كشف مسؤول موريتاني بارز ان فكرة اطاحة نظام الرئيس المخلوع معاوية ولد سيدي أحمد الطايع تبلورت لدى عسكريين موريتانيين قبل عامين على الأقل، لكن تنفيذها احتاج الى تخطيط وتنسيق طويلين. وقال المسؤول الذي رفض كشف اسمه، ان معطيات داخلية في الدرجة الأولى كانت الحافز الأساسي أمام"مغامرة"محسوبة بهذه الأهمية روعي ان تُنفذ بدقة وعناية وان تحشد تأييد الموريتانيين المتذمرين من حكم الرئيس ولد الطايع الذي قال المسؤول عنه ان"أصبح مزاجياً وكان مصاباً بأرق في السنوات الأخيرة من حكمه، غير انه كان يتغلب على أرقه باتخاذ اجراءات متناقضة وشخصية"مكّنت أفراداً من قبيلته وأسرته المنتسبين الى"السماسيد"من الاستئثار بالحكم والمال والمشاريع، على حد زعم المسؤول الموريتاني الذي كان يتحدث الى"الحياة"في نواكشوط بصراحة متناهية. وقال المسؤول ان المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تزعمها الرائد صالح ولد حنانا عام 2003 وقادها ضباط من ذوي النزعة القومية كانوا في غالبيتهم ينتسبون الى قبيلة"أولاد الناصر"المتأثرة نخبهم بالفكر الناصري ويتحدرون من منطقة العيون شرق البلاد، كان لها الأثر البالغ في بلورة الوعي بضرورة اطاحة النظام. لكن ولد حنانا سوّق لمحاولته الانقلابية أوراقاً سياسية داخلية تتعلق بالقمع الذي تعرّضت له فصائل المعارضة والعلاقات الديبلوماسية المقامة مع اسرائيل على صعيد العلاقات الخارجية، علماً انه تأثر، كما يقول بعض المصادر، لتأثر الرائد مولاي بوخريص المتحدر من قبيلة الرقيبات ذات الانتساب الصحراوي، الأمر الذي دعا تيارات موريتانية الى اعتبار المحاولة الانقلابية بمثابة انقلاب على التركيبة السكانية للبلاد ويهدف الى منح جبهة بوليساريو والمنتسبين اليها المقيمين في موريتانيا وضعاً متميزاً ظل الموريتانيون ينظرون اليه بحذر منذ تورط بلادهم في حرب الصحراء قبل التزامها نوعاً من الحياد ازاء تطورات هذا النزاع. واضاف المسؤول ان قيادات في الجيش الموريتاني تنبهت الى هذه المجازفة التي كان يمكن ان تؤدي الى تفكيك المؤسسة العسكرية وهيمنة تيارات خارجية داخل البلاد، فتصدت لافشال المحاولة الانقلابية التي تزعمها ولد حنانا، على رغم انها لم تكن تنظر بارتياح الى قيادة الرئيس معاوية خلال تلك الفترة وكان يُفترض منطقياً وعملياً نجاح المحاولة التي تورط فيها سلاح المدرعات. بيد ان الصدفة وحدها، كما قال مسؤول عسكري موريتاني، جعلت الرئيس الموريتاني يوجد في ثكنة الحرس الوطني التي تصدت للمحاولة بقوة، وساعده في ذلك ان الضباط المنتسبين الى قبيلة"أولاد ناصر"كانوا على خلاف مع ضباط ينتسبون الى قبائل أخرى، ما سهّل مهمة الحرس الرئاسي بزعامة محمد ولد عبدالعزيز، المسؤول البارز حالياً في المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية الحاكم حالياً، على رغم ان كل المؤشرات كانت تفيد آنذاك بنجاح محاولة قلب نظام الحكم. غير انه لأسباب مجهولة تمكن صالح ولد حنانا من الفرار الى بوركينا فاسو والتخطيط برفقة الرائد عبدالرحمن الميني لمحاولة انقلاب ثانية لإطاحة النظام اختار لها صيف العام 2004 وتضمنت الاجهاز على الرئيس ولد الطايع في الطريق الى مطار نواكشوط عندما كان يعتزم القيام بزيارة لفرنسا، ما يعني استمرار وجود موالين لولد حنانا داخل الجيش على رغم فشل محاولته الأولى عام 2003. ويعتقد بعض المصادر التي تحدثت الى"الحياة"انه بالقدر الذي كان لولد حنانا اختراقات داخل الجيش، كان الموالون للنظام أشد حرصاً على اختراق جماعة ولد حنانا، ما مكّن من اعتقاله لاحقاً في منطقة روسو التي يُطلق عليها الموريتانيون اسم القوارب على الحدود الجنوبية للبلاد من السنغال. إذ تعزو المصادر اعتقاله الى التنصت على مكالماته الهاتفية مع سكان أحد المنازل التي عُثر فيها على كمية كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية التي كانت ستستخدم في المحاولة الانقلابية الثانية. غير ان هذه التطورات داخل الجيش أدت الى تذمر في أوساط المؤسسة العسكرية، خصوصاً في ضوء زيادة أعباء الحرس الرئاسي المكلف حماية رئيس البلاد، في وقت تدنت شعبيته في ضوء شنه حملة على الزعامات والتيارات الاسلامية. وقالت المصادر ان تلك الحملة هدفت الى ابراز ان أزمة النظام السابق تندرج في سياق"الحرب على الارهاب"التي أراد ان يفيد منها نظام الرئيس ولد الطايع لارضاء الولاياتالمتحدة وفرنسا والحصول على مزيد من الدعم السياسي. ودفعت تلك التصرفات التي قام بها النظام اعداداً من ضباط الحرس الرئاسي وأجهزة الأمن الوطني ووحدات الجيش الى التفكير في التخلص من النظام الذي يقول عنه عسكريون من متزعمي الانقلاب الأخير انه"ورطهم في نزاعات وحسابات كانوا بعيدين عنها"، وانه اذا لم يكن ممكناً الاستمرار في حماية الرئيس ودعمه أمام تزايد النقمات الشعبية فلا أقل من التخلص منه بطريقة واقعية وعقلانية لا تهدر الدماء ولا تزج بالبلاد في حروب قبلية أو أهلية. الى ذلك، كشفت المصادر ان متزعمي انقلاب 3 آب اغسطس الجاري وضعوا قوائم سياسية وعسكرية باسماء المستفيدين من نظام الرئيس السابق، ووجدوا ان قيادة قوات الدرك ستشكل العقبة الرئيسية أمام اطاحة النظام، كون قائد الدرك الرائد ولد الريحة من أبرز القريبين من ولد الطايع الذي كان عيّنه بهدف رصد تحركات الجيش، على غرار النمط الفرنسي، لكن بصلاحيات واسعة تبدأ من السياسة وتنتهي في المشاريع الاقتصادية والتجارية. كما خلصوا الى ان مسؤول أمن الدولة الداهي ولد عبدالله، أحد اقارب الرئيس، متورط في اعتقالات طاولت زعامات اسلامية وتُنسب الى جهازه ممارسة التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان. كذلك شملت القوائم شخصيات متنفذة في قطاع الاعمال والتجارة. وشددت المصادر على ان الانقلابيين حرصوا على وضع خطة لعملهم لا تؤدي الى سقوط ضحايا، وان الخطة قضت أولاً بالسيطرة على مقر الرئاسة، وكان ذلك في متناول اليد كون محمد ولد عبدالعزيز يرأس الحرس الرئاسي، ثم وزارة الدفاع ومقر الاذاعة والتلفزيون. وقالت المصادر ان طلقات الرصاص المعزولة التي سُمعت في نواكشوط صباح الانقلاب تمت في مقر قيادة الدرك بعدما رفض الرائد ولد الريحة الامتثال لأوامر متزعمي الانقلاب، لكن تلك الطلقات كانت في الهواء وللتحذير فقط وبمثابة"رسالة"الى ولد الريحة. وما زال الأخير موقوفاً حتى اليوم. وكشفت المصادر ذاتها ان الرئيس ولد الطايع ظل على اتصال مع قيادة الجيش والحرس لدى علمه بالمحاولة الانقلابية، خصوصاً مع أفراد متنفذين من قبيلته واقاربه. وقالت انه كان يتلقى معلومات تؤكد السيطرة الكاملة على الوضع، تماماً كما كان عسكريون موالون له يسمعون الكلام نفسه عن استتباب الوضع لمصلحتهم، في حين ان الأمور كانت معاكسة تماماً وكان الانقلابيون يحرصون على اتمام مهمتهم قبل اذاعة البيان الرقم واحد في الاذاعة والتلفزيون. ويقول مؤرخ معروف ل"الحياة"ان هذه الطريقة حيلة عربية يتقنها أهل الصحراء الذين ينظرون بعيداً فلا يرون غير فضاء الصحراء أو البحر أو السماء. لكن صحراوياً من"اطار"غاب عنه ان ينظر الى ما هو أبعد من مجال نظره واستسلم الى مشاعر السلطة في يديه. وحين دخل عليه بعض مساعديه في قصره وجدوا دخاناً كثيفاً قالوا انه من فرط التدخين. لكن آخرين قالوا انه كان دخاناً يحجب الرؤية، فلم ير ما يحصل حوله.