يحلم كثير من الشبان بأن يستيقظوا ذات صباح ويجدوا أنفسهم في عش الزوجية، بعد ان رسموا صورة فتاة أحلامهم في مخيلتهم لفترة طويلة من الزمن... أحد هؤلاء الشبان مثلاً يركز على الجمال ? طويلة وسمراء وعيون ملونة ? وينسج الخطط للتعرف إليها، لينتقل وبسرعة الى التفكير في حفلة الزفاف، ويصل الى الأولاد، فيبدأ بتسميتهم بعد ان يقرر ان الأول ولد والثانية بنت. وتكبر الأحلام رويداً رويداً، فيتخيل أبناءه يكبرون ويكبرون ... والحياة تغدق عليه بالرغد والنعيم, فيزداد فرحاً بعالمه الصغير, وقد تطول أحلامه وصولاً الى المشيب ورؤية الأحفاد. هكذا تمر الأيام والسنون من دون ان يرى هذا الشخص يوماً أسود... فالعمل متوافر وكذلك المنزل, والتفاهم الزوجي حاصل لا محالة مع العروس - فتاة الأحلام... كل يبرع في صناعة حلمه رامياً وراء ظهره مشكلات الحياة وتعقيداتها. محمد، في الرابعة والعشرين، يروي قصته مع فتاة أحلامه: "مذ كنت صغيراً كنت أقول لأمي أريد زوجة بيضاء عيناها خضراوان. قلت هذه الجملة من دون أن أعلم أنها ستكون الكلمة التي سيذكرني بها أهلي باستمرار". كبر محمد وكبرت معه فتاة أحلامه ليجدها ولكن مع فارق بسيط، فعيناها زرقاوان, تغيير طفيف ليس بالمشكلة الكبيرة، الا ان حلمه لم يستمر بسبب عدم رضا الأهل عنها فهي كما وصفوها "متحررة". وانتهت العلاقة بعد ثلاث سنوات. انتهاء حلم محمد في اليقظة لم يمنعه من متابعة البحث عن حلمه ثانية... يقول: "فعلاً، تعرفت الى فتاة، واستطاعت بخفة دمها ومزاجها الجيد دائماً ان تحقق كل الملامح التي كنت أميل اليها". وبدأ في نسج خيوط الحلم من جديد، الا انها بدأت تتقطع يوماً بعد يوم مع طرقة كل "خاطب" باب الفتاة، ليدرك بعدها صعوبة الحياة والعجز عن متابعة الحلم، خصوصاً انه عاجز عن التقدم منها كونه ما زال طالباً لا يكسب قوته بعرق جبينه. ربما تكون الأعذار التي يطلقها الشبان ازاء عجزهم عن شراء منزل أو تأمين فرصة عمل تمكنهم من بناء أسرة، مسألة واقعية, ولكن هل تكون عذراً مقبولاً لدى الطرف الآخر؟ نعيمة وهي زميلة محمد لا تختلف عن مثيلاتها من البنات اللاتي يفكرن بالزواج بعد حب. وتحلم بإقامة علاقة مع شاب، فتستمر وتعطي نتيجتها في الزواج. تقول نعيمة: "لكن سرعان ما يتحول الحلم الى سراب"، فنسمة هواء يمكن ان تقطع أوصال الحلم الذي بني أساساً على خيوط عنكبوت, خصوصاً عندما تكبر الفتاة عاماً بعد عام وتتجاوز العشرين من العمر، ويصبح الزواج ضرورة ملحة عند بعض العائلات خوفاًً من العنوسة"... تتابع نعيمة: "أصبحت المشكلات مع أسرتي تزداد يوماً بعد يوم، خصوصاً انني رفضت عرساناً عدة كانوا طرقوا بابي للزواج, وأصبح رفضي عند أهلي غير مبرر". ليس استمرار الرفض بحد ذاته ما يربك نعيمة، لكنه عجز الطرف الآخر عن التقدم الى الخطبة هو ما زاد الأمر سوءاً خصوصاً أنهما لا يزالان في مرحلة الدراسة. الزواج هو حلم بعضهم، ولكن ماذا يكمن بعد تحقيقه؟ استمرار الحب والعطاء؟ أم هو مجرد ارتباط يلغي ما سبق من غرام وهيام في اطار قفص الزوجية؟ يقول مصطفى ? وهو رب أسرة، ومتزوج منذ سنين ولديه ولدان - : "الزواج ارتباط والتزام، وعلى كلا الطرفين أن يراعي شعور الآخر ? ما يرغب فيه وما لا يرغب - في شكل متواز, الا انني لا أنكر ان الزواج يختلف تماماً عن الصورة التي يكونها أي شخص بمجرد النظر والتأمل في الزواج آخرين، فلكل علاقة خباياها". الزواج عند مصطفى التزام وارتباط, خصوصاً انه بات بعد حياة العزوبية والحرية التي كان يعيشها، مجبراً على الرجوع الى المنزل في وقت مبكر مقاطعاً سهرات أصدقائه من الشباب، كما انه أصبح مضطراً الى مسايرة آراء زوجته في أن يلبس كذا ويبتعد عن ارتداء كذا كيف لا وقد أصبح رب أسرة محترماً وأن يتناول انواعاً معينة من الأطعمة, بعد ان كان يتناول الوجبات السريعة. والأسوأ من هذا وذاك برأيه أنه أصبح مرتبطاً بنظام معين من الزيارات العائلية في اطار علاقات اجتماعية ربما تكون مفروضة عليه. الزواج هو حلم الكثيرين من الشبان, لكنهم باتوا بالكاد يقدرون على تحقيقه... انه فخ يركض العازب اليه ليجد نفسه بعد فترة محبوساً في قفص ربما لا مخرج منه.