موضة العصر الآن في مصر هي تأخير سن الزواج. واصبح لكل شاب فتاة احلام لا يجدها سوى في الروايات، وتحلم الفتيات بفارس يأتي من زمن آخر على حصانه الابيض. واصبح المجتمع المصري يحفل بالعزاب والعوانس. مشكلة الزواج لدى الشباب هي الشغل الشاغل للباحثين الاجتماعيين لمعرفة اسباب تأخر سن الزواج، وكذلك الاسباب التي تعوق فكرة الزواج نفسها، حتى وصل عدد الدراسات في مصر عن هذه المشكلة تحديداً 645 بحثاً ميدانياً ودراسة منذ مطلع التسعينات وحتى وقتنا الحالي. ورصدت الدراسات ان الشباب في مصر منقسم الى ثلاث درجات تجاه الزواج: الدرجة الغنية تمثّل في مصر 25 في المئة من اجمالي الشباب، ويصل سن الزواج فيها الى 39 سنة عند الرجال و23 عند النساء، وهي نسبة لا يستهان بها، خصوصاً لدى طبقات تستطيع ان تتزوج في اي وقت من دون معوقات مالية، والدرجة الثانية هي الشباب المتوسط الدخل ويمثل اكبر نسبة من الدرجات الثلاث حيث تصل الى 60 في المئة من اجمالي الشباب في مصر. وهناك في هذه الدرجة من يصل سنّه الى الخامسة والاربعين حين يبدأ حياته الزوجية، وهناك ايضاً من يفوته "قطار الزواج" وهي نسبة تمثّل 10 في المئة من الشباب المتوسط الحال، اما الفتيات فيتزوجن اذا تزوجن، في ال32 من العمر، اي الفترة التي تعتقد فيها الفتاة المصرية انها اصبحت من العوانس ولا بد من زواجها بأي طريقة كي لا يفوتها هي الاخرى "قطار الزواج"، وبالطبع تزداد في هذه الطبقة بالذات نسبة العوانس وتصل بين النساء الى 12 في المئة. والدرجة الاخيرة هي الطبقة الفقيرة حيث تمثل في المجتمع المصري ككل 40 في المئة، ونسبة الزواج فيها مرتفعة الى حد ما، بل يصل معدل سن الزواج الى 28 عاماً عند الرجال و26 عند الفتيات، وهو ما يلفت الانتباه قياساً الى العوائق الاقتصادية المهمة. هذه خلاصة الدراسات التي تمت عن الزواج في مصر بين الشباب. لكن عندما نزلنا الى الشارع المصري عرفنا ان مشاكل زواج الشباب لها ابعاد اخرى كثيرة لم تكن في الحسبان. يقول عبدالرحمن المخزنجي وهو مهندس في احدى شركات الغاز في مصر وعمره 26 عاماً: افكر في الزواج منذ تخرجي من الجامعة. فجميع المشاكل التي تقابل الشباب في مصر لاتمام زواجه كالشقة وفرشها لا تعنيني، فالوظيفة التي اعمل بها تعطيني مرتباً خرافياً لو قورن ببقية الوظائف الاخرى. لكني الى الآن لم اجد الفتاة التي تصلح لي زوجة، فقد دخلت اكثر من بيت وتعرفت على اكثر من فتاة لكنني اكتشفت انهن جميعاً لا يستطعن المحافظة على بيت وتحمل مسؤوليته. الفتاة الآن لا تريد ان تتعب في أي شيء. بل هناك نسبة كبيرة جداً من الفتيات لا يدخلن المطبخ مطلقاً، وانا كرجل شرقي اعمل طوال اليوم، يهمني جداً ان تكون زوجتي "ست بيت" من الدرجة الاولى. ولا يمكنني التصور ابداً ان أعود الى البيت بعد العمل الشاق لأجد زوجتي جالسة امام المرآة تنظر الى جمالها، وتعتمد، كما سألتني احدى الفتيات "لمن فتحت المطاعم؟". لذلك ابحث عن الزوجة التي تدير هي شؤون حياتي لا من تفكر في نفسها وفي جمالها ورشاقتها. بالطبع كل ذلك مطلوب، لكنه شكلي فقط، والمهم عندي هو الجوهر!!!. أما عمرو جابر موسى وهو طبيب ومعيد في كلية الطب جامعة القاهرة - القصر العيني 27 عاماً فيقول: المشكلة الاقتصادية هي السبب الاكبر في تأخر الزواج عند الشباب، لكنني كشاب في بداية حياتي أعتقد بضرورة المشاركة بين الشاب والفتاة للتوصل الى الامكانات التي تعجل من الزواج، اي ان نكون شريكين في كل شيء. انتهى عصر الرجل المسؤول عن الابرة والصاروخ في البيت، الحياة الاقتصادية الآن لا تسمح بذلك على الاطلاق. الفتاة الآن تعمل مثلها مثل الفتى. فما المانع من ان تنقسم الحياة على الاثنين. وهذا هو سر تأخر زواجي، فأنا أملك ما يمكن ان اعيش به بمفردي ويزيد بعض الشيء ولكن لا يمكن مطلقاً ان تحدث في حياتي طفرة مالية لأني في اخر الأمر موظف. وعندما اتقدم لأي فتاة لأتزوجها اجدها تضع شروطاً يعجز اي شاب في سني عن تلبيتها. أعرف ان الزواج له اولويات كالشقة وبعض المستلزمات المنزلية، لكن، ان تقول الفتاة انها تريد احدث الاجهزة فهل معقول لشاب في بداية حياته ان يشتري كل ذلك قبل الزواج؟ لذلك انتظر الفتاة التي يمكنها الاستغناء عن بعض الاشياء من اجل ان تستمر الحياة الزوجية ويمكنني وقتها ان اتزوج!!!. أما خالد مسعد وهو محاسب في احدى الشركات 36 عاماً فيقول: تأخرت كثيراً في الزواج وانا اعرف انه كلما تأخر سن الزواج كلما قلت فرصة اختياري للفتيات، لأنهن لا يردن رجلاً اكبر منهن بعشر سنوات مثلاً فما بالك بأكثر؟ وتأخرت كثيراً في الزواج لأنني بصراحة اطلب معايير عادية جداً ولا أجدها، فقليل جداً الآن ان تجد فتاة على قدر كبير من التدين. ثم انني لم اجد الفتاة التي تريد ان تعيش مع زوجها حتى ولو كان في جيبه قرش واحد لا غير. الفتاة الآن تهتم بنفسها وجمالها، لذلك فهي لا تريد ان "تهان" في الزواج. وعندما يصل الحال بالرجل لأي ازمات مادية في حياته تطلب الطلاق على الفور كما حدث لزملاء لي كثيرين. فمن يتزوج الآن من فتاة تصلح زوجة فقد فاز بالطبع. في بداية حياتي كانت لي قصة حب مع فتاة زميلتي في الجامعة، وعندما ذهبت لأطلب يدها قال لي ابوها: اريد شقة و"عفشاً" و"شبكة"؟ فكيف يطلب مني أب كل ذلك وانا ما زلت في بداية حياتي العملية؟ ان مغالاة اهل الفتاة في مطالب الزواج هي السبب الرئيسي في تأخر الزواج لهذه الدرجة، لأن الشاب يريد ان ينتظر حتى يكمل ما عليه من واجبات وعندما يوفرها لا يعلم هل يوافقون ام لا، انها مراهنة بالفعل!!. والزواج عند الفتيات له رؤية خاصة تختلف مطلقاً عن رؤية الشباب. تقول ايمان نصحي، تعمل مهندسة معمارية 27 عاماً، ان الزواج في التسعينات تغير مفهومه خصوصاً عند الفتيات. الفتاة الآن تصل الى الثلاثين وتفكر في الزواج. وهو سن مرعب لفتيات في الاجيال السابقة. لكن الفتاة الآن تتعلم وتريد ان تثبت ذاتها. وانا الى الآن على رغم تقدم كثيرين بطلب الزواج مني لم اقابل الشخص الذي اريده زوجاً لي. اختفى الرجال، فلم يعد هناك شاب يستطيع ان يتحمل المسؤولية. لم يعد موجوداً الشباب الطموح الذي يصل بطموحه الى السماء. انما اليأس هو الصيغة العامة بين الشباب، ولو فشل الشاب في حياته تراه يبكي وانا لا يمكنني ان اقبل ان يبكي زوجي لأي ظرف. فالفتاة تريد ان تتزوج رجلاً ترى فيه الامان والحماية. ولو شعرت الفتاة ان فيها صفات الرجولة اكثر من زوجها انتهت بذلك حياتها الزوجية، لذلك ابحث عن رجل بمعنى الكلمة لا عن اشباه رجال، وعندما اجده لا أخفي عليك أنني سأطلبه للزواج!! اما رانيا يوسف حاصلة على بكالوريوس التجارة 30 عاماً فتقول: لا يمكن لأحد ان ينكر ان الحالة الاقتصادية هي العائق الاول عند الشباب لاتمام الزواج، فأنا كفتاة لا يمكنني ان اتزوج شاباً لا يستطيع ان يوفر لي المعيشة التي كنت اعيشها مع والدي، والفتاة التي تقول غير ذلك تكذب. الحب موجود لكنه بعد الزواج يتحول الى حياة عملية، وقتها فقط تشعر الفتاة بأن هذا الحب تبخر في الحياة القاسية التي تعيشها، لذلك كثيراً ما تجد حالات طلاق كثيرة بين الشباب بعد سنوات قليلة من الزواج. الزواج مثل الطفل الصغير لا بد من توافر الرعاية الكاملة له وإلا مات. وانا لا أطالب بشيء غير معقول من اجل زواجي. لكني اطلب المعقول: مكان للمعيشة وفيه اجهزة تساعدني في العمل المنزلي. لأني امرأة عاملة، اعمل مثل الرجل وأكثر. لكن، عندما يأتيني عريس مثلاً يريد الزواج مني وهو لا يمتلك حتى منزل الزوجية، ويقول لي انه بعد الزواج سيتوفر لنا كل شيء، لا يمكن أن أوافق. هناك بالطبع فتيات يوافقن على ذلك رغماً عنهن، لكن، انا اريد رجلاً على قدر، و لو متواضع من، الامكانات. وفي ظل هذه الحال الاقتصادية يصعب ان تجد هذا الرجل. وأمر الزواج يختلف كثيراً عند نجلاء الوهيبي 28 عاماً وتعمل في مجال السياحة. وتقول ان الفتاة الآن تفكر ألف مرة قبل ان ترتبط برجل وتتزوج "فأن يطلق عليّ لقب عانس افضل بكثير من لقب مطلقة. فنسبة الطلاق بين الشباب كثيرة جداً وهم في سن صغيرة. والمجتمع الذي نعيش فيه ينظر للمطلقة نظرة مختلفة، بل وكثير من السيدات المتزوجات يشعرن بالرعب عندما يتعرفن على مطلقة. هذه هي عادات الشرق. لذلك فالزواج الذي يتم من دون توافق بين الطرفين سهل جداً ان يفشل، خصوصاً أن الشباب هذه الأيام عيونه فارغة. فلا أحد ينكر ان الموضات الجديدة وكثرة بيوت التجميل في مصر نشرت بين الفتيات التنافس في مقاييس الجمال. والشاب معذور في ما يشاهد. فاذا ارتبطت الفتاة بشاب عينه فارغة ككثير من الشباب، فحياتها ستكون جحيماً، خصوصاً لو كان حالته المادية ميسورة نوعاً ما، لذلك فمتطلبات الزواج رجل يصون بيته وزوجته، فأنا لكثرة ما رأيت من خيانات زوجية أشعر انه لا يوجد رجل لا يخون زوجته!!! لذلك الرجل المخلص في بيته وعمله اصبح عملة نادرة تماماً في هذه الايام. وثاني شرط لي في الزواج ان يكون هناك تكافؤ اقتصادي فلا يكون الشاب اقل مني في الامكانات لأن البنت مهما كانت درجة تعلمها تريد رجلاً يحتويها في كل شيء وحتى في المادة. وبالطبع لا يمكن لفتاة ان تتزوج رجلاً دخله مثلاً اقل من دخلها، الرجل وقتها سيشعر بنقص رهيب وهو ما يحوّل حياتهما الى جحيم. الزواج تكافؤ والتقاء روحي في المقام الاول. هذه هي بعض آراء الشباب في مشاكلهم لتأخر سن الزواج، وعنها يقول الدكتور أحمد المجدوب استاذ علم الاجتماع: "الزواج الآن اصبح من طموح الشباب. تخيل ذلك بعدما كان الشاب في الستينات وما قبلها بمجرد حصوله على وظيفة حتى ولو كانت درجة عاشرة يمكنه ان يفتح بيتاً ويكوّن اسرة كبيرة. الظروف تغيرت، واهمها على الاطلاق مغالاة الاسر في طلباتهم من الشباب المبتدىء، ولو توفر هذا لن تجد الشاب المكافح. كل شيء تغير واصبح عدم المسؤولية بل والخوف منها ينفر كثيراً من الشباب من الزواح، فنحن الآن نمر بمرحلة خطيرة في الحياة الاسرية، مرحلة الانتقال من الاسرة التقليدية المعروفة قديماً الى الاسرة المفتوحة المفككة، الأب مشغول طوال اليوم بعمله ليوفر الحياة الاقتصادية لأسرته، وكذلك الأم، فتجد الابناء ضائعين. وهنا لا يمكن ان ينشأ شاب سوي او فتاة، وبالتالي يؤثر ذلك عليهم في الكبر. فتجد الشاب يزداد تفاهة. والفتاة تهتم بنفسها اكثر من اي شيء، وتريد ان تتزوج من دون جهد لذلك فالاحصائيات تؤشر الى مؤشر خطير هو زواج الرجال كبار السن من فتيات صغيرات، وهنا الكارثة اذ تصل المشاكل ربما الى حد الخيانة!! اما الشباب او الفتيات فهم معذورون لتأخير زواجهم. فاعطني اسماء عشر عائلات في مصر يمكنهم ان يزوجوا ابناءهم وهم ما زالوا في بداية حياتهم وامكاناتهم ضعيفة. لا يوجد بالطبع، لذلك فالشاب معذور في تأخير زواجه وهي سمة العصر!!! ويقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشريف: ان الله عز وجل حث الشباب على الزواج المبكر، لأنه وقاية من الفتنة، والحديث الشريف يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما معناه تزوجوا ولو بحديدة، مشيراً الى الاصبع... وهي الدبلة المعروفة لدينا الآن. وعندما أتاه رجل يريد ان يتزوج قال له هل تحفظ سورة "الصمد" فقال نعم. قال فتزوج، اي معناه انه لو يحفظ قليلاً من القرآن فيمكنه الزواج. وقال لأهالي العروس: "خذوهم فقراء يغنهم الله"، مشيراً الى ان الله هو الذي يرزق الفقير وهنا اشارة الى الاهالي بعدم المغالاة في طلبات الزواج، فما يحدث الآن في المجتمع من اغتصاب وفتنة وضياع سببه بلا شك تأخر سن الزواج. وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه خرج منادٍ ينادي على الشباب ليتزوج من بيت المال، ولم يتقدم شاب واحد في كل الأراضي المسلمة لأنه لا يوجد شاب واحد اعزب. اما الآن فبين كل عشرة أو عشرين شاباً تقابلهم تجد واحداً منهم فقط متزوجاً. الدين يحث على الزواج، بل والزواج المبكر. وحذر الرسول الكريم من زواج العجائز بالشباب فقال: "اياكم والشباب فهم نار مضطرمة"، مشيراً كذلك الى صعوبة زواج الرجال العجائز من الفتيات الشابات خوفاً من الفتنة وهو ما يحدث كثيرا الآن. فلو تساهل الاهالي في الزواج أصبح ثلاثة أرباع المشكلة محلولة، والباقي يتوقف على الشباب انفسهم. انتهى كلام فضيلة الشيخ والعلماء، فهل يمكن ان تحل مشاكل زواج الشباب في مصر ولو في القريب العاجل، نشك في ذلك!!.