منير شفيق. تنمية انسانية ام عولمة: دراسة تحليلية لتقريري التنمية الانسانية العربية لعامي 2002 - 2003. دار الطليعة، بيروت. 4002. 561 صفحة. منذ فاتحة الكتاب يوضح المؤلف ان الدافع الرئيس للرد على تقريري التنمية الانسانية العربية 2002 - 2003 هو الاهتمام الدولي الذي حظيا به، والاستناد اليهما في الحملة الاميركية التي تشنها ادارة بوش على البلاد العربية، بما في ذلك الحرب على العراق. فمن يقرأ تعليقات الصحف العربية وعدد من المسؤولين وصنّاع القرار من الاميركيين والاسرائيليين والاوروبيين على السواء خصوصاً على التقرير الأول في 2002 يجد نوعاً من التركيز على نقطتين رئيسيتين: الأولى، ان المسؤول الأول والاخير عما آل اليه الوضع العربي من الوان التخلّف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكذا الأمر من أوضاع الأمية والاستبداد السياسي هم العرب وحدهم، ولا أحد غيرهم، بما يعنيه ذلك تبرئة الدولة العبرية وقوى الهيمنة الدولية والنظام العالمي الاقتصادي والسياسي وتدخلات السفارات والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وما شن على المنطقة من حروب. فهذه تمت تبرئتها من اية مسؤولية في التدهور المتعدد الاوجه الذي آل اليه الوضع العربي. وهو ما اعتبره منير شفيق خللاً شديداً في كل البنية التحليلية للتقريرين، فكيف لا يُعطى هذا العامل، لا سيما في التقرير الدولي الذي ذاع صيته عالمياً، أي دور حتى لو كان ثانوياً في مآلات الوضع العربي الراهن؟ اما النقطة الثانية فإهماله عند تحليل الواقع العربي لدور التجزئة والدولة القطرية باعتبارهما المصدر التفسيري للضعف العربي وغياب التعاون الاقتصادي والسياسي والنهضوي. ومن ثم فان ناقد التقريرين يعتبر كل تحليل للوضع العربي يُسقط من حسابه نهائياً التاريخ المعاصر للتجزئة والسيطرة الاستعمارية والمشروع الصهيوني، مروراً بضغوط الحرب الباردة، وانتهاء بالعولمة والمرحلة الراهنة، وان اختلفت او تعددت أشكال التدخل، مركزاً فقط على المسؤولية العربية، أنظمة ونخباً ومجتمعات... يأتي تحليله خاطئاً، وأحادي الجانب. وهذا بالنظر الى ضغط العوامل الخارجية والاستراتيجيات الدولية الكبرى في تحديد ملامح وشخوص الوضع العربي. من هنا يُفهم لماذا استقبل التقرير الاول بكل تلك الحفاوة والاطراء من الجانب الغربي، فأعلنت صحيفة"ذي غارديان"البريطانية مثلاً، بالبنط العريض، يوم 5-7-2002، أن"التهديد الأساسي الذي يواجه المجتمعات العربية لا يأتي من الغرب". على ان منير شفيق يتابع المؤلف الرئيسي للتقريرين الدكتور نادر فرجاني الذي عاد فقدّم نقداً ذاتياً للتقرير الاول تحت وطأة النقد أعلاه معتبراً في مقال نشر على صفحات"وجهات نظر"، العدد 47 كانون الأول ديسمبر 2002، أن"بلدان المنطقة تعيش صراعاً ضارياً يتكثف في مقاومة المشروع الاستعماري في الوطن العربي الذي يعود الى حرص القوى المهيمنة في النظام العالمي الراهن وحقبة راعي البقر الاميركي"، مشدداً على نقد العولمة والخصخصة واعادة الهيكلة الرأسمالية، علماً ان كل ذلك خلا منه التقرير الأول، بحيث يصعب نقد هذه الاشكالية في التقرير و"النقد الذاتي". لهذا عمد منير شفيق في سياق نقده الى الفصل بين التقريرين، لأن التقرير الثاني حاول، من دون ان يغيّر جوهرياً في نهج التقرير الأول، ان يدخل اشارات جانبية حول دور النظام العالمي والتدخلات الخارجية وجرائم الاحتلالين الاسرائيلي والاميركي في كل من فلسطينوالعراق، وذلك لتفادي تهمة اهمال العامل الخارجي، والاسرائيلي منه على وجه الخصوص، لكنه مع ذلك لم ينج من نقده، لأنه افتقر الى التماسك في ربط العلاقة بين العاملين الخارجي والداخلي، ولأن محصلة ما آل اليه الوضع العربي هو، بكل تأكيد، نتاج تفاعل متبادل بين هذين العاملين، ومن ثم لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض. لم يقتصر النقد في كتاب"تنمية انسانية ام عولمة"على مناقشة تلك الجوانب وانما حاول اظهار ما حمله التقريران من ضعف في المنهجية العلمية، من ذلك مثلاً اعترافه بالنقص الفادح في معلوماته وبياناته وضعف المقياس الذي وضعه للتنمية الانسانية، وهي المؤشرات الستة: العمر المتوقع عن الميلاد، ومستوى التعليم، والحرية، وتمليك المرأة، والاتصال بشبكة الانترنت، ومدى انبعاث ثاني اوكسيد الكربون، فيما مؤشرات"التنمية البشرية"المعتمدة من البنك الدولي وبرنامج الأممالمتحدة الانمائي الذي اصدر التقرير هي ثلاثة: العمر المتوقع، مستوى التعليم، ومتوسط الدخل الذي أسقطه مضيفاً المؤشرات الاخرى. وهذا المقياس ووجه بنقد شديد من طرف جلال أمين ومحمود عبدالفضيل وآخرين. وقد تساءل منير شفيق كيف يحق للتقرير ان يعترف بكل هذا النقص الفادح في البيانات والمعلومات والمؤشرات والمقاييس المستخدمة مثلاً مقياس"بيت الحرية"الاميركي ومع ذلك يخرج بكل تلك الاحكام القاطعة الجازمة في استنتاجاته؟وحتى نظرية"مجتمع المعرفة"لم تفلت بدورها من النقد ابتداء بارتباك التقرير الثاني في تعريف المعرفة وخلطه بتعريف الثقافة، مروراً بما وقع فيه من تناقضات بين علاقة مجتمع المعرفة بمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي، وبالقفز فوق ذلك للمطالبة بمواكبة مجتمع المعرفة العالمي. اما الفصل الثالث من الكتاب فينتقد التقرير الثاني من حيث نظرته"للمجتمع المدني"ونقده للاسرة الابوية و"أزمة اللغة العربية"، وهو ما يحتاج بدوره الى تعميق النقاش في هذه القضايا التي لا يصح ان يتم المرور عليها بصورة سريعة، من دون تمحيص للشائع من المسلّمات حولها. ولعل ما يلفت الانتباه ما جاء في نقد لمعلومة اشتهرت جداً عن التقريرين، وانساق وراءها كثيرون، وهي ان الناتج الاجمالي لاسبانيا يزيد عن الناتج الاجمالي لكل الدول العربية مجتمعة، وهي مقولة رددها الرئيس الاميركي بوش وعدد من الرؤساء والمسؤولين الغربيين والاسرائيليين، ناهيك عن المعلّقين الصحافيين. لكن الباحث الفلسطيني يفاجئ قارئه بثلاثة حقائق، الأولى ان الارقام التي وردت في التقرير الثاني اختلفت عن الأول، بلا تفسير لكيف حدث هذا، والثانية ان اسبانيا ليست ثانوية في الناتج الاجمالي، فناتجها الاجمالي رقم تسعة في العالم، وهي من هذه الناحية متفوقة على الهند والبرازيل وروسيا وغيرها من الاقطاب الدولية الأخرى، بل متفوقة حتى على بعض المجموعات الاقليمية من غير الدول الثماني الكبرى التي جاءت بعدها. ثم، وهذه فضيحة للتقريرين بحسب الكاتب، ان الناتج الاجمالي العربي يتفوق على ناتج اسبانيا، وذلك بالاعتماد على التقرير الاقتصادي العربي الموحد، عربياً، وعلى تقرير البنك الدولي، اسبانيا وعالمياً، بحوالى ستين بليون دولار. وبهذا يصبح المجموع العربي رقم ثمانية في العالم، داحراً وراءه كندا لتصبح رقم تسعة، واسبانيا لتصبح رقم عشرة، الأمر الذي يكشف عن مدى خفة التقريرين في استخدام الارقام والمقارنات، من دون اتهام بالتعمد. وهذا مع لفت الانتباه الى كون العرب قد حصدوا موقعاً ثامناً وهم مجزأون ومشتتون، فكيف سيكون حالهم لو كان هناك قدر من التكامل، ولا نتحدث هنا عن السوق المشتركة او الموحدة؟ هذه بالطبع مجرد اشارات لما ورد في الكتاب من نقد للتقريرين مما يصعب الرد عليه، لآنه التزم عدم اصدار أحكام عامة وقاطعة، واعتمد بدلاً من ذلك على تقديم ما يمكن تسميته بالبنية الداحضة للأسانيد النظرية والتحليلية التي وردت في التقريرين. لكن يبقى سؤال أخير، وهو كيف سيواجه منير شفيق التقرير الثالث الذي هاجمته الإدارة الأميركية ونفض برنامج الأممالمتحدة الإنمائي يديه منه؟