ابتدأت المجر يوم 26 أيلول سبتمبر الماضي احتفالاتها بالذكرى الستين لوفاة بيلا بارتوك 1881-1945، أعظم مؤلف موسيقي مجري، والذي توفي في 26 أيلول 1945 في منفاه النيويوركي مغترباً فقيراً، من دون أن تنتبه الولاياتالمتحدة الأميركية إلى أهميته، إذ كان بحق واحداً من أهم موسيقيي القرن العشرين. وبهذا الاحتفال المتنوع تنطلق سلسلة احتفالات بارتوك وتمتد حتى العام المقبل، فقد أصدرت الحكومة المجرية في 22 أيلول قراراً بالاحتفال بالذكرى ال125 لولادته في العام المقبل، وسيكون رئيس الجمهورية لاسلو شويوم راعياً لهذه الإحتفالات. وجرى وضع اكليل من الزهور على قبر بارتوك الذي نقلت رفاته من الولاياتالمتحدة إلى وطنه بعد وفاته بسنين، في العام 1988. ابتدأ الحفل الرئيسي في الحادية عشرة من ليل 25 أيلول على قاعة قصر الفنون الذي شيد حديثاً، حيث قدمت الفرقة الفيلهارمونية الوطنية بقيادة عازف البيانو الشهير زولتان كوتشيش أعمال بارتوك: رقصات ترانسلفانية، رقصات رومانية، وصور مجرية. وألقى وزير التراث الثقافي القومي المجري أندراش بوزوكي كلمة بعد منتصف الليل في الحفل الذي نقل حياً عبر الأقمار الاصطناعية إلى قاعة"أنجل أورنساز سنتر"في نيويورك بتظيم من المركز الثقافي المجري هناك. وفي يوم وفاة الموسيقار قدمت فرقة الراديو المجري السيمفونية حفلة ثانية في المكان نفسه بقيادة آدام فيشر شقيق قائد الأوركسترا اللامع إيفان فيشر الذي يقود فرقة بودابست الاحتفالية. وتضمن الحفل كونشرتو البيانو رقم 3 بعزف الفنان الكبير دجو رانكي، وعمل بارتوك "قلعة الأمير ذي اللحية الزرقاء" المكتوب لاوركسترا وصوتين غنائيين. اشتهر بارتوك بتجميع وتصنيف وتدوين وتوثيق الموسيقى الشعبية لوطنه، المجر، وموسيقى البلدان المجاورة خصوصاً رومانيا التي تجله كثيراً لهذا العمل. وامتد نشاطه في تجميع الموسيقى الشعبية حتى تركيا وبلاد الشام ووصل الى الجزائر. ويحتفظ معهد العلوم الموسيقية التابع لاكاديمية العلوم المجرية في بودابست بهذه التسجيلات الموسيقية العربية النادرة التي تعود إلى مطلع القرن العشرين، وقد سجلها على أقراص شمعية، وهي في انتظار من يقوم بدراستها وتصنيفها وتدوينها. واستعمل بارتوك الموسيقى الشعبية التي كان يهتم بجمعها في أعماله، وهو يعتبرها الينبوع الصافي والأساسي للموسيقى المعاصرة. وسبق لموسيقيين كبار مثل فرانس ليست ويوهانس برامز أن ألفوا أعمالاً "مجرية" مثل الرابسوديا المجرية لليست والرقصات المجرية لبرامز، لكن أعمالهم كانت تستند إلى ألحان الموسيقيين الغجريين الذين برعوا في العزف وأثروا في الموسيقى التي اشتهرت بها فيينا عاصمة الامبراطورية النمسوية/ المجرية كثيراً، وليس إلى الموسيقى الشعبية "الحقيقية". والموسيقى التي يسمعها السياح في مطاعم بودابست اليوم هي موسيقى الغجر وليست الموسيقى الشعبية المجرية الحقيقية. أما بارتوك فعاد إلى جذور الموسيقى الشعبية المجرية فتكشفت للسامع الأوروبي عوالمها بما فيها من موسيقى بنتاتونية خماسية النغمات، وهي ضرب من ضروب الموسيقى البدائية، وأصوات غير قياسية يسميها البعض ربع التون، وإيقاعات مركبة معقدة غير معهودة للإذن الأوروبية، بينما يكثر استعمالها في الموسيقى الشرقية. من أشهر أعماله "قلعة الأمير ذي اللحية الزرقاء" وأوبرا "الماندرين العجيب" وكونشرتات البيانو وكونشرتو الفيولا وأعماله للبيانو وكان عازفاً جيداً عليه وقطع البيانو للأطفال "ميكروكوزموس" والكثير من الأغاني الشعبية التي أعاد كتابتها للبيانو والأصوات الغنائية.