لا يسع من يتابع الحدث اللبناني الابرز على الاقل حتى كتابة هذه السطور وهو محاولة اغتيال الاعلامية مي شدياق مطلع الاسبوع الحالي، ويستمع الى موجة التصريحات التي تلته الا ان يتوقف عند حال الهذيان والهستيريا التي تملكت اللبنانيين، رسميين كانوا أم مواطنين عاديين. وتبلغ هذه الهستيريا ذروتها في النشرات المسائية لأن المؤتمرات الصحافية وتصريحات المسؤولين تعرض الواحد تلو الآخر، كأنها سيل لن يتوقف. ويعيش اللبنانيون اليوم على وقع الإشاعات والإشاعات المضادة التي تتبناها شاشاتهم، فتبدو الاخبار أشبه بقصة ليلى والذئب. وفي كل مرة تعاد القصة على مسامع الاطفال، فيصغون اليها كأنها المرة الاولى عسى الذئب يحن على ليلى ولا يلتهمها. والكلام الصادر عن المسؤولين لا يشبه بعضه بعضاً كما يخيل الينا للوهلة الاولى. هو ربما متشابه بعدم جدواه، وبغياب الحجج الملموسة فيه. أما مستوى اللغة المستخدمة، ففي تدهور كارثي. فبعد الانفجار الاخير، تشبث أحد النواب بميكروفون المذيع وراح يصرخ كأم ثكلى، ويسأل عمن يتحمل مسؤولية الحادث. النوبة لم تنته هنا، بل تابع النائب بأن"اللبنانيين كفروا"، ويساعده مسؤول آخر بأنهم"عافوا ربهم". ثم يندد مسؤول المحطة التي تعمل فيها شدياق بالقول:"طلع دينا". رئيس الوزراء الذي قضى عمراً في وزارة المال لم يتخل عن مصطلحات، فاعتبر ما يجري الآن"ضريبة الاستقلال". ثم في مقابلة تلفزيونية خرج الرجل المعروف عنه هدوؤه عن طوره وطلب عدم اخضاعه"لفحص دم يومي"لتأكيد وطنيته. وللحظة يشعر المشاهد أن من واجبه أن يهدئ من روع هؤلاء، ويصبِّرهم على مصابهم. فهذه العبارات التي تصدر عن اللبنانيين العاديين بعفوية في الحياة اليومية، انتقلت الى التصريحات الرسمية، التي يفترض بها ان تقدم اجابات وتحمل الحد الادنى من الانفعال، فتحولت بذلك التغطية الاعلامية للحدث اللبناني هرجاً ومرجاً. ثم يقرر وزير الداخلية أن يدلو بدلوه، فيتأهب الصحافيون ومن ورائهم اللبنانيون على الشاشات بانتظار خبر أو دليل او حتى نتف معلومات. فاذا بالوزير يعتلي المنصة ويعلن بكل وقار انه يتهم"الشبح". توقع المشاهدون كل شيء الا ان تتدخل الاشباح. ثم ان الوزير رجل مسؤول ولا يمكن أن يغش المواطنين. هو متأكد مما يقول لذلك سأل احدى الصحافيات التي لم تعجبها اجابته من أين يأتي الدليل اذا كان الفاعل يضع شنطة تحت سيارة مركونة ويمضي في سبيله. تنفجر السيارة ويذهب الخيط الذي يؤدي الى المجرم. لذلك فلا بد من أن يكون شبحاً. تسكت المراسلة ربما لتفكر في ما قاله الوزير. المشاهدون هم أيضاً يسكتون ويحللون كلامه. يكاد يكون منطقياً، لا بل ان هذا الشبح ليس الطيف اللطيف"كاسبر"وانما هو شبح شرير يرتكب"رذيلة"كاغتيال رفيق الحريري، بحسب ما وصف رئيس الجمهورية جريمة 14 شباط فبراير. "معجم"المسؤولين اللبنانيين الذي يطالعوننا به في وسائل الاعلام، يتقهقر كل يوم، وصار في حاجة ماسة الى تحسين، شكلاً ومضموناً. فاذا كان لا بد من تكرار قصة ليلى والذئب علينا، على الاقل فلا يقال لنا ان ليلى أكلت الذئب!