كما اعتدنا من منظمي مهرجان بودابست الربيعي في إبرازهم لحدث أو شعار كل سنة، فإن لمهرجان سنة 2004 أيضاً شعاره المميز، وهو انضمام المجر إلى الاتحاد الأوروبي رسمياً في الأول من أيار مايو سنة 2004. وسيشارك في المهرجان كثير من الدول التي ستنضم إلى الاتحاد العام المقبل، أمثال بولندا وسلوفينيا ودول البلطيق وسلوفاكيا وتشيكيا وغيرها. والمهرجان الذي يستمر من 19 آذار مارس إلى 4 نيسان أبريل من العام المقبل يعد أرقى وأهم حدث فني سنوي في المجر منذ عقود، وبدأ يحتل موقعاً بارزاً بين أهم مهرجانات الفنون في أوروبا، ليصبح حجراً مهماً في صرح السياحة الثقافية. وكالعادة، يستضيف المهرجان المقبل عدداً من نجوم الفن، أمثال هيلموت ريلينغ الذي سيقود فرقة أكاديمية باخ العالمية من فرانكفورت، وكلاوديو أبادو مع فرقة غوستاف مالر للشباب، ورباعي هاغَن الوتري، وفرقة الراديو الهولندي، ومستيسلاف روستروبوفيتش، علاوة على نجوم الفن المجريين المعروفين على صعيد عالمي أمثال عازف البيانو أندراش شِف مع فرقة بودابست الاحتفالية، وعازف البيانو زولتان كوتشيش مع الفرقة الفيلهارمونية الوطنية، ومغنية الأوبرا أيفا مارتون، وعازف الكمان فيلموش سابادي، ورباعي بارتوك الوتري، وعازف التشيلو ميكلوش بَريني وغيرهم. والمهرجان في الأساس هو مهرجان الموسيقى بأصنافها الكلاسيكية التي تنال حصة الأسد، والموسيقى الشعبية والأوبرا والأوبريت والجاز والموسيقى الحديثة، ترافقها فنون قريبة لا تنفصل عنها مثل الرقص والمسرح والفنون التشكيلية. ولا غرابة إذن، مع هذا الحشد من أهم الموسيقيين والفنانين المجريين والأجانب، أن يكون ربع عدد تذاكر الحفلات قد نفد مع نهاية أيلول سبتمبر الماضي، وأن تحجز التذاكر كلها في الحفلات المهمة مثل أبادو وفرقة مهرجان بودابست. وكل هذه الحفلات يقام في قاعات رائعة الجمال، منها دار الأوبرا الحكومية وقاعة أكاديمية "فرانس ليست" للموسيقى. حفلة هلموت ريلينغ وأكاديمية باخ العالمية ستكون واحدة من أهم الحفلات، وذلك لشهرة هذا الفنان والفرقة على صعيد عالمي. وقد أسس ريلينغ الذي احتفل هذا العام ببلوغه السبعين الأكاديمية سنة 1981 وهي حازت على جائزة اليونسكو سنة 1994. ويقدم ريلينغ وفرقته أعمال مؤلفين آخرين إلى جانب أعمال باخ، أمثال برامز ومالر وبيتهوفن. أما الإيطالي كلاوديو أبادو فقد بلغ هو الآخر السبعين من عمره هذا العام، وقاد فرقة لا سكالا الشهيرة في ميلانو العام 1960، وعمل مساعداً للمايسترو ليونارد برنستاين في قيادة فرقة نيويورك الفيلهارمونية، ثم عاد إلى ميلانو ليرأس الفرقة بين 1968- 1986 وعمل مع أشهر الفرق العالمية. أسس فرقة غوستاف مالر للشباب سنة 1986، لتضم العازفين الأوروبيين الشباب من الشرق والغرب ممن لا تزيد أعمارهم عن 26 سنة. أما مستيسلاف روستروبوفيتش فهو أسطورة بحد ذاته، ولد في باكو بأذربيجان سنة 1927، وتعلم العزف على التشيلو ليصبح أحد أبرز العازفين عليه، بحيث كتب موسيقيون كبار كونشرتات تشيلو له خصيصاً، بينهم بروكوفييف وشوستاكوفيتش وبرتن وخاتشادوريان. وستقدم فرقة آرتورو توسكانيني الفيلهارمونية بقيادته عمل جوسبه فيردي الشهير "القداس الجنائزي" ركويم. ولا بد أيضاً من الحديث عن الموسيقيين المجريين، وأهمهم عازف البيانو أندراش شِف الذي يقود فرقة بودابست الاحتفالية. فهو من مواليد سنة 1953، واشتهر في المجر وأوروبا والعالم وهو في العشرين، وحاز على جائزتي غرامي وغرامافون مرتين، وعلى العديد من الجوائز الحكومية المجرية والأجنبية. اجتذبت فرقته أفضل العازفين المجريين وغدت من أهم الفرق المجرية. وسيقدم وفرقته كونشرتات بيتهوفن للبيانو والأوركسترا أرقام 2 و3 و4. وسيقدم عازف الكمان المعروف فيلموش سابادي بعزف مارتا غوياش على البيانو جميع سوناتات موتسارت للبيانو والكمان في أربع أمسيات حلقات. وخصص رباعي بارتوك الوتري برنامجه لتقديم رباعيات هايدن وموتسارت وشوبرت. وهذا الرباعي الشهير الذي تأسس سنة 1957 جال مدن العالم وقدم آلاف الحفلات لحد الآن. وهناك تركيز على أوبرات فيردي في مهرجان العام المقبل، إذ ستقدم أعماله دون كارلوس وماكبث وفالستاف، إلى جانب أوبرا نادرة لأنتونيو فيفالدي، وأوبرا الموسيقار التشيكي المورافي ليوش ياناتشيك المعنونة "ينوفا". وتبقى الموسيقى من دون رقص ناقصة، لذلك تحتل حفلات الرقص والباليه موقعها في البرنامج والصالات. ويحفل البرنامج بواحدة من درر الباليه، وهي "سبارتاكوس" للموسيقار الأرمني آرام خاتشادوريان، إلى جانب عروض فرقة باليه بوردو فرنسا التي صمم ديكورها وملابس برنامجها الفنان الشهير بابلو بيكاسو، وعروض مسرح الرقص الوطني الأسباني، ومسرح الرقص الهولندي. وللموسيقى والرقص الشعبيين حصة مهمة في المهرجان، إذ يعقد خلاله أهم نشاط مجري سنوي في هذا الجانب، هو لقاء وسوق "بيت الرقص" الوطني الثالث والعشرون، حيث يشترك الآلاف في الرقص على أنغام أشهر فرق الموسيقى الشعبية المجرية من داخل البلاد وخارجها. وستقدم المغنية مارتا شَبَشْتييَن التي حازت على جائزة غرامي لقاء أغنيتها لفيلم "المريض الإنكليزي" مع فرقة موزيكاش أعمال بارتوك وكوداي القائمة على أساس الأغاني الشعبية. وستقدم فرقة الغجر المئوية، التي يعزف فيها مئة عازف، برنامجاً عنوانه "زهرة من عشرة ألوان" احتفاءً بدخول الدول العشر الاتحاد الأوروبي، ويضم ألحاناً شهيرة لكلٍ من الدول العشر. وبقي أن نذكر المعارض التي سترافق المهرجان، والتي تنظمها مؤسسات مختلفة بينها المكتبة الوطنية ومتاحف متنوعة. من بينها معرض "دروب مشتركة ومغايرة" عن الفنون في النمسا والمجر في القرنين التاسع عشر والعشرين، ومعرض "فيينا وبودابست: المدينتان الثقافيتان"، ومعرض "مرسيليا - بودابست" وهو لقاء عالمي لناشري كتب الفنون، وغيرها.