قدم الموسيقى الفلسطيني خالد جبران أخيراً حفلة موسيقية على مسرح معهد الموسيقى العربية في القاهرة تحت عنوان"مزامير"، تضمن مقطوعات كتبت خصيصاً لآلتي العود والبزق، قدمها بمشاركة العازف تامر أبو غزالة. ومن بين المقطوعات التي عزفها مزمور"اصفهان"،"هدر الرعد"مقطوعة على العود، ومزمور"الصلب"الذي قدمه جبران للجمهور للمرة الأولى على رغم انه كتب في العام 2002 بعد مذبحة جنين. وعزف جبران على طريقته مقطوعة"عطر الغجرية"للموسيقي التونسي أنور ابراهم و"يا مسافر وحدك"لمحمد عبدالوهاب. وسيقدم جبران البرنامج نفسه في جولة تشمل المنامة ومسقط ولندن التي سيقدم فيها حفلة مشتركة مع عازف الغيتار الشهير جون وليمز في كاتدرائية سان جيمس في ساحة البيكاديللي في 24 شباط فبراير الجاري. ولد خالد جبران في الجليل في شمال فلسطين العام 1961، درس التأليف الموسيقي ونظريات الموسيقى في أكاديمية روبن في القدس. منذ العام 1993، يمارس التدريس وإدارة قسم الموسيقى الشرقية في المعهد الوطني للموسيقى في رام الله الذي أسسه كما أسس وأدار"مركز الأرموي"للموسيقى في المدينة نفسها. هذا فضلاً عن كونه عازفاً قديراً على آلتي البزق والعود. " الحياة"التقت جبران وتحدث عن حفلته المصرية التي جرت برعاية"مؤسسة المورد الثقافي"، مؤكداً أن"الهدف هو اللقاء مع الجمهور المصري في تجربه موسيقية جديدة"تختلف عن حفلاته السابقة، فهو هنا يقدم موسيقى خالصة"وليست ألحاناً أو تنويعات على الحان معروفة". وأوضح جبران أن مقطوعات حفلة القاهرة التي حملت عنوان"المزامير"كتبت خصيصاً لآلتي العود والبزق، ويصعب أن تقدم عبر آلات موسيقية أخرى. والهدف هو استغلال الطاقات الموسيقية للآلتين الوتريتين والمضي معهما إلى مجال تعبيري أوسع،"وهذا جديد لأن موسيقانا الشرقية تعرف المؤلفات الموسيقية التي يمكن تقديمها بأكثر من آلة، ويندر أن تجد فيها قطعة تكتب لآلة". وسمى جبران مقطوعاته الجديدة باسم" المزامير"في إحالات تاريخية واضحة، وهي نصوص ليس فيها"فورم"أو شكل تعبيري محدد، وإنما هي عمل قائم على التراكم والتصاعد التعبيري المغري فنياً لأي موسيقي". ولاحظ جمهور حفلة القاهرة أن جبران لم يتورط، شأن معظم عازفي العود، في الاستجابة لنزعات الجمهور بتقديم تقاسيم تحضيرية. وأكد انه عادة لا يفضل إدراج التقاسيم في برامج حفلاته، لكنه يلجأ أحياناً إلى عزف تقاسيم هي جزء من مزمور اصفهان على سبيل التمهيد لأجواء المقام الموسيقي الذي يقدمه. وذكر أنه في تجاربه السابقة قدم"الارتجالات"كجزء من تفاعل العازف مع الجمهور،"لأنه من الصعب الالتزام ببرنامج منضبط كما يحدث في حفلات الموسيقى الغربية". فيض من الحكمة والموسيقي الفلسطيني الذي ظهر كعازف بارز، خلال العقد الماضي، ضمن فرقة"صابرين"التي جالت في عواصم عربية عدة بقيادة الفنانة كاميليا جبران، المشار إلى انه"تعلم من هذه التجربة أشياء كثيرة لأنه كان ضمن فريق متكامل من العازفين إضافة إلى وهج التجربة ذاتها". وعبر عن اعتقاده"بأن الموسيقى الشرقية مهما بلغت دقة العازف في التلحين والتخطيط يظل صاحبها يستشعر في جهده الكثير من النقصان ومن ثم يمضي باتجاه ما يعتقد انه الكمال"? ورفض خالد الانحياز إلى العود على حساب البزق أو العكس، إذ يصعب عليه أن يحدد أيهما الأقرب إلى قلبه لكن طبيعة العود بحسب قوله:"لينة أكثر, وفيها قدر من الجلال, وتتيح للعازف"سلطنة"ومزاجية, كأنه قابض على فيض من الحكمة"? أما"البزق"فهو"آلة برية يصعب ترويضها وفي احيان كثيرة تقود العازف". ولا يؤمن خالد جبران بالفردية التي تقترن بأنانيته كعازف منفرد. وقال:"اقدم حفلات جماعية وأنحاز للثنائيات ولكن العزف الفردي ليس قراراً نهائياً والمشكلة في صعوبة العثور على عازف يتناغم مع التجربة ويقترب منها وهو ما حدث في تجربة القاهرة مع تامر ابو غزالة وهو احد زملائي وتلامذتي في مركز الارموي". واستعاد خالد جبران الظروف التي ظهر فيها مشروع مركز الارموي للموسيقى في رام الله:"الهدف تشجيع الموسيقى بين الشباب الفلسطيني, ونشرها, وحثهم على الابتكار والإبداع بأرقى درجة ممكنة عبر ورش العمل والتدريبات, لعدد منتخب من الطلاب... يتم اختيارهم بعناية من بين عشرات المتقدمين, هذا إضافة إلى إنتاج عروض موسيقى شرقية ذات مستوى عال, كما حدث في تجربة"فرقة جهار"وتجربة"ريميكس"التي قدمت في القاهرة في تشرين الأوّل أكتوبر الماضي بمجموعة مختارة من العازفين. والى جانب جهود العزف هناك جهد ينصرف إلى كتابة ونشر الأبحاث العلمية المتعلقة بتطوير الموسيقى العربية لا بهدف حماية التراث الموسيقى وإنما مواكبة العصر". واستنكر جبران المقولة التي تطالب بحماية تراث الموسيقى العربية والدفاع عن الهوية التي يطلقها بعض العازفين العرب،"مثل نصير شمة الذي لا يكف عن إعلان نفسه كحام لهذا التراث الممتد لآلاف السنين". وأوضح جبران:"أفضل ان اتحدث عن التزاماتي بتطوير هذا التراث وعصرنته وإدماجه في الموسيقى العالمية لا عزله عنها بزعم حمايته، لأنني اعزف وخطابي الثقافي هو ابن سياق معاصر ينبغي ألا انفصل عنه ولا انظر إلى الماضي كشرنقة وجدار حماية بل يجب أن ابنيه وأطوره". وتحدث جبران عن صعوبات واجهته في العمل تحت الاحتلال والقصف الإسرائيلي في رام الله:"هي سيف ذو حدين. ففي بعض الأحيان يكون الوصول إلى مقر المركز عملية مستحيلة، محاطة بمخاطر كثيرة، كأنها عملية عسكرية تحتاج إلى تحضيرات"لوجسيتية". وروى خالد جبران واقعة عاشها ذات مرة كان ملتزماً فيها بإحياء حفلة في القدس، ثم فوجئ بالقصف الإسرائيلي. ولكي يضمن الوصول إلى الحفلة حجز غرفة في فندق قريب من مقر الحفلة على رغم وجود منزله داخل المدينة. ورأى أن"هذه الظروف القاسية تجعل الفنان يقدر المسؤولية التي يحملها، ومن ثم ينظر إلى نفسه كمقاوم للاحتلال ومستهدف منه. لكن الظرف القاسي يتحول إلى فعل متكرر يسهل التحايل عليه، وتقويضه عبر استلهامه، كما حدث في مزمور"الصلب"الذي يعبر فيه عن قسوة ساعات الحصار في جنين".