تذبذبت أسعار النفط في الأسبوع الماضي فوق مستوى 60 دولاراً متأثرة بانخفاض مخزون المنتوجات البترولية الأميركية من جهة وانخفاض الطلب على النفط في الولاياتالمتحدة من جهة أخرى بنسبة 2.8 في المئة عما كان عليه قبل عام. وأغلق سعر النفط الأميركي الخفيف عند إغلاق التعاملات في نيويورك مساء الجمعة على 62.63 دولار. وحقيقة الأمر أن الأسواق متأرجحة بين تيارين متناقضين، ومنتظرة إشارات واضحة قبل الاتجاه صعوداً أو هبوطاً في المرحلة المقبلة. ويعير التيار الأول جل انتباهه إلى الدمار الذي تركه إعصار كاترينا وبعده ريتا ويتوقع حدوث نقص في إمدادات وقود التدفئة في فصل الشتاء أو ارتفاع أسعاره إلى مستويات غير معقولة، وبالذات لأن المسؤولين عن الأرصاد الجوية في الولاياتالمتحدة يتوقعون شتاء بارداً نسبياً. أما اهتمامات التيار الثاني فتدور حول إمكان تخفيض استهلاك النفط، وپ"تحطيم الطلب"على المنتجات البترولية، وتقليص دور النفط في سلة الطاقة العالمية ودرء مخاطر موجة من التضخم يمكن أن تعصف بالاقتصاد العالمي نتيجة استمرار ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية بين حينٍ وآخر. ويتطلع أصحاب الرأي الأول إلى إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية التي ذكرت في 10 تشرين الأول أكتوبر أنه نتيجة للأعاصير، لا تزال ثماني مصاف بطاقة 2.1 مليون برميل يومياً مغلقة كلياً، هذا إضافة إلى عشرات المنصات البحرية المعطلة والتي لا يتوقع عودة بعضها للإنتاج قبل بداية العام المقبل. وذكرت إدارة خدمة المعادن الحكومية أن الإعصارين أغلقا ما مجموعه 50 مليون برميل من النفط الخام حتى الآن. ويشير هؤلاء إلى التنبؤات التي صدرت عن دائرة المحيطات والفضاء الأميركية في 12 تشرين الأول والتي توقعت أن تزداد برودة الطقس هذا الشتاء في الولاياتالمتحدة 0.4 في المئة عن معدلات المواسم السابقة وزيادة 3.2 في المئة عن برودة الطقس في الشتاء الماضي. ولا يعطي أصحاب هذه المدرسة اهتماماً كبيراً للكلام الدارج أخيراً عن"تحطيم الطلب"، ويشيرون إلى أن معدل استهلاك البنزين في الولاياتالمتحدة لا يزال عالياً ووصل في شهر أيلول سبتمبر الماضي 8.783 مليون برميل يومياً، ولم ينخفض إلا 131 ألف برميل يومياً أكثر من معدل الانخفاض المعتاد ما بين شهر أيلول سبتمبر وآب اغسطس. ويستدل هؤلاء بمؤشرات عالمية عدة تدفع بالأسعار إلى الأعلى، منها على سبيل المثال لا الحصر، زيادة استيراد الهند للمنتجات البترولية بنسبة أعلى 58 في المئة عن العام الماضي وذلك نتيجة قوانين أكثر صرامة في شأن نظافة المحروقات المستعملة في البلاد، وانخفاض مخزون النفط الخام الياباني 11 في المئة خلال الفترة الأخيرة نتيجة مساعدة الولاياتالمتحدة والحاجة إلى زيادة الاستيراد لمعالجة هذا النقص والوضع الياباني ينسحب في الوقت نفسه على مجمل الدول الصناعية، وإعلان الحكومة النروجية أن مستوى الإنتاج سينخفض في عام 2006 في ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم. ويقود الطرف الآخر الرئيس الأميركي جورج بوش وجميع المسؤولين المعنيين في إدارته. وقال وزير الطاقة صموئيل بودمان:"إن جميع أعضاء الإدارة، من الرئيس إلى أصغر مسؤول، معني بآثار ارتفاع أسعار وقود التدفئة على العائلة الأميركية". ولم يغب عن بال المراقبين أن شعبية الرئيس بوش قد انخفضت إلى الحضيض أخيراً، بسبب الحرب في العراق وارتفاع أسعار الطاقة. ولكن هناك من يشكك في جدية هذه الإدارة في التدخل الفعال لكبح جماح الأسعار بسبب نظرتها الأيديولوجية في معالجة الأمور من هذا النوع. والمؤشر الأساس الذي يتذرع به أصحاب مدرسة"تحطيم الطلب"حتى الآن هو انخفاض مبيعات سيارات الدفع الرباعي في الولاياتالمتحدة. فقد انخفضت مبيعات هذا النوع من السيارات في شهر ايلول لدى"جنرال موتورز"24 في المئة ولدى"فورد"19.5 في المئة. كما انخفضت مبيعات"تويوتا"في الولاياتالمتحدة لهذا النوع من السيارات المتعطشة للبنزين والديزل ما بين 24 إلى 47 في المئة، هذا في حين ارتفعت مبيعات تويوتا من السيارات الهجينة في الولاياتالمتحدة خلال الشهر نفسه إلى 8193 سيارة، بزيادة 90 في المئة. ومهما كان الأمر بالنسبة لصحة فرضيات هذه المدرسة أو تلك، فإن الحقيقة المهيمنة في السوق هي تواجد إمدادات كافية من النفط الخام، وأن العرض يفوق الطلب مما يشكل هاجساً للدول المنتجة، على رغم ارتفاع الأسعار الحالي، تخوفاً من انقلاب الميزان ضدها بسرعة في حال تغير المعطيات. واستبعد رئيس شركة"اكسون"ريكس تيلرسون في مقابلة صحافية له في موسكو في 11 تشرين الأول اكتوبر استمرار الأسعار على مستوياتها العالية لفترة طويلة وحجته في ذلك هو أن"الإمدادات الحالية تفي بالطلب ولا يوجد مما يدل على تغير هذا التوازن في الوقت الحاضر. ومن ثم فان أسعار النفط ستتراجع". وأضاف:"هناك نفط كاف في السوق ويمكننا شراء كل ما نحتاجه من نفط خام".