تتوالى الدعوات الى الحوار والوحدة والتضامن في لبنان، من جانب السلطة والموالين، والمحايدين، وبعض المسؤولين العرب، بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري. الدعوة استشعار بالخطر، بالنسبة الى البعض، واستشراف للمستقبل القريب المقلق نتيجة الخوف من المزيد من الدموية فيه. ولربما كانت الدعوة التي اطلقها الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصر الله الى هذا الحوار والتضامن، هي التي تصنف في خانة استشعار صاحبها بالخطر، امام المصاب. فشطب الحريري من المعادلة، يعني بالنسبة الى"حزب الله"المستهدف الأول من الضغوط الدولية المتعاظمة على لبنان وسورية ربما اكثر من استهداف سورية شطب احد الذين شكلوا صمام الأمان للحزب، بل احد ناسجي ومطرّزي الموقف الأوروبي المتميز الرافض تأمين غطاء دولي واسع لهذا الاستهداف. ويسعى الحزب عبر دعوته هذه، الى تعويض الحد الأدنى، عبر الإبقاء على قدر من الالتفاف من حوله، الذي قد يحول دون توافر الذرائع لتسريع الإجماع الدولي والمساومات الإقليمية عليه. تشبه دعوة"حزب الله"إلحاح قوى شيعية اخرى مصنفة في الموالاة على الحوار، مثل دعوة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبدالأمير قبلان وحركة"امل". فهي قوى تقف بين التحالف الموالي لسورية ومتطلباته الراهنة، وبين الشركاء في المعادلة اللبنانية، من الطوائف الأخرى، الذين باتوا في الصف المعارض. إنه استباق من هذه القيادات لمفاعيل شطب الحريري على العلاقات بين اطراف المعادلة فهم يدركون كم يهدف هذا الاغتيال الى الإخلال بها ويخشون ان يتم تحميلهم فوق طاقتهم فيتحولون الى وقود لهذا الإخلال الذي لا يريدون. اما الدعوة من جانب السلطة ورجالاتها الى الحوار فإن لها نتائج مختلفة تماماً، على المعارضة، التي يتناقض استعدادها، نظرياً للحوار، مع محصلة الاغتيال: شطب الحريري بالنسبة إليها يعني قصم ظهرها، وحسم قوته وحجمه ووزنه من الدور الذي تهيئ نفسها للعبه، إذا ما نجحت في تكريس شعبية موقفها في الانتخابات. فمنذ التأزم السياسي الذي انطلق مع التمديد للرئيس اميل لحود وصدور قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559، اخذت الأحداث منحى تصاعدياً سمح بتوسيع قاعدة المعارضة وتضييق قاعدة الموالاة، في شكل ينبئ بتعديل في موازين القوى في السلطة، وبالتالي يعدل في طبيعة الإدارة السورية للبنان، إذا سحبت دمشق قواتها من لبنان. لقد فضل الحريري إبقاء نفسه في موقع المعترض، بدل الانضمام الكامل الى المعارضة، كي يحتفظ لنفسه بموقع الجسر السياسي، وبدور مركزي في الحوار المقبل. فإذا بشطبه يرمي بالآمال بالحوار في الحفرة العميقة التي احدثها الانفجار الذي اراده واضعوه هائلاً بحجم الحقد الذي يكنونه له، وبحجم الإصرار على منع استباق اي تعديل في ميزان القوى بتعديل معاكس. ويصبح إقبال المعارضة على هذا النوع من الدعوات الى الحوار، تسليماً بكسر ميزان القوى، وبالبقاء في الحفرة التي اراد الانفجار اسقاطهم فيها. وهو قد يكون نجح نسبياً في رميهم فيها. اما الدعوات العربية الى الحوار فليست سوى تسليم بالعجز عن اي حضور سياسي في البلد المأزوم، إنه كالمرور السياحي من امام الحفرة، قرب فندق فينيسيا...