لماذا الحريري بالذات؟ ما هي دوافع الجريمة؟ من هي الدول المتورطة في هذه الجريمة؟ اسئلة كثيرة مشابهة لهذه الأسئلة تطرحها علينا الوسوسة الموجودة في عقولنا، وإلى هذه اللحظة لا اجد لها اية اجوبة، ولكن جل علمي يكمن في ان جريمة اغتيال الحريري هي جريمة سياسية ليس الهدف منها فقط ازاحة الحريري عن رئاسة الحكومة اللبنانية، ولكن اشياء اخرى من قبيل اعادة ترتيب البيت الإقليمي للشرق الأوسط العربي، وخصوصاً بعد سلسلة التغيرات في العالم قاطبة، وفي العربي منه خاصة، وليبيا والعراق مثالان حيان شاهدان على نتيجة هذه المتغيرات فهل كانت هذه الجريمة هي مفتاح بوابة تغيير النظامين الحاكمين في بيروت، ودمشق، وبدا ذلك واضحاً من إسقاط الحكومة اللبنانية بعيد اغتيال الشهيد الحريري، وتوجيه التهمة في شكل مباشر الى النظام الأمني في لبنان، وقادة القوات السورية العاملة فيها. ديتليف ميليس خلص في 21/10/2005 الى تسليم تقريره المهني الى الأممالمتحدة، وأعلن عن تورط مسؤولين امنيين لبنانيين في جريمة الاغتيال، وأكد ان قرار عملية الاغتيال ما كان ليتخذ من دون موافقة مسؤولي امن سوريين كبار، وتواطؤ نظرائهم في اجهزة الأمن اللبنانية إضافة الى تورط جهات اخرى في هذه الجريمة كجماعة الأحباش الإسلامية، وتورط عناصر من الجبهة الشعبية القيادة العامة، إلا ان السؤال الأهم الذي طرحته نتيجة تقرير ميليس هو: لماذا اغتيل رفيق الحريري والنائب باسل فليحان؟ وغيرهما؟ في جريمة قذرة تقشعر لها الأبدان، الجريمة التي نفذت بكل دقة، وعلى الغالب جريمة شبه كاملة. اغتيل العشرات من المسؤولين اللبنانيين قبل الحريري، ومنهم من كان اكبر من الحريري منصباً فالرؤساء والزعماء الدينيون، والحزبيون، وغيرهم لقوا نصيبهم من جرائم الاغتيال، ولم تستطع أي حكومة لبنانية، او حركات شعبية، وسياسية في لبنان من تحويل ملفاتهم الى الأممالمتحدة بغية الحصول على قرار يقضي الى تشكيل لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق في جرائم الاغتيال المختلفة التي طالت العشرات من المسؤولين اللبنانيين. الكثير من الملفات التي كانت ترقد تحت رماد هادئ، وأهم هذه الملفات الوجود العسكري السوري في لبنان، والوجود الفلسطيني على مستوى الجماعات المسلحة اضافة الى ملف"حزب الله"، والتي كانت تسعى الولاياتالمتحدة وإسرائيل واللبنانيون الى الحصول على قرار دولي يقضي بإلزام كل هؤلاء بترك لبنان وشأنه، وتمنع التدخل في حياة اللبنانيين، وكان ما ارادوا في 2/9/2004، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1559 الخاص بالوضع في الشرق الأوسط، ودعا الى انسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان. اغتيال الحريري مسألة اغتيال سياسي من دون منازع لما لتأثير الحريري سياسياً في لبنان كرجل سياسة، ولما له من مكانة اقتصادية عالمية، وليس فقط لبنانياً حيث كان يملك شبكة اقتصادية عالمية من خلال المئات من المشاريع العملاقة في لبنان، والعالم العربي، وحتى الغربي، وبذكاء حاد يدير تلك المنظومة، فاغتياله يأخذ ابعاداً اخرى قد يكون للاقتصاد فيها نصيب وإن لم يذكر تقرير القاضي الألماني ميليس هذه المسألة، فالوضع الطبيعي لرجل أعمال مثله أن يكون له أعداء في كل بقعة تحط فيها أعماله، ولكن تبقى هذه الأشياء كلها مبهمة، وغير مبنية. دوافع كثيرة أدت الى اغتيال الشهيد الحريري، وأهمها في رأيي هي إيجاد ورقة عمل دولية للضغط على النظام الحاكم في سورية بغية قلبه وتغييره، وتم توريط سورية في شكل أو بآخر في هذه الجريمة سواء كانت الحقيقة كامنة في تقرير القاضي الدولي، وهي تورط سورية حقيقة في جريمة الاغتيال، أو لم يكن ذلك صحيحاً، فالأمر بدا واضحاً من خلال اصرار الولاياتالمتحدة، وفرنسا، وبريطانيا الى ايجاد قرار دولي آخر من طريق مجلس الأمن الدولي للضغط على هذا النظام حيث يأخذ باستنتاج اللجنة بأن عدم التعاون الجوهري من جانب حكومة سورية مع اللجنة، قوض التحقيق، وأن المسؤولين السوريين حاولوا تضليل التحقيق بإعطاء بيانات مغلوطة وغير دقيقة، إضافة الى انه يأخذ علماً بقلق بالغ بنتائج اللجنة انه، بالبناء على ما تم العثور عليه من جانب اللجنة والتحقيقات اللبنانية حتى اليوم، وعلى أساس المواج، والبراهين المجمعة، والدلائل التي تمت متابعتها حتى الآن، فإن هناك دلائل مركزة تشير الى تورط مسؤولين سوريين ولبنانيين في هذا العمل الإرهابي، وانه من الصعب تصور سيناريو يمكن أن يتم فيه الاغتيال من دون علمهم. ويقرر في هذا الاطار بأنه على سورية اعتقال هؤلاء المسؤولين السوريين، أو الأشخاص الذين قد تعتبرهم اللجنة مشتبهاً بتورطهم في هذا العمل الإرهابي، وجعلهم متاحين في شكل كامل ومن دون شروط للجنة، وعلى اللجنة ان يكون لها في مواجهة سورية الحقوق، والسلطات ذاتها المشار اليها في الفقرة الثالثة من القرار الرقم 1595 وعلى سورية التعاون مع اللجنة في شكل كامل، ومن دون شروط على هذا الأساس، وعلى سورية ان تسمح للجنة بإجراء مقابلات مع مسؤولين سوريين، أو غيرهم من الأفراد، وتعتبر اللجنة ان لهم ضرورة للتحقيق خارج سورية أو بعيداً من وجود أي مسؤول سوري آخر اذا طلبت اللجنة ذلك، وعلى سورية أن تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، سواء مباشرة، أو في شكل غير مباشر، والامتناع عن أية محاولة تستهدف زعزعة استقرار لبنان، وأن تحترم في شكل كامل سيادة، ووحدة أراضيه والاستقلال السياسي لهذا البلد، ويقرر أيضاً انه على سورية أن تتعهد نهائياً بوقف دعمها لكل أشكال الأعمال الإرهابية، وكل المساعدة للجماعات الإرهابية، وإظهار هذا التعهد بتحركات جدية. الأهم من هذا كله هو وجود نية اتخاذ اجراءات اضافية بموجب المادة الرقم 41 من ميثاق الأممالمتحدة اذا اقتضى الحال لضمان رضوخ سورية الى تلك التوصيات. والى حين وصول المسلسل الدولي مع ديتليف ميليس الى الحلقة الأخيرة، والتي قد تكون في منتصف الشهر الأخير من هذا العام ستبقى اسئلة أسيرة أجوبة غير مقنعة، وسجينة تكهنات ليست في محلها لكن طالما الأمر وصل الى الأممالمتحدة بالتأكيد سنرى سيناريوات مختلفة قد تكون على الطراز الليبي، أو العراقي، أو شكل آخر من السيناريوات التي غالباً تتخذ طابعاً دولياً حتى، ولو كانت هذه المسائل تكون مكلفة، وباهظة فالشعب المسكين يدفع كعادته ثمن تذكرتها وفاتورة أخطاء ليس له فيها ناقة ولا جمل، فأين سترسو مراكبك أيها القاضي الألماني السيد ديتليف ميليس؟ مسعود عكو - بالبريد الالكتروني