"دولة الرئيس سندخلك الى الأكاديمية الفرنسية". ضحك رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري لسماعه هذا الكلام وقال:"تفضلوا بيستلموني لأن فرنسيتي مكسرة". لكن الحريري لم يتوقف عند حاجز اللغة فرغب بالرد على الصحافيين الفرنسيين والأجانب بلغة صديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لأنه كان يدافع عن قضية بلده بقوة وحرارة بعد التوصل الى"تفاهم نيسان". وترأس الحريري في ما بعد القمة الفرانكوفونية في هانوي سنة 1997، حيث فاجأ الجميع بخطاب ألقاه بفرنسية طليقة من دون خطأ. فقيل له:"دولة الرئيس كانت فرنسيتك جيدة، الظاهر أخذت دروساً"، فأجاب ضاحكاً:"دروس؟ لقد أعدت قراءة خطابي كل الليل وكل النهار ونمت معه كي لا أخطئ وتمرنت عليه من دون انقطاع. فمعي في الوفد ميشال اده ومروان حماده وبازيل يارد، فكيف أواجه سخريتهم من لغتي ولفظي بالفرنسية ان لم أتمرن؟". في هذا الخطاب فاجأ الحريري الجميع بمن فيهم صديقه شيراك، اذ دعا لعقد القمة الفرانكوفونية المقبلة في بيروت فيما كان العالم والرئيس الفرنسي وعدا رومانيا بذلك. فقال شيراك لصديقه:"عليك ان تتفق مع رومانيا وبعد ذلك يتخذ القرار". وهكذا انعقدت قمة الفرانكوفونية في بيروت بعدما اقنع الحريري في زيارته الى رومانيا، رئيسها بالعدول عن استضافة القمة لمصلحة البنان. لم يخطر في بال أحد ان يعقد مؤتمر وزراء منظمة"اوبك"في بيروت. اتصل الحريري برئيس المنظمة آنذاك، وزير النفط القطري عبدالله العطية، موجهاً دعوة الى المنظمة للاجتماع في بيروت. فقال له العطية:"تعرف مدى محبتي للبنان، لكن القرار ينبغي أن يحظى بموافقة وزراء الدول الأعضاء"، وانعقد المؤتمر في بيروت. وبعد ذلك دعا الحريري الى ان يكون لبنان مقراً ل"أوبك". اغتيال الحريري، طعنة ل"دينامو"لم يتوقف عن الحركة، فكان يتصل بهذا وذاك، من مسؤول كبير الى موظف صغير الى كل شخص كان يعتقد أن بإمكانه المساعدة في قضية يريد تحريكها. ومن قتله أراد في الواقع ضرب لبنان ومنعه من استعادة عافيته. فقد وقع الحريري على تعديل الدستور خوفاً على عافية لبنان، وقبل بتشكيل الحكومة بعد ذلك حرصاً على عدم القطيعة مع دمشق. فكان حريصاً جداً على الحفاظ على علاقة جيدة مع سورية، حتى انه أحرج أصدقاءه الفرنسيين قبل تكليفه بترؤس الحكومة. إلا أن قرار تنحيته أتى من دمشق، فأراحه وجعله يغادر الحكم. اليوم فقد لبنان ال"دينامو"الذي عمل من دون انقطاع إعلامياً ودولياً، لوضع البلد على خريطة العالم، واغتيل الحريري لأنه عصب التحرك الدولي لاستعادة لبنان لقراره واستقلاله. كان الحريري دائم التفاؤل، فبعد مؤتمر"باريس - 2"حيث حصل على دعم عربي ودولي، مكن البلد من الاستمرار حتى إشعار آخر، اقتصادياً ومالياً. قال أحد وزراء المال العرب المشاركين في المؤتمر:"نيال من له صديق مثل شيراك". فالرئيس الفرنسي دافع عن لبنان وعن قيادة صديقه الحريري كما يدافع عن فرنسا. فخرج الحريري سعيداً ومتفائلاً بعد"باريس - 2"كونه حصل على الدعم الذي مكنه من تدعيم الوضع الاقتصادي في لبنان حتى سنة 2005. وراهن بتفاؤل على مساعدة الشقيقة سورية لجهده في"باريس - 2"، فكان تفاؤله على الدوام محركاً له، لكنه اخطأ في التقدير. فقد حاول ان يسوق دولياً مع اصدقائه من كان يكرهه. تغلبت الكراهية على التفاؤل فاغتيل مع رفاقه وأبناء شعب أبرياء سقطوا في مكان أصبح أحد رموز عودة السياحة الى لبنان هو فندق"فينيسيا". اغتيل الحريري ومعه أمل عودة العافية الى لبنان وخسره صديقه شيراك، الذي لم يكن وحده من أدان الجريمة في فرنسا. فالحزب الاشتراكي الفرنسي المعارض دانها من جانبه كما دانها المجتمع الدولي بأسره، اذ ان الحريري كان لاعباً دولياً. انها ارادته في وضع لبنان على الخريطة الدولية هي التي أدت الى جريمة بحقه، على رغم قناعته بأنه وحلفاءه وليد جنبلاط والبطريرك صفير ولاحقاً العماد ميشال عون، كانوا سيتوصلون الى انهاء الوصاية السورية على لبنان بشكل مسالم. لكنه دفع الثمن بحياته ولبنان معه.