لم تخل الشهور الاخيرة من الحديث عن حالات فساد وارتشاء في الدوري الانكليزي، لم تشهدها الكرة البريطانية في السابق، حتى قادت الى مطالبات سياسية، بإعادة النظر في هيكلية تنفيذ الصفقات بين الأندية، وتجديد عقود اللاعبين، والتشديد على الشفافية والمحاسبة. مركز هذه الزوبعة هم السماسرة ووكلاء اللاعبين، الذين تنتقل الى جيوبهم ملايين الجنيهات كل موسم، بسبب توسطهم في انتقال اللاعبين بين الاندية. ففي حين يعد عملهم ضرورياً لكسر الجليد بين طرفين اثناء التفاوض، ان كان بين ناديين على صفقة انتقال لاعب، أو بين ناد ولاعب على تجديد عقد، فان تقاضيهم مبالغ من ستة ارقام على عمل يستغرق نحو نصف ساعة اكسبهم الكثير من الاعداء والحاسدين. لكن مثلما يتوق النادي واللاعب الى خدمات هذا السمسار، لأنه يزيد من مدخول اللاعب بجلب افضل عقد له، ويخلص النادي من لاعبين غير مرغوبين، فان ادارة النادي عادة ما تبغض افعاله وجشعه، ودوره الهدام في زعزعة استقرار الفريق، رغم ان حلقة المستفيدين دائماً تتوسع خارج نطاق ما تنص عليه الاوراق الرسمية للصفقات، فهم كالمنشار يأخذون حصتهم من النادي واللاعب في آن، حتى اكسبهم ذلك لقب"الرجال الذين هم على استعداد لبيع امهاتهم"، ومع ذلك لا بد من وجودهم. فمثلاً نادي ليدز تخلى عن غالبية لاعبيه بفضل السماسرة، فهو وقع في مشاكل مادية حتمت عليه تقليص مجموع الرواتب السنوية، خصوصاً للنجوم اصحاب الرواتب العالية جداً، فحام السماسرة وجالوا خلال اشهر، وتخلص ليدز في غضون عامين ممّا لا يقل عن 18 نجماً، وقد يبدو ان السماسرة قدموا خدمة جليلة لليدز، لكن في الحقيقة فانهم حصلوا على ما بين 10 و25 في المئة من صفقة انتقال كل لاعب. وفي بعض الاحيان يغضب المدرب من سلوك لاعب في فريقه فيقرر التخلص منه بسرعة، وهو ما يحصل عادة بفضل جهد السمسار، فعندما غضب مدرب مانشستر يونايتد اليكس فيرغسون من مدافعه الهولندي ياب ستام، على سرده في كتاب اسرار ما يدور داخل اروقة النادي قبل نحو 4 سنوات، وجد ستام نفسه يعقد مؤتمراً صحافياً معلناً ارتداءه الفانلة الزرقاء السماوية لنادي لاتسيو في غضون اسبوع من نشر الكتاب، وفي سرعة اذهلت الصحافة الانكليزية التي تشم عادة رائحة مثل هذه الاخبار قبل ايام من حدوثها، وكله بفضل السماسرة. وعلى النقيض، عندما يرغب ناد في ضم لاعب، مثلما رغب مانشستر يونايتد بضم مهاجم فولهام لويس ساها، وتشلسي بضم لاعب وسط تشارلتون سكوت باركر، خلال النصف الثاني من الموسم الماضي، وعلى رغم معارضة نادييهما الشديدة لبيعهما، فانهما رحلا، بفضل السماسرة الذين زرعوا افكاراً وردية في رأسيهما، منها المشاركة في المسابقات الأوروبية، وأهمها مضاعفة ما يتقاضيانه من راتب، علماً ان القوانين الدولية تحرم على الاندية مفاوضة اللاعبين الا عبر القنوات الرسمية، قبل بدء الدرجة الممتازة في العام 1992، لم يكن للوكلاء والسماسرة نشاط ملحوظ، وكان التفاوض يتم مع اللاعب مباشرة، لكن مع هطول المبالغ الخيالية في الدوري الإنكليزي، أصبحت ساحة خصبة للسماسرة، وبات اللاعبون في حاجة إلى من يدير لهم أمورهم، ويبعدهم عن مصلحة الضرائب، فاصبح الان الآلاف من الوكلاء في العالم، والمئات في إنكلترا، وعشرات السماسرة العرب في انحاء الشرق الاوسط، توجب عليهم الوفاء بشروط الاتحاد الدولي لكرة القدم والنجاح في اختباراتها، وبحسب أرقام موسم 2001-2002 فان قيمة ما تقاضاه الوكلاء والسماسرة بلغ 46 مليون جنيه، من اصل 800 مليون جنيه صرفتها الاندية الانكليزية على شراء لاعبين جدد وتجديد عقود آخرين. ابناء المدربين جاءت خطوة اقالة جيسون فيرغسون، ابن مدرب مانشستر يونايتد اليكس، كوكيل للاعبين في النادي، بعد الضغط الهائل الذي وضعه ابرز مالكي الاسهم في النادي، جون ماغنر، بعد خلاف مع فيرغسون الاب على ارباح ملكية حصان سباق، فوظف ماغنر رجل تحر ليكشف ما يخرج من خزانة النادي وعلاقة فيرغسون به، فخرجت التحريات مثيرة، أسعدت رجل الأعمال الايرلندي وقادته الى وضع وثيقة ب99 سؤالاً، اقرب إلى 99 اتهاماً، طلب من فيرغسون الاجابة عليها، وكلها تتعلق بصفقات انتقال اللاعبين من النادي واليه، بين عامي 2001 و2004، وغالبيتها كان ابنه جيسون العامل المشترك فيها. وأبرزها يتعلق بمبلغ 750 الف جنيه دفعها النادي الى شركة"ايليت"، التي يملكها جيسون، عن دوره في انتقال المدافع ستام الى لاتسيو في آب اغسطس 2001، فتساءل ماغنر لماذا دفع النادي هذا المبلغ في حين انه الطرف البائع؟ ولماذا وافق على دفع مبلغ انتقال لاعب الوسط خوان فيرون كاملاً 28 مليوناً للاتسيو، ولم يحاول اقتطاع ما تبقى من صفقة ستام التي لم يحصل النادي على كامل مبلغها إلى الآن؟ وتساءل أيضا: لماذا دفعت خزانة النادي 700 الف جنيه الى رجل الاعمال غاتيانو موروتا، عن دوره في انتقال الحارس الاميركي تيم هاورد، الذي بلغت قيمة انتقاله 2.3 مليون جنيه، اي نحو ثلث قيمة الصفقة. عدا عن 750 الفاً دفعها النادي لسماسرة عدة عن دورهم في انتقال لويس ساها، كما شدد التقرير على مبلغ 300 الف جنيه قبضه جيسون عن دوره في ضم الحارس روي كارول من ويغان في 2001، واغربها كان دفع النادي 50 الف جنيه لجيسون على صفقة انتقال الحارس الايطالي ماسيمو تايبي الى ريجينا، في حين ان المشتري دفع لوكيل تايبي ولا علاقة لجيسون لا من قريب ولا من بعيد بالصفقة. وعلى رغم نفي اليكس فيرغسون علمه باي صفقات مريبة او مثيرة للشكوك، إلا انه اضطر الى اعفاء ابنه من العمل داخل اسوار النادي، على رغم بقاء نحو 13 لاعباً مسجلين رسمياً مع شركة"ايليت"، التي يملكها جيسون، ومن بين اللاعبين المسجلين الجنوب افريقي كوينتن فورتشن ودارن فليتشر، وعلى رغم تواضع عروضهما الا ان النادي دفع ل"ايليت"237 الف جنيه لتجديد عقديهما. وازداد الضغط على فيرغسون بعدما بثت محطة"بي بي سي"، برنامجاً عن اعمال ابنه المشبوهة، وبعدما نشرت المجلة الرسمية التابعة لل"فيفا"مقالاً، اعتبر أن مدرب مانشستر استغل منصبه ليفيد افراداً من عائلته، من صفقات انتقالات اللاعبين، واستباقاً للاحداث، وتنفيذاً لطلب الاتحاد الانكليزي الشفافية، فان مانشستر نشر كشفاً دقيقاً عن قيمة ما دفعه للوكلاء والسماسرة في الموسمين الاخيرين، وابرزها: ضم الارجنتيني غابرييل هاينتسه من باريس سان جيرمان الفرنسي، بقيمة 6 ملايين جنيه، ودفع عمولة للوكيل 525 الف جنيه، وضم البرتغالي كريستيانو رونالدو بقيمة 10.6 مليون جنيه، ودفع عمولة للوكيل 1.13 مليون جنيه، وضم الفرنسي لويس ساها من فولهام بقيمة 11.5 مليون جنيه، ودفع عمولة للوكيل بقيمة 750 الف جنيه، وضم واين روني من ايفرتون بقيمة 27 مليون جنيه، ودفع عمولة للوكيل 1.5 مليون جنيه. وعلقت ادارة النادي على المبالغ الكبيرة التي دفعتها كعمولات للوكلاء، وقدرتها رسمياً ب13.4 مليون، ل21 صفقة منذ تشرين الثاني يناير 2001 حتى تشرين الثاني يناير 2004، بأنها"في مقابل خدمات جيدة". لكن فيرغسون واحد من ثمانية مدربين ومسؤولين في الدوري الإنكليزي، يمتهن أبناؤهم إدارة شؤون اللاعبين المحترفين، ما ترك اللعبة مشرعة لجذب انتقادات لاذعة على استغلال ومحسوبية واضحتين. فابن رئيس نادي نيوكاسل فريدي شيبارد يعمل وكيلاً للاعبين داخل اسوار النادي، حتى ان مكتباً باسمه كان موجوداً في النادي. موقف الأندية والاتحادين الإنكليزي والدولي لا شك ان الاتحاد الانكليزي لكرة القدم اعرب عن قلقه من الاعمال المشبوهة للسماسرة، خصوصاً من اقارب اللاعبين والمدربين، واصر في قانونه للتعامل مع الوكلاء، والذي ما زال تحت المراجعة، على ان يذكر اسم كل وكيل توسط في صفقة انتقال لاعب او تجديد عقده، على اوراق الصفقة الرسمية وقيمة العمولة التي حصل عليها لقاء خدماته. ويشدد الاتحاد الانكليزي على معرفة دور الاطراف الخفية والسرية التي تحصل على عمولات بصورة مريبة ومبهمة، وكذلك على العلاقة التي تربط بين السماسرة وبين المدربين ومسؤولي الاندية، ومعرفة على سبيل المثال ان كان للمدرب او المسؤول أسهم في شركة لادارة اعمال اللاعبين وبالتالي المنفعة التي سيحصل عليها من تفضيله استخدام هذه الشركة في شراء اللاعبين او بيعهم او تجديد عقودهم، والتعارض بين المصلحة الشخصية ومصلحة النادي. ويسعى الاتحاد الى اجبار فرق الدرجة الممتازة العشرين على نشر تقارير مالية سنوية تذكر بالتفصيل قيمة كل عمولة حصل عليها طرف ثالث، وتفاصيل كل صفقة زادت قيمتها على 25 الف جنيه. والمثير في الامر ان الاتحاد الدولي للعبة فيفا لم يبد اهتماماً او انزعاجاً من التقارير التي كان يرسلها له الاتحاد الانكليزي، ولم يحاسب اياً من الوكلاء والسماسرة الذين رفعت في حقهم تقارير تشكو استغلاليتهم وخروجهم على القانون. ويقول مسؤول في الاتحاد الانكليزي عن قوانين الاتحاد الدولي:"القوانين الحالية للفيفا غير مطبقة وتعد غير اجبارية والاتحاد الدولي لا يملك الشهية لإجبار الوكلاء والسماسرة على تطبيق قوانينه. نحن في الاتحاد الانكليزي نعمل منذ زمن على نص قوانين جديدة حتى دخلت مصلحة الضرائب على الخط، لكننا ركزنا على الامر في الشهور الستة الاخيرة".