بدأت المذيعة انتصار يونس في مستهل عملها الإعلامي محررة ومراسلة لوكالة"سانا"السورية للأنباء، ولأن التلفزيون صار الأكثر سطوة وجدت انتصار فيه ضالتها، فقررت الدخول الى عالم الصورة، مقدمة اخبار، ومحاورة سياسية في برنامجها"الخامسة والعشرون"هي التي درست علم النفس في جامعة دمشق كما درست سيكولوجيا الإعلام، وتحضر حالياً لرسالة الماجستير في الرأي العام. توضح انتصار يونس آلية عمل الإعلام السوري والتلفزيون بخاصة، وإشكالاته المعقدة وكيف تجاوزتها قائلة:"يعاني الإعلام السوري من إحباطات كثيرة، وهي ليست مسؤولية شخص، او وزارة، او إدارة، بل مرتبطة بآلية عمل خاطئة كرست خلال سنوات طويلة، ولا يمكن تغييرها في ليلة وضحاها. اضافة الى انغلاقه، وبعده عن التجارب الأخرى، وهنا أتحدث على مستوى المؤسسة، وليس على مستوى الأفراد، لا سيما انهم يخضعون لدورات تدريبية خارج سورية، وفي محطات عالمية، لكن عندما تتخطى الحال الفردية مستواها الإعلامي في التلفزيون السوري، تهجره، لذلك لا ينعكس التأثير في التلفزيون السوري، اضافة الى اصطدام الحال الفردية، مع صانعي القرار الإعلامي في مستوياته العليا، وبخاصة في الهوامش المعطاة، فيتدرج القرار ويضيع بين مفاصله الكثيرة، كل مفصل ينتزع جزءاً من الهامش، حتى نصل الى المفصل الأخير من دون هامش، مع ذلك هناك هوامش كثيرة، وبخاصة في هذه المرحلة السورية، وعلى الإعلامي التقاطها. وأنا ضد القول ان لا هوامش ابداً، فما على الإعلامي سوى فهمها، وعندئذ سيبدع في عمله، حتى ولو كانت في اضيق حالاتها، ولي تجربة في هذا الخصوص مثلاً تعاطيت مع حدث انهيار سد زيزون، الذي تعاملت معه وسائل الإعلام، وكأنه امر عادي، في حين انني خرجت مع الكاميرا من دون اي اذن من احد، ورفضت حال الالتفاف، وظهرت على الهواء مباشرة من دون رقابة، وغطيت الحدث بأسلوب قد لا ترينه في CNN، ولم يحدث لي شيء لا بل كوفئت". تبدل سري وتتابع انتصار حديثها عن اثر تغيير الإدارات وأصحاب القرار في التلفزيون السوري قائلة:"هناك نظريتان تتحدثان عن التغيير: الأولى تتعلق بالقاعدة، وأخرى عن قمة الهرم، وأرى ان المسألة متكاملة، ونظام متكامل، والمشكلة التي نعانيها اليوم، هي في الانقلاب السريع في تبدل المديرين، وعدم الاستمرار، وعدم الجدية في دراسة لإمكانات هذا المدير او ذاك او كفايته الإعلامية، بقدر ما تأتي على اساس شخصي، ويقوّم ايضاً بعد اخضاعه للتجربة، والكارثة اننا نفتقد لاستمرارية الجيد، وتظهر انعكاساته السلبية على آلية عمل الوسيلة الإعلامية، وعلى طاقمها، مثلاً: قد يعين اليوم مدير منفتح وحضاري، وتظهر لديه امكانية تأسيس لبنة اعلامية جيدة، وبعد غد، يبدل ويأتي آخر، منغلق ومناقض تماماً، فيهدم ما بناه المدير السابق. لا ينظر الى الإعلام، وتطويره على اساس كتلة متكاملة، بل ينظر إليه على انه فرد يناسب او لا يناسب وجهات النظر العليا، فإن ناسبها فهذا جيد، وليس مضموناً في المستقبل من يأتي بعده، إما ان يكمل المشوار او يعيد دفة الأمور الى الوراء، وأطلقت شعارات في سورية، حملت بين طياتها، تغيير الكثير من الأمور السائدة "محاربة الفساد، والتغيير الإداري، واستخدام مصطلح العصا السحرية، وأراه مناسباً في هذه المرحلة الانتقالية وهي مرحلة لم تستقر بعد في شكلها العام، وعلى الصعد كافة، فإذا كانت الرغبة الصادقة في التغيير موجودة، فحتماً ستهيأ الأمور لكي تكون افضل وبخاصة على مستوى الإعلام، والضرورة تقتضي هنا، الابتعاد عن رموز الإعلام الإدارية، وعن اولئك الذين توالوا على الإعلام، في فتراته السابقة لسنوات عدة، تكرست معهم اللغة المتكلسة، التي جمدت المشهد الإعلامي السوري". "احتضان مفقود... تصفيات شخصية" وعن جانب آخر من المشكلات التي تواجه الإعلامي السوري تقول انتصار:"نحن نفتقد الى احتضان الإعلامي على مستوى القرارات او على مستوى الإدارات، وتبني الجيد، وفسح المجال له. نحن نملك امكانات إعلامية متميزة، ولا احد ينكر وجودها في كل المحطات، والصحف العربية، لكننا في حاجة الى ابعاد الإعلامي عن الترهات والتصفيات الشخصية القائمة بين المديرين، او المؤسسات التي يرتبط معها، ونرجو معاملته كإعلامي فقط، وأن تفصل الإدارة بين علاقاتها مع موظفيها، ومواقفها الشخصية منه". وتضيف:"تخيلي انك في يوم تكونين عندهم في السماء ويوم آخر في الأرض، ولا تجدين مبرراً لهذا الانقلاب، متناسين ان الإعلام في النهاية هو اعلام رأي... والرأي لا يخضع ابداً للمزاج". وبررت انتصار عدم استجابة الإعلام السوري السريع لحدث قائم على ارضها قائلة:"سأتحدث عن التأخير في بث الخبر السوري بغض النظر عن احداث المزة او غيرها، إن كنت تشيرين إليها، فالتأخير غير مقبول ابداً، لأن الخبر هو سبق، والحدث موجود على ارض الشام ويجب ان يخرج الخبر من داخلها مباشرة، تضاربت الآراء حول تغطيته، ورأى انها كانت متقدمة جداً عن تغطية احداث سابقة". وتنتقد انتصار الإعلام العربي الذي"لا يرسم صورة معينة عن الواقع العربي وعن متطلباته ولا تجمعه حال عربية واحدة"، وتسأل: ماذا يعني الإعلام الخاص؟ هل يعني ان اقول ما اقول، فإذا كان معي مليون دولار اقول ما اريد بغض النظر عن عروبيتي؟ فكل يغني على ليلاه، وكأنه غير معني بأمته، وكيف يستغل الأحداث لمصلحتها، متناسياً ان وسيلته الإعلامية قادرة على صنع الرأي. وما اشبه إعلامنا بحال الأمة العربية، احياناً تغيب محطة ما وجهات نظر لمصلحة محطات اخرى لا تخدم الواقع العربي، وتجربة"الجزيرة"التي اعتبرها اهم التجارب الإعلامية العربية، كان يمكنها منذ بدايتها التأسيس لواقع اعلامي عربي يجتمع على فكرة معينة، إلا انها لم تحافظ على خطها، فتعاملت مع إعلام مغلف بصورة عربية جميلة، حتى وإن كانت تنتقد وتشتم، وتحولت الى محطة شخصية، ربما يعود الأمر الى تغير إدارتها وتغير بعض محرريها، اتحدث الآن عن إحساسي كإعلامية في اداء"الجزيرة"، قد يكون لدي دليل لكن لست بوارد ذكره وهذا خسارة للعالم العربي، وقد انحسر مفعولها وتأثيرها في المشاهد العربي". "عزمي بشارة... وحوار العقل والقلب" وعن تجربتها في البرنامج السياسي"الخامسة والعشرون"تقول انتصار:"تجاوزت التقليد العام الذي كان سائداً ان تبقى المذيعة قارئة للأخبار، او مختصة في برامج المنوعات، وسلكت طريق المحاورة السياسية في التلفزيون السوري، وكان الأمر يحتاج الى المبادرة فقط، وهذا البرنامج ليس اهم تجربة بالنسبة إليه، كان نقلة جميلة في مجال التعاطي السياسي، وحقق نسبة مشاهدين لا بأس بها، داخل سورية وخارجها، أستعين بالمحليين، والباحثين للمشاركة في البرنامج، ومن جهة اخرى أحرص بين الحين والآخر على تقديم سلسلة ندوات أستضيف فيها شخصيات سياسية مهمة، وإذا سألتني عن اهم شخصيات حاورتها، اقول لك انه عزمي بشارة، كان لقاء من القلب الى القلب، وكان حوار العقل، والقلب والوطن، كانت لي تجربة سابقة - برنامج السابعة والنصف - وهي تجربة مهمة جداً، تمتعت بالسلاسة، والنكهة الرشيقة في اسلوبها، اشرف عليه"إعداداً، وتقديماً، وإخراجاً مجموعة من جيل الشباب المتحمسين، ولم يستمر، فللإدارة وجهة نظرها الخاصة بها". وعن تجربتها كمراسلة سياسية مع قناة دبي تقول:"لا اريد المقارنة مع التلفزيون السوري، من حيث آليات العمل وهي مختلفة ولتلفزيون دبي خصوصية، وكان سباقاً الى جمع المراسلين من جميع انحاء العالم وتدريبهم تقنياً، وطريقة التعامل مع الأخبار، والتحرير، ونلت خبرة مهمة بفضله، وتعرفت من خلاله الى آلية جديدة ونمط إعلامي جديد - نمط دولة - فالإعلام يعكس في النهاية صورة دولة". واختتمت حديثها عن حال المذيعة السورية قائلة:"انها متأخرة اعلامياً عن المذيعات الموجودات في المحطات العربية، لأن مسؤولية الإعلامية في سورية مختلفة، تحاول قدر الإمكان الموازنة بين متطلباتها كمذيعة وبين المعطيات والظروف المحيطة، وبعضهن يتمتعن بالجدية في العمل، لكنهن لا يستطعن مواجهة تلك الظروف، ومصيرهن ونتيجة للإحباطات المتكررة، التعب والملل، فيعدن الى الوراء، وبعضهن الآخر متأخر جداً ويراد للبعض الآخر ان يتأخر على رغم توافر الإمكانات الكبيرة، وأمثلة كثيرة يمكن ذكرها من خلال سؤالي فمثلاً:"من قال انه يحق لمذيعة ما ان تحتكر برنامجاً، وعلى مدى عقود من الزمن في التلفزيون، مع ملاحظة ان اسلوبها الرتيب لم يتغير ابداً، وهذا خطأ إعلامي كبير، وخطأ في آليات العمل في مجال الإعلام السوري".