"كانت اسماء رفاقي قصيرة عصرية تتألف من ثلاثة أو اربعة أحرف... أما أنا فاسمي يتضمن القاف والزين والياء وما تيسر من أحرف العلة. أنجز رفاقي تعلّم كتابة اسمائهم بسرعة، أما أنا فكنت الأخير وهذا ما أشعرني انني دونهم ذكاءً... كنت أعود مساءً الى المنزل وأبوح لأمي بغيرتي من اسماء رفاقي لأنها رشيقة، سريعة، لا تسبب لهم أي مشكلة. وتكررت معاناتي مع وجود مدرّسين أجانب في الصفوف اللاحقة، إذ كان واحد منهم يلفظ إسمي بطريقة مختلفة وكم يكون ضحك رفاقي ساخراً حين يلفظ إسمي على أنه أسم آخر. المشكلة عينها تصادفني في الجامعة، ما يدفع أصدقائي الى مناداتي بأسماء الدلع للتخفيف من وطأة صعوبة لفظ اسمي وتقليديته". معاناة هذا الطالب، الذي يرفض أن نذكر اسمه صراحة، ليست فريدة بل هي شائعة وتزداد تعقيداتها حين يكتب الاسم باللغة الاجنبية. تقول والدته:"انه الولد البكر في العائلة، وقد أطلّ على الحياة بعد شهور قليلة على وفاة جدّه الرجل الوقور، المحترم الذي خلّف رحيله المفاجئ حزناً كبيراً في العائلة ولدى الأهل والاقارب. ولأن التقليد في الأسرة يقضي بانتقال الاسم من الجدّ الى الحفيد، كان علينا أن نطلق عليه إسم جدّه الراحل... يومها كان اختيارنا عاطفياً بحتاً، لم نكن نتوقع أن يصادف لاحقاً مثل هذه المتاعب مع اسمه!". لكن اختيار الأسماء الشائكة لا يكون مصدره دائماً احترام التقاليد في توارث الأسماء، بل ثمة مزاجية تتحكم احياناً بالوالدين وتلقي بتبعاتها على الاولاد. بعض الآباء المعجبين بأسماء أبطال عسكريين في التاريخ، يجسدون هذا الإعجاب بإطلاق اسمائهم على اولادهم كنابوليون وهتلر ولينين وديغول وتغلب وغيرها. وهذا ما يسقط على الاولاد هوية مسبقة لا تكون نتائجها مريحة. ولا تقتصر المزاجية على هذا الامر، بل تتعداه أحياناً الى الاعجاب بأسماء اطباق وحلويات وفاكهة. "كنت أصاب بالارتباك الشديد ويعتلي الاحمرار وجهي خجلاً حين تلفظ المعلمة اسمي في الصف"، تقول شابة، والسبب هو"تعليقات رفاقي الخبيثة لأن اسمي هو اسم فاكهة تفاحة. فما إن تلفظه المعلمة حتى يعلو الصراخ والقهقهات. أنا أكره اسمي لأنه يحرجني ويشعرني بدونية ما... وأشعر بغضب تجاه والديّ! لا أعرف لماذا اختارا لي هذا الاسم القبيح؟". إن اختيار اسم المولود الجديد يرتب على الأهل مسؤولية جدية، ذلك أنه على ضوء هذا الاختيار تتحدد علاقة الطفل باسمه وعلاقته بنفسه وبمحيطه. من يحب اسمه يحب نفسه، يرتاح معها، يثق بها، يشعر بالرضا عن موقعه بين أقرانه. تنتابه قشعريرة من الزهو الداخلي حين ينادى به، في حين أن هذه المشاعر تنقلب إلى عكسها تماماً حينما تتوتر العلاقة مع الاسم بسبب المشكلات التي يولدها لأنه تقليدي أو غريب أو صعب اللفظ والكتابة، أو ببساطة لأنه يعبر عن مزاجية متطرفة في الاختيار. بعض الدول تتدخل لرفض بعض الاسماء التي تراها مربكة للطفل ولا تنسجم مع بيئته. فقد منعت الصين أخيراً مبرمج كومبيوتر من تسمية ابنه"زاو دوت كوم"، فيما تلقّى والد آخر الجواب عينه حين تقدم بطلب تسمية ابنه"آت"، أي العلامة التي تستخدم عند الاشارة الى عنوان بريد الكتروني على الانترنت. هل يمكن تغيير الإسم؟ يسمح في لبنان بتغيير الاسم فيلجأ غير المعجبين بأسمائهم الى تقديم دعوى في المحكمة لاستبدال أسمائهم بأخرى. ومع مرور الوقت، يعتادون على اسمائهم الجديدة وكذلك الاصدقاء والزملاء. لكن في العقل اللاواعي الذي تبدأ مكوناته بالتشكل منذ الطفولة الاولى، يبقى الاسم الاول هو الاقوى وهو الذي يطل في الاحلام محدداً معالم الهوية الشخصية كأنه البصمة التي لا تمحى!