تقرير المحقق الالماني ديتليف ميليس في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي تسلمه الامين العام للامم المتحدة أول من أمس الخميس، تحول حدثاً اعلامياً عربياً أكثر منه تقرير أمنياً أو سياسياً يعني اللبنانيين من دون غيرهم. فهو حصيلة أول تحقيق كامل في جريمة اغتيال تشهدها الدول العربية، أنظمة وشعوباً، لذلك ما عاد في الامكان انتظاره يوماً آخر ريثما تتسلمه الحكومة اللبنانية، وبقية الدول الاعضاء في مجلس الامن. فمنذ ليل الخميس - الجمعة والقنوات التلفزيونية، محلية وفضائية ،منهمكة بنقل"تسريبات"من التقرير، والتعليق عليها. نشرات الاخبار استمرت حتى ساعات الفجر الاولى. فرق اخبارية خاصة ارسلت الى نيويورك، واستنفار اعلامي في كل المحطات، وتسابق محموم على معلومة مهما كانت صغيرة لبثها على الهواء قبل الاخرين. الى درجة انه صار يكفي ان يقال او يكتب في أسفل الشاشة على الشريط الاحمر المتحرك"التقرير"من دون أي تفاصيل اضافية، ليفهم المشاهدون البقية. المشاهدون هم ايضاً لم يغمض لهم جفن تلك الليلة، اذ تسمروا أمام شاشاتهم لمتابعة كل خبر قد يرد... أو لا يرد. وفي وقت كان رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة يتسلم التقرير صباح أمس الجمعة كان الشارع اللبناني قد أصبح ملماً بالتفاصيل كلها... قبل ساعات. ردود الافعال لم تتأخر هي الاخرى بل ملأ المحللون السياسيون الشاشات، يستفيضون في الشرح ويبدون رأيهم، فيما قال بعضهم صراحة أنه"لم يطلع على التقرير بعد"، و اكتفى بما أوردته نشرات الاخبار في الليلة السابقة. شاشات التلفزة في لبنان تحولت محركاً حقيقياً للشارع، فترجمت موجة التهويل من وضع أمني غير مستقر عشية"التقرير"شوارع خالية وجموداً عاماً. ثم ما ان أذيع خبر احتمال وقوع أزمة وقود حتى تدافع اللبنانيون على محطات الوقود بعد منتصف الليل في مشهد يذكر بالحرب. الاعلاميون بدورهم سحبوا البساط من تحت اقدام السياسيين. فبدلاً من ان ينتظر الناس مسؤولاً يطل عليهم بتصريح ما، صاروا يتناقلون اخبارهم عن الصحافي فلان أو فلان. وبدلاً من أن تستضيف القنوات التلفزيونية سياسياً أو مسؤولاً صار يكفيها أن يكون لديها اعلامي لبناني يقابله آخر سوري ليكتمل نصاب حلقة التعليق على التقرير- الحدث. وراح هؤلاء الضيوف يعبرون عن آرائهم بما يشبه البيانات التي نخالها أحياناً صادرة عن رجال دولة، وليس عن اعلاميين. لا شك في ان تقرير ميليس حدث اعلامي في كل المعاني، يكفي أنه غيّر نظام شاشاتنا فوصلنا قبل غيرنا.