أظهرت دراسة قام بها قسم التسويق التابع لكلية الاقتصاد في جامعة زيوريخ أن الشباب السويسري يهتم كثيراً بماركات الملابس أو الاكسسوارات المرافقة لها قبل الاهتمام بالنوعية والجودة، حتى ولو كان الثمن أغلى بكثير من أي منتج منافس يتفوق عليها في الجودة. ورأت الدراسة التي أُجريت على 1200 شاب وشابة تراوح أعمارهم بين 15 و 22 عاماً، أن اسم الماركة هو الذي حدد توجهاتهم في الشراء وانهم يشترون المظهر الخارجي فقط من دون التركيز على الجودة، محاولين إعطاء الآخرين انطباعاً عن انتماءاتهم الفكرية، التي سرعان ما تتبدل في فترة المراهقة. ورأت الدراسة، أن تغيير الشاب لتصاميم الالبسة يعكس رغبته في البحث عن شخصيته من خلال ما يظهر به أمام الناس. فالشاب أو الفتاة يود أن يكون مسايراً لآخر خطوط الموضة، فيبدو من خلالها منفتحاً على العالم، وكأنه يعي ما حوله لا سيما في مجال الموسيقى والغناء، في ظل تراجع الاهتمام بالثقافة العامة. اما الفتيات فيهتممن بالظهور في شكل يلفت الأنظار إليهن، وتهتم غالبيتهن باسم الماركة قبل أي شيء آخر، لاسيما بالنسبة الى مستحضرات التجميل. ومن المفارقات أن 63 في المئة من المشاركين في الدراسة يعتبرون ان تكرار اسم الماركة وكبر حجمها من الأسباب التي تجذبهم إلى السلعة. ورأى 76 في المئة أن الماركات الأكثر انتشاراً بين الشباب هي التي يكون الإقبال عليها أكثر، وليس شرطاً أن يكون لها حضور إعلاني مميز، بل يكفي ان ترتبط بشخصية أو حدث معين، مثل منافسة رياضية أو فريق موسيقي أو أحد نجوم السينما. ووقفت"الحياة"على آراء عدد من الشباب في نتيجة هذه الدراسة خلال جولة على المحلات التجارية الخاصة بملابسهم، فبدوا مدركين جيداً أسباب اختياراتهم، وغير مهتمين مثلاً بخامات التصنيع أو الجودة، ومدة الاستهلاك. وتبين ان نسبة كبيرة منهم لا تربط بين الحضور الإعلاني القوي والجودة، بل تعتقد بأن الحضور الإعلاني يكون سبباً في ارتفاع الأسعار، وأن الموديل الجيد لا يحتاج إلى اعلان. ويدافع الشباب عن لهاثهم وراء الموضة الحديثة لأنه"شيء طبيعي أن يكون الانسان متجدداً دائماً بين أصدقائه"، حسب قول غالبيتهم، بينما رأت مجموعة أخرى أن الحرص على ارتداء ملابس لها علامات تجارية معروفة ومشهورة دليل على أن الشاب أو الفتاة"مودرن". وتتكرر نسبة كبيرة جداً من الشباب الحريصين على اتباع الموضة في المدن، بينما يحاول شباب الضواحي الظهور في شكل لا يبدون فيه متخلفين عن أقرانهم، وفي الوقت نفسه لا يعادون الطبيعة المحافظة التي نشأوا فيها. لكن نظرة سريعة لبعض المراهقين يمكن أن توضح من منهم أبناء مدن ومن منهم سكان الضواحي. في احد محلات بيع الملابس الرياضية قالت البائعة إن الشباب ينظرون أولاً إلى الماركة قبل السعر، فإذا اقترن اسمها بلاعب مشهور أو فريق رياضي معروف فلا يهمهم الثمن، وتبدأ حمى الشراء، فالقميص الرياضي يمكن أن يصل إلى 100 دولار بينما هو في الأصل لا يختلف عن أي قميص عادي. ومن المواقف الطريفة التي تقصها البائعة أن شاباً اشترى منها حذاء رياضياً كان الأخير لديها، وفي اليوم التالي جاءها ثلاثة شبان يريدون الحذاء نفسه. فقد اغاظهم صديقهم ذاك عندما قال لهم بأنه اشترى"آخر قطعة من هذا النوع في المدينة كلها". وبحنكة البائعة في مثل تلك المواقف، وعدتهم بمحاولة"بذل أقصى ما في وسعها للعثور على الموديل والماركة نفسيهما"، فكان رد فعل الشبان أنهم مستعدون لدفع ثمن أغلى للحصول على هذا الحذاء النادر. وتعترف البائعة بسخرية بأن الحذاء عادي جداً، لكن الشاب الذي اشترى آخر قطعة أراد أن يثبت لزملائه أنه حصل على شيء نفيس، وهم ارادوا أن يثبتوا له العكس، والمستفيد في النهاية هو صاحب المحل، الذي باع لهم الحذاء ب 300 دولار، على رغم ان ثمنه العادي لا يزيد عن 100 دولار، ولكن لأن المحل بذل"أقصى جهوده"للحصول على هذه البضاعة النادرة، فكان على المشتري أن يتحمل فارق السعر. محل تجاري آخر متخصص في سراويل الجينز بماركاتها المختلفة، استطاع أن يستقطب الشباب للشراء بالأسعار التي يفرضها، ووجد أن عرض صور ممثلي السينما يرتدون بعض الموديلات المشابهة لما يعرضه من دون أية كلمة إضافية كفيل بدفع المراهقين للشراء، لا سيما إذا كان الشريط حديث العرض أو اكتسب شهرة معينة. وابتكر أحد أصحاب المحلات التجارية أسلوباً جديداً لجذب انتباه الشباب، فمن المعروف أن شتاء سويسرا القارس يتطلب ارتداء قبعات، وحرصاً على تقديمه للجديد والمتميز، وضع على سبيل التجربة شعاراً بسيطاً على كمية قليلة من القبعات الصوفية التي يعرضها، فظن بعض المراهقين أنها ماركة جديدة، فأقبلوا على شرائها معتقدين بأنهم أول من يحصل عليها في سويسرا. وحرصت محلات اخرى على وضع نوعية معنية من الموسيقى والأغاني، لتستقطب الشباب، فأصبح بعضهم يذهب إلى هذا المحل أو ذاك لأنه يستمع هناك إلى مقطوعات موسيقية جميلة ونادرة ترافق ألبسة من نوع معين. وهذا ينطبق على محبي"الراب"أو"الميتال"أو"الهارد روك"أو"التكنو"الذين يرتدون ثياباً تشبه موسيقاهم. وتصنف الدراسة التي أصدرتها جامعة زيوريخ اهتمامات المراهقين في سويسرا في 3 اتجاهات: الملابس والأحذية والهواتف النقالة. و"النوع الأخير"يأتي على رأس اهتمامات الشباب في الحصول على كل جديد فيه، ولا تجد الشركات مشكلة في التحايل على المراهقين، فيكفي الإعلان ان الجهاز الجديد، وان يحتوي على عدسة تصوير ويستقبل صوراً ملونة وملفات فيديو وهو صغير الحجم ليتم تسويقه سريعاً. والهواتف النقالة هي الأسرع في تجديد موديلاتها، فيكفي تغيير التصميم الخارجي للجهاز حتى يحاول المراهقون التخلص من القديم للحصول على الجديد. والغريب أن الشباب الذين يحرصون على اقتناء مثل تلك الملابس والهواتف النقالة الحديثة ويدفعون ثمنها غالياً، لا يهتمون بجودة الغذاء مثلا، ولا يبحثون عن الأطعمة الفاخرة او حتى الصحية، بل ينهمون من الوجبات السريعة على رغم التحذيرات من خطرها، أو تلجأ الفتيات إلى الحمية القاسية حفاظاً على الرشاقة في شكل دائم. ويعلق بعض المراهقين على هذه الملاحظة بالقول إن"أحداً لا ينظر إلى معدتك وما بها من طعام جيد أو غير جيد، ولكنهم ينظرون إلى ما ترتديه وأي هاتف نقال تستخدمه، وعليه يتم تصنيفك والحكم عليك إن كنت كوول أم لا!".