الاجماع نحو مواقف متعارضة مع الاكثرية الحكومية. وحتى مثل هذا الحل لا يوفر الصيغة الفضلى للرغبة في الاجماع الوطني ما دامت المواقف محسوبة في اطار يحمل البلد ككل ما لا قدرة على تحمله.