أتلقى باستمرار، بكل الوسائل المتاحة خصوصاً البريد الالكتروني، مادة لا سامية قد تكون على شكل مؤامرات يهودية مزعومة او المسؤولية عن ارهاب 11/9/2001 وقد تلقيت أخيراً اخباراً عن ثلاثة أميركيين في قضايا نصب واحتيال، لم أفهم في البداية أهميتها، ثم لاحظت ان الثلاثة من اليهود الأميركيين. هناك لا سامية ولا فائدة من إنكارها، وهناك حرب على الإسلام والمسلمين، والمتطرفون يغذون وجود أحدهم الآخر، وإن كانوا لا يبررونه، ويجب التصدي لهم جميعاً. فهمت ان جاك ابراموف الذي كان من رجال اللوبي للحزب الجمهوري، دين في فلوريدا الشهر الماضي بتهمة النصب والاحتيال، وان ديفيد صفافيان، وهو رئيس دائرة في مكتب الادارة والموازنة، كذب في شهادة له عن ابرام، ويواجه تحقيقاً بدوره. ثم هناك صموئيل اسرائيل الثالث الذي اتهمه محققون فيديراليون بالاحتيال على مستثمرين في شركة بايو التي ترأسها بمبلغ 300 مليون دولار. لا أجد في ما سبق أكثر من مادة للقراءة، وقتل الوقت ان بقي للواحد منا وقت فراغ. ثمة أمور أهم بكثير منها أئمة مساجد في لندن وغيرها يحرّضون على الارهاب، من نوع عمر بكري محمد وأبو حمزة المصري وأبو قتادة الفلسطيني. وهناك حاخامات للمستوطنين مثلهم في التطرف والسوء، الا ان أخبارهم لا تصل إلينا. ثمة قضايا حقيقية يمكن للواحد منا ان يبدي رأيه فيها تأييداً أو معارضة، من دون أن يخترع قضايا غير موجودة، أو مضاعفة حساسية أوضاع تحتاج الى تنفيس لا زيادة الاحتقان. وعندي ثلاثة أمثلة على مواضيع للدرس: - الأخ أحمد الطيبي، عضو الكنيست، استجوب في مقر الشرطة الاسرائيلية في بيتح تكفا بتهمة زيارة"دولة عدوة"هي لبنان، وعلى خلفية تصريحاته في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ومنها"جئت لأنحني أمام من استشهد في سبيل فلسطين". وبلغني ان الدكتور الطيبي اعترف ب"التهمتين"المنسوبتين اليه، الا انه رفض الرد على اسئلة المحققين التي اعتبرها استفزازية او ذات طابع سياسي. كنتُ حدثت الدكتور الطيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير، بعد يومين من عودتي من نيويورك حيث سمعت وزير خارجية اسرائيل سيلفان شالوم وهو يفاخر بمقابلة عشرة من"زملائه"الوزراء العرب والمسلمين. الوزير يقابل عرباً ومسلمين، وعضو الكنيست يُهدد بالمحاكمة لأنه أجرى اتصالاً مع العرب أنفسهم الذين يحاول شالوم هدم"الجدار الحديد"الذي فصل دائماً اسرائيل عنهم. لو ان وزير خارجية لبنان فوزي صلوخ قَبِل رؤية شالوم في نيويورك لاعتبر هذا الاتصال بالوزير اللبناني اختراقاً أهم من أي اجتماع آخر له. في كل يوم عندي سبب اضافي لمعارضة حكومة مجرمي الحرب في اسرائيل. - المجلس الاسلامي البريطاني يعارض اليوم التذكاري لضحايا الهولوكوست المحرقة النازية وقد طالب حكومة توني بلير بإلغائه بحجة انه لجماعة واحدة ويعزل الآخرين، ويعطي اشارة خاطئة للشبان المسلمين. ووجدت من يؤيد المجلس الاسلامي، فقد كتب مارسيل برلينز في"الغارديان"يقول:"ان ضحايا الهولوكوست لهم يوم تذكاري، غير ان ضحايا الفظائع الاخرى لا يوم لهم. ألم يحن الوقت للتخلي عن الفكرة كلها؟". أقول للمجلس الاسلامي وبرلينز انهما مخطئان، وهناك ضحايا من شعوب أخرى، الا انهم لا يمنعون تذكر المحرقة النازية، فهي تظل الأكبر والأفظع في التاريخ الحديث. اذا كان عندي من أمل بالسلام يوماً بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فالسبب الأهم هو ان جميع"المجازر"المتبادلة بين الشعبين في نصف قرن من الزمان أو أكثر لا تتجاوز ضحايا يوم واحد في اوشفيتز او تريبلنكا. أرجو ان تركز الجهات المعنية، بما فيها المجلس الإسلامي البريطاني، على حيث يجب التركيز، فواجبنا منع إطلاق التحريض من صفوفنا، وواجبنا إدانة التحريض على العرب والمسلمين، وأكمل بمثال صارخ عليه: -"آخر فرصة للغرب: هل سنربح صراع الحضارات؟"كتاب من تأليف توني بلانكلي، محرر صفحة الرأي في"واشنطن تايمز"لم أقرأه، ولن أقرأه، وإنما قرأت ثلاث حلقات طويلة عنه في الجريدة الليكودية تكفي أساساً لسؤال وزير الداخلية البريطاني تشارلز كلارك هل يمكن ان يُتهم المؤلف بالتحريض بحسب القوانين التي تعدها الحكومة البريطانية؟ أول حلقة كان عنوانها"تهديد إسلامي من نوع التهديد النازي"، وقالت أول فقرة"ان التهديد الإسلامي الراديكالي في أوروبا هو بتفاصيله كلها عظيم على الولاياتالمتحدة عظم التهديد النازي لأوروبا في الأربعينات". وقالت الفقرة الثانية:"لا نستطيع تحمل خسارة أوروبا. لا نستطيع تحمل رؤية أوروبا وقد تحولت الى منصة إطلاق للجهاد الإسلامي". المقارنة سخيفة من كاتب بذيء يحاول ان يوازي بين قلة من الارهابيين وأقوى دولة عسكرية في وسط أوروبا في الأربعينات، والكلام كله بعد ذلك من هذا المستوى المنحط فهناك عقم أوروبي، وأعداد المسلمين قد تؤدي الى انهيار الحضارة الغربية، وأوروبا في قوقعتها، والاسم الآخر للراديكالية الإسلامية هو الفاشية الإسلامية، والحرب العالمية الثانية كانت"طيبة"ومثلها الحرب على الارهاب الإسلامي، فلا شيء أعظم من هذه القضية. وأخيراً يكرر: أوروبا المتأسلمة ستكون خطراً عظيماً على الولاياتالمتحدة اليوم من حجم خطر أوروبا نازية في الأربعينات. أزعم ان مثل هذا التحريض أسوأ كثيراً من تحريض بكري وشكري وحمزة وهمزة، فهؤلاء مفضوحون إلا ضمن أضيق نطاق، أما توني بلانكلي والموتورون مثله فيغلفون تحريضهم بأكاديمية زائفة، ويجدون آذاناً صاغية في مراكز القرار. ومواجهة أمثاله أهم كثيراً من انتقاد ذكرى الهولوكوست فالمحرقة تستحق ان نتذكرها جميعاً.