حظيت منطقة مكةالمكرمة بمكانة عالية ومتميزة بين المجتمعات منذ القدم وصولاً إلى يومنا الحاضر؛ وسبب هذا التميز ليس الموقع الجغرافي على الرغم من أهميته وتميزه، وليس السيطرة الاقتصادية على طرق التجارة، وليس العامل الديني أو الاجتماعي، وإنما ميّز مكة العديد من الإجراءات والأنظمة التي استحدثها قصي بن كلاب وسار عليها أبناؤه في مجال خدمة حجاج البيت الحرام، وحفظ الأمن للمسافرين، والأحلاف التي عقدتها قريش مع المجتمعات الأخرى والقيادات السياسية داخل الجزيرة العربية وخارجها، إلى جانب التنظيم الاجتماعي وتوفير سبل الرفاهية والراحة والأمان في المنطقة بصورة عامة، والمجتمع المكي بصورة خاصة. نعم، تباينت الإمكانات بين اليوم والأمس، وظلت الأهداف نفسها مع توسعها وتطورها، من خدمة ضيوف الرحمن وتسهيل الخدمات؛ فالمملكة العربية السعودية عملت وما زالت تعمل على تقديم أفضل الخدمات للحجاج والمعتمرين، وإتاحة الفرصة لأكبر عدد منهم للقدوم ومساندتهم في استكمال مناسكهم بكل يسر وسهولة، والذي يزور المسجد الحرام يدرك الفرق الكبير في الخدمات منذ دخوله إلى خروجه، مع تنوع مجالاتها من خدمات إلكترونية، وعربات تنقل، ومواد غذائية، ومواصلات، وغيرها الكثير. ولكن يجب أن ننبه إلى ضرورة تحسين بعض الخدمات البسيطة ذات الصلة بالزوار والمجتمع، ومن الممكن أن تتباين الآراء في هذا الموضوع من شخص إلى آخر؛ بناء على إمكاناته. وهنا نتحدث عن الخدمات المقدمة للزائر البسيط والمجتمع بصفة عامة. أضف إلى ذلك، يجب أن يتصدر المشهد الثقافي المجتمع نفسه وليس الوافدين، وهنا أقصد حديثي الوفادة إلى المنطقة؛ لقلة معرفتهم بتاريخ المكان وحضارته وثقافته. فإذا أخذنا مثالاً بأحد المنتزهات الجميلة والحديثة، حيث أبدع من وضع هندسته في أحد الأحياء في منطقة مكة، إلا أنه في فترة وجيزة تحول إلى منتزه سيئ المظهر بشع الهيئة؛ لأن رواده يرمون النفايات بدون أدنى مسؤولية، وجلساته غير مرتبة وغير ذلك، فهل هم بحاجة إلى وضع رقابة وغرامات حتى يلتزموا بآداب المكان؟! وفي السياق نفسه، تبذل إمارة منطقة مكة، والهيئة الملكية لمدينة مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة، وأمانة العاصمة المقدسة والعديد من القطاعات والمؤسسات الربحية وغير الربحية الجهود الكبيرة لتأمين الراحة وتوفير أبسط الخدمات لكم، فلماذا لا تتضافر الجهود للرقي بتلك الخدمات؟ نحن هنا لا نتحدث عن المشاريع الضخمة والكبرى الظاهرة للعيان، بل عن الخدمات البسيطة في مجال الترفيه، وزيادة عدد المتاحف، ومضاعفة الرقابة على جودة الطعام في المطاعم، والخدمات التسويقية. وفي مجمل القول: يجب أن نكون على يقين بأن الخدمات البسيطة لها أهمية كبيرة؛ لكونها تكمل تجربة الزائر، وتضمن للمجتمع الاحتياجات الأساسية، وغاية هذه الخدمات البسيطة تحسين جودة الحياة.